إعدام صاحبة الجلالة

نشر في 22-01-2010
آخر تحديث 22-01-2010 | 00:01
 فالح ماجد المطيري تعتبر وسائل الاتصال الجماهيري بعمومها، والصحافة بشكل خاص، من أكثر الأدوات الفاعلة منذ ظهورها في تعميم المعرفة ونشر التنوير، وزادت أهميتها بعد أن أصبحت من أهم الوسائل في تشكيل وتوجيه الرأي العام بعد ذلك، فهي التي تتبنى القضايا ذات التأثير، وتملك القدرة على جمع المعلومات وآليات الإفصاح عنها، وتوجيهها في الاتجاه الذي يتيح للشعب الاطلاع على ما يسعى البعض إلى إخفائه عنه، ولعل من أشهر القضايا التي رفعت من قدر الصحافة، ما عُرف بفضيحة "ووترغيت" التي أطاحت بالرئيس الأميركي ريتشارد نيكسون، وبعد ذلك الأزمة التي تعرض لها الرئيس بيل كلينتون مع المتدربة لوينسكي، وقبل ذلك ما عرف في عهد إدارة ريغان بـ"إيران- كونترا" وغير ذلك الكثير.

هذه الأهمية المتزايدة لوسائل الاتصال الجماهيري، والصحافة بشكل خاص، جعلت البعض يطلق عليها من الأسماء ما يبين أهميتها، وبالذات الصحافة، فهناك من يسميها "صاحبة الجلالة"، وذلك لما تحظى به من أهمية واحترام لدى الجميع، وينسحب ذلك بالتبعية على العاملين "في بلاطها"... ففي الدول المتحضرة التي تقدر قيمة الحرية، نجد أن الصحافة والعاملين فيها، لهم كل احترام وتقدير، أما في الدول المتخلفة كدول العالم الثالث بعمومها، والدول العربية بشكل خاص، "فصاحبة الجلالة" تتحول إلى "بنت شوارع" سيئة السمعة تجب ملاحقتها والعاملين فيها بالهراوات والقوانين التي تحد من دورهما في المجتمع.

ويزيد البعض من إبراز أهمية الصحافة بشكل خاص فيسمونها "السلطة الرابعة"، وهو اسم يوحي بأن الصحافة تشارك السلطات الدستورية الثلاث في الحكم، وإن لم يُنص على ذلك دستورياً، ولكن قوتها وتأثيرها في الشعب تفوق السلطات الثلاث الأخرى، ويعود الفضل في إشهار ذلك الوصف على الصحافة إلى المؤرخ الأسكتلندي "توماس كارليل" في كتابه "الأبطال وعبادة الأبطال"، مستعيراً عبارات للمفكر الإيرلندي "إدموند بيرك" الذي وصف الصحافة بالسلطة الرابعة إلى جانب رجال الدين والنبلاء والعوام.

وفي وقتنا الحالي يعتبر مقياس حرية الصحافة ودرجة تأثيرها في المجتمع من أهم المقاييس التي تحدد درجة تقدم المجتمع وتطوره، وقد كانت الصحافة الكويتية، منذ ما قبل الغزو العراقي إلى الآن، من أهم الوسائل التي خلقت للكويت عربياً ودولياً سمعة تحظى بالاحترام والتقدير، واحتلالها للمركز الأول على مستوى الحريات الصحافية عربياً في العام الماضي خير دليل.

لكن لأن الله مَنّ علينا بحكومة تجتهد بالقضاء على كل ما هو جميل في حياتنا، فقد أزعجها ذلك، وسعت بكل إمكاناتها إلى جعل مركز الكويت في الحريات إلى جانب مركزها المتأخر في مكافحة الفساد، فأرهقت ملّاك المؤسسات الصحفية والكتّاب وأرهبتهم بالقضايا والغرامات، وتزيد الآن بمعاونة بعض أعضاء أسوأ مجلس أمة في تاريخ الكويت، إلى إعدام الصحافة وحرية الكلمة بقانونها سيئ السمعة الذي تحاول تسويقه تحت مبررات واهية.

وزير التنمية سعيد بخطته "أم 37 مليار"، والظاهر أن معاليه يعتقد أن التنمية هي بناء الأبراج والجسور فقط! ولا يعلم أن التنمية هي عملية تأسيس نظم اقتصادية وسياسية متكاملة قادرة على إحداث مجموعة من التغييرات الحضارية في المجتمع، ولا يتم ذلك بلا صحافة حرة، إلا إذا كان للسبعة والثلاثين مليارا حسبة أخرى ولا يريدون لأحد أن يتكلم أو يسأل!

back to top