الكذّاب... كيف نعرفه؟

نشر في 03-08-2010 | 00:00
آخر تحديث 03-08-2010 | 00:00
كذّاب، محتال، منافق، مراوغ، مخادع... تتعدّد الأسماء التي تصف إنساناً يستخدم الكذب لتحقيق غاياته. لا تخلو حياتنا اليومية، عملنا، علاقاتنا الاجتماعية والأسرية من الظروف التي تجعلنا في مواجهة كذّابين. فكيف نرصد هؤلاء ونحبط مكائدهم؟

الكذّابون أنواع وأشكال. يُقال إن ثمة كاذبين يفوق عددهم ما في الحياة أجناس من الفراشات. ثمّة من يكذب لأنه ترّبى على الأخلاق، ذلك هو الرجل المهم. ثمّة من يكذب لتسلية الآخرين، ذلك هو الشاعر. ثمّة من يكذب بدافع الواجب، ذلك هو المثالي. ثمّة من يكذب بدافع المصلحة، الأنانية أو الجبن، ذلك هو الفظّ. ثمّة من يكذب لمجرّد الكذب، ذلك هو الكاذب. وفي النهاية، ثمّة من يكذب على النساء، فذلك لا يكذب إنما ينتقم لنفسه.

الكذب المرضي

لسوء الحظ، قد نصادف في الحياة أيضاً {مرضى} كذب. يعجز من يعاني الكذب المرضي عن رؤية صورته الحقيقية وعن الصمود. في المقابل، تكون دوافع الكاذب العادي غالباً واضحة بما يكفي كالخوف من العقاب مثلاً.

المهووس بالكذب

تلخّص جملة الكاتب الفرنسي، أندريه مالرو، مأساة عالم المهووسين بالكذب: {الهوس بالكذب وسيلة إنكار، لا نسيان}. يجب أن تصبح الحياة قصة خيالية، وأن يشكّل الخيال والواقع كتلةً واحدة. يملأ المهووس بالكذب المساحة التي تفصله عن الآخرين بقصة تجبر المستمع على التعلّق به إمّا لشدّة عظمته أو لشدّة معاناته.

الهستيري

يعتبر الكذّاب الهستيري أن النظر إلى المرآة يعني مواجهة تفاهته، لأن صورته غير مناسبة للفت الآخرين. لذلك، نراه يبحث عن ذاته في هذه الأنظار محاولاً الظهور بهيئة الشخص المثالي. سيدفع ذلك الخلل، النرجسي بقدر ما هو جنسي، في تحديد الهوية بالهستيري إلى تجسيد شخصية أخرى ملبّياً بالتالي الحاجة إلى تجنّب كل لقاء حقيقي بالآخرين. وبما أنه لا يملك هوية محددة، يجد نفسه مجبراً على العيش بشخصية بديلة، لأن لفت الأنظار بالنسبة إليه أمر ضروري. فيستخدم لغة منمّقة، ويرتدي ملابس فاخرة، حياة تبدو للآخرين كرواية حقيقية.

المريض نفسياً

يستخدم المريض نفسياً بالكذب، أو غير المتّزن عقلياً، الكذب كوسيلة وليس كغاية بحد ذاتها كما هي الحال لدى الكذّاب الهستيري. بالنسبة إليه، كل علاقة تبادل اجتماعية محكومة بقانون العنف، والعنف فحسب. يولد المريض نفسياً ويعيش في العالم القاسي حيث {تسود الأنانية}، ويبدو كل فرد أكثر انشغالاً بحل مشاكله الخاصة من أن يبالي بمشاكل الآخرين. إنه العالم الخالي من الأمان وحيث حكم القوي هو السائد. وعلى رغم رغبته في إيجاد الحب والصداقة، سرعان ما تتحوّل كل علاقة يبنيها إلى صدام. مشاكله السلوكية ناجمة عن رؤيته المشوّهة للوجود، ونادراً ما يغيب عنها التهوّر. فتوقعه مراراً في مشاكل مع القضاء (عراك، تهديد، نصب، سرقة، أو قتل). في هذه الحالة، يعتبر الكذب، وإن كان يستجيب لدوافع عفوية، سلوكاً واعياً ومتعمّداً وصفه بعض الكتّاب بالأذى المرضي.

النصّاب

النصّاب هو من يلفّق القصص، وينظر إلى نفسه بعين الأهمية. يهدف بذلك إلى خداع الآخرين واستغلالهم. فنراه يستغل ضحيته ويستفيد منها في الحياة الواقعية، فيما الكذّاب الهستيري يستفيد من الوهم، وفي المقام الأخير، من ضحيته، لأن عليه إما الهرب أو الكشف عن هويته.

المتخلّف عقلياً

هذا الشخص لا يستفيد من قصصه الملفّقة لا في الواقع ولا في عالم الوهم. يبدو الخاسر من جميع النواحي، لأن كلامه قليل ومحتواه وضيع. ما من شك في أن التخلّف العقلي حالة يوجدها المرء ويعيشها، إنما هو أيضاً خلل في المعرفة. هذا المرض النفسي ناجم عن عقدة نقص، لا سيما على المستوى الفكري، المعرفة، الحكم...

