اختبار أوباما الشرق أوسطي

نشر في 07-06-2009 | 00:00
آخر تحديث 07-06-2009 | 00:00
من المرجح أن مستشاري الرئيس باراك أوباما لشؤون الشرق الأوسط قد طلبوا منه التركيز (كما يفعلون دائماً) على مسيرة السلام الإسرائيلية الفلسطينية، الهاجس الحقيقي في المنطقة، عوضاً عن المثالية الديمقراطية الملطخة السمعة.

آخر مرة رأيت فيها أيمن نور كانت في غرفة مؤتمرات غير مرتبة في القاهرة عام 2005 فيما كان يترشح للرئاسة ضد حسني مبارك، الحاكم العسكري لمصر. خلال جولة إلى الشرق الأوسط، التقت وزيرة الخارجية كوندوليزا رايس مجموعة صغيرة من المعارضين المصريين وقادة المجتمع المدني لمناقشة مسألتي الديمقراطية وحقوق الإنسان. كان كثيرون في الغرفة متحمسين بفعل الدرجة الأكبر من حرية التعبير التي كان مبارك يسمح بها في مصر في ظل ضغوط أميركية، فاعتقدوا أن باباً ينفتح أمامهم.

أخيراً تحدث نور الذي كان يبدو مرهقاً: «هذا ليس باباً مفتوحاً، إنه باب دوّار. سيفضي إلى خلاصة واحدة: مناجاة ذاتية وليس حواراً. وشكى نور من أن قوانين الانتخاب المصرية كانت غير واضحة وغير عادلة. كانت الحكومة تواصل الاتهامات القانونية الملفقة ضده، وكان عملاء الأجهزة الأمنية الحكومية يتتبعونه في كل مكان.

كان تشاؤم نور يعكس توقعه لما سيحصل، فبعد الانتخابات، سُجن لثلاث سنوات، والآن يحظر عليه ممارسة مهنة المحاماة، أو الترشح لمنصب، أو الظهور على شاشات التلفزة الوطنية، في الأسبوع الماضي، أحرق معتدون مجهولون وجه نور وشعره مستعملين قاذفة لهب يدوية الصنع. يدخل باراك أوباما إلى دولة ومنطقة حيث تعتبر معاملة كهذه الثمن العادي للشجاعة السياسية، والخطاب الذي ألقاه في جامعة القاهرة من المنتظر أن يبعث بإشارة دبلوماسية كبيرة: هل يحترم أوباما ويدعم شجاعة كهذه، أو يخفف من أهميتها ويغض الطرف عنها في السعي «الواقعي» وراء غايات أخرى؟