المبادئ الكبرى الشهيرة

سواء كنّا أمام كذّابين {عاديين} أو {مرضيين}، نستطيع رصد الأكاذيب عبر التواصل غير الشفهي. فالتصرّفات التي تُعزى عادةً إلى الكذاب مثل الاحمرار، تعرّق اليدين، التهرّب من النظرات... لا تظهر دوماً، ذلك لأن الكذّاب المحترف يحسن السيطرة عليها. كذلك، قد تعكس التصرّفات المضطربة، والمواقف المشوّشة، الخاطئة أو المترددة، وغيرها مجرّد إحساس الكذّاب بأن أمره كُشف وليس الكذب بحد ذاته.

في المقابل، قد تسمح تسجيلات الفيديو العالية الدقة بكشف بعض مؤشرات الكذب العفوية (مثل تقلّص عضلات الوجه). بالتالي، تتطلّب هذه القدرة على كشف الكذب تمرّساً لا سيما في المهن حيث من الضروري التأكد من صحّة الكلام (مثل مفتّشي الجمارك، الشرطة...). مع ذلك، يجب أن يسمح تدريب مكثّف بإخفاء جزء من عوارض الكذب إلى حد ما.

عند محاولتنا كشف الكذب، من الضروري أن نكون ملمّين بالحركات الجسدية التي تميّز الكذب. علينا أن نعلم بأن الكذب سلوك ضار. فتلفيق الأكاذيب يولّد انزعاجاً، شعوراً بالندم، ويترافق بنتيجة الأمر مع سلسلة من الحركات الجسدية تتفاوت درجة بروزها وفق أهمية الأكذوبة، ومدى تمرّس الكّذاب. مع ذلك، ليس بالضرورة أن نكون خبراء في كشف الكذب للتعرّف إلى من لا يعرفون الكذب. في النهاية، يجب البحث عن دلائل الكذب في لغة الجسد، الوجه، وحركات اليدين والقدمين.

حركات الكذّاب

- فرك أسفل الأنف باليد مؤشر نموذجي لدى الكذابين. فإن كان الشخص الذي يقوم بهذه الحركة يستمع إلى شخص آخر يتحدّث، ذلك يعني أن هذا المتحدّث كاذب في نظره.

- في العلاقات العاطفية، يغلق الكاذب قبضتيه مع إخفاء الإبهام، أو يسند إصبعي السبابة والوسطى إلى شفتيه وكأنه يدخن سيجارة وهمية.

- في العمل، إن صافحك أحد بطريقة يقصد بها التهرّب، فذلك دليل على الكذب.

- في الصداقات، لا تثقوا بذلك الذي يقلّم أظافره من دون أن يعطيك أذناً صاغية.

كيف نحبط التناقضات الشفهيّة؟

وحدها الوضعيات والحركات تسمح بمعرفة إن كنا أمام كذّاب أم لا، لكن إليكم بعض التقنيات التي تمكنكم من كشف التناقضات في كلام أحدهم:

مواجهة الكذّاب بالحقيقة

تلك هي الطريقة المباشرة والأكثر فاعليةً. فعبر مواجهة الكذّاب بالواقع، يُفضح أمره.

طلب تفاصيل

في حال أعدّ الكذّاب خطاباً قابلاً للتصديق ظاهرياً، يكفي أحياناً النبش قليلاً لاكتشاف الترّهات. لذلك، تقضي الطريقة المثالية بأن ننهال عليه بأكبر قدر من الأسئلة والاستعلام منه عن التفاصيل.

إجباره على التكرار

قد يشكّل الطلب من الكذّاب تكرار جزء من كلامه وسيلة ممتازة لفضح زيف كلامه، لا سيما إن كانت كذبته مرتجلة. لا تؤتي هذه الطريقة فاعليتها إلا في حال كان خطابه طويلاً بما يكفي.

الإيهام

تقضي هذه التقنية بجعل الكذّاب يواجه وضعاً حرجاً، عبر إيهامه بأن أمره كُشف. مع ذلك، لا يجب أن يكون المرء جازماً جداً عند اعتماد هذه الطريقة، لأنه في حال اكتشف الكذاب أنكم مخطئون وأنه يقول الحقيقة، ستواجهون موقفاً حرجاً.

التحلّي بالصبر

حين يلفّق شخص أكذوبة، يتوقع غالباً تقديم مزيد من الشروحات. بنتيجة الأمر، يبقى متيقظاً ليتمكن من إحباط محاولات كشف زيف كلامه. لذلك، عوضاً عن محاولة كشف أمر الكذّاب فوراً، عليكم التصرّف وكأنكم تصدقون أكذوبته. وعندما يتنفس الصعداء لعدم اضطراره لتبرير ما يقوله ستقل ثقته بنفسه، لذا أطلبوا منه مجدداً شروحات بعد دقائق.

في جميع الأحوال، لا يجب التصرّف بعدائية أو إظهار شكوكنا. في المقابل، يجب الاحتراس من عدم التشكيك في الآخرين خطأً. من المؤلم أن يُتهم المرء بالكذب حين يكون صادقاً بالفعل، وإن واصلتم مضايقة معارفكم أو رفاقكم عبر التشكيك في مصداقيتهم، لن تستطيعوا تسوية حياتكم الاجتماعية أو العاطفية.

back to top