في هذا السياق، يأمل المرء أن يكون أوباما ومَن يكتبون خطابه قد اطلعوا على كتاب بعنوان «المؤسسون المقبلون: أصوات الديمقراطية في الشرق الأوسط» «The Next Founders: Voices of Democracy in the Middle East» ، كتاب جديد مهم ألّفه جوشوا مورافشيك، ويتحدث الكتاب عن سبع رجال ونساء- 6 عرب و1 إيراني- يقومون بمجازفات غير معقولة دفاعاً عن قضية حقوق الإنسان والحكم الذاتي. من بين هؤلاء امرأة سعودية تعترض على معاملة النساء كقطعة أثاث؛ وناشر مصري يحاول تقديم صحافة حرة ومسؤولة إلى مجتمع استبدادي، وقد عانى معظم هؤلاء المصلحين في السجن أو هُددت حياتهم وعائلاتهم. كذلك أخبرني مورافشيك في مقابله معه أن عدداً كبيراً من هؤلاء المعارضين شعروا «بالخيانة» خلال السنوات القليلة الماضية من إدارة بوش، عندما بدا أن احتواء إيران ومسيرة السلام الإسرائيلية الفلسطينية تتقدم من حيث الأولوية على الترويج للديمقراطية (إلا في العراق). وقد رحّب المصلحون في المنطقة بشكل عام بحماسة بانتخاب أوباما، لكن موراشفيك يقول إن المنشقين يصبحون «قلقين حيال لامبالاة الإدارة الواضحة بالانتهاكات على صعيد الديمقراطية وحقوق الانسان». وعليهم أن يكونوا كذلك، في الشرق الأوسط وأمكنة أخرى، فقد اعترفت وزيرة الخارجية هيلاري كلينتون بصراحة أن القلق حيال الانتهاكات التي تقوم بها الصين على صعيد حقوق الانسان «لا يمكن أن يتداخل مع الأزمة الاقتصادية العالمية»- مما يعني أننا لا نستطيع تحمل إغضاب دكتاتوريين يشترون سنداتنا، وتتحدث الإدارة عن مراجعة العقوبات المفروضة على المجلس العسكري الحاكم في بورما. ومن جهته، يبدي السفير المصري لدى الولايات المتحدة حماسة تجاه واقع أن الولايات المتحدة كفّت عن اعتبار «حقوق الإنسان والديمقراطية والحرية الدينية والحريات العامة» شروطاً لعلاقات أفضل. في هذا الإطار، سيتم التشديد على الرسالة المستمدة من الخطاب الذي ألقاه أوباما في القاهرة. ومن المرجح أن مستشاريه في شؤون الشرق الأوسط قد طلبوا منه التركيز (كما يفعلون دائماً) على مسيرة السلام الإسرائيلية الفلسطينية، الهاجس الحقيقي في المنطقة، عوضاً عن المثالية الديمقراطية الملطخة السمعة. والواقع أن هذا النوع من الواقعية يعكس ويعزز الاستراتيجية التي تفيد بأن الدكتاتوريين في الشرق الأوسط قد اتبعوا على مدى عقود، استراتيجية تسليط الانتباه على مسألة الإسرائيليين والفلسطينيين لتشتيت الاهتمام عن القمع الذي يمارسونه والانهيار الاقتصادي الذي يعانونه. لكن ما من سبب لعدم تركيز أوباما على حل يقوم على بناء دولتين وعلى الحاجة إلى دول مسؤولة وذات تمثيل شعبي في كامل الشرق الأوسط.

كذلك من المحتمل أن أوباما نُصح بتجنب كلمة «الديمقراطية» في الملاحظات التي أدلي بها في القاهرة. في بعض الأحيان يعتبر الخبراء في شؤون الشرق الأوسط أن الترويج «للعدالة» و»الحكم الرشيد» أكثر حساسية على المستوى الثقافي من استعمال مفاهيم غربية كـ»الديمقراطية و»الحرية». الحجة مشتركة، ولا تستند إلى أسس متينة، وفي هذا الاطار، تعتبر «العدالة»، التي تنطوي ضمناً على حقوق الإنسان، هدية من أمير حكيم أو دكتاتور متبصر، لكن كما اكتشف نور وآخرون، يمكن أن تُسحب هذه الهدايا فجأة، والمؤسسون المقبلون في الشرق الأوسط لا يتوسلون للحصول على المزيد من الحقوق من المستبدين؛ هم يسعون إلى التحرر من الاستبداد، ويريدون من المستبدين أكثر من مجرد فتح الباب قليلاً أمام الإصلاح، ويريدون فتح الباب بأنفسهم. في النهاية، لأي خطاب رئاسي يلقى في الخارج جمهور كبير، ومن بين مَن أصغوا في هذه الحالة الحكومة المصرية التي نحتاج إلى تعاونها في مسائل تمتد من انتشار الأسلحة النووية إلى السلام. لكن الجمهور الآخر الذي يصغي هو المعارضون والمصلحون في مصر وبلدان أخرى. والرئيس الذي لا يتحدث بجرأة لمصلحة حقوقهم السياسية، وحقوقهم الديمقراطية، لا يملك شيئاً مفيداً يقوله لهم.

 

 

كتاب الجريدة يردون على تعليقات القراء

back to top