هل نملك الشجاعة

نشر في 07-03-2010
آخر تحديث 07-03-2010 | 00:01
 آدم يوسف إنها غواية البوكر، تثير كثيراً من الضجيج، والمسافر يُلقي بالغبار خلف ظهره. هي شهية مفتوحة على كل الاحتمالات: الشهرة، التماعة الترجمة والوصول إلى العالمية، خمسون ألفاً -غير منقوصة- إلى رصيد المبدع، سفر طويل وكاميرات تصوير. تهانٍ عبر الهاتف، وأحضان دافئة (بعضها يطعن من الخلف).

المبيع وعائد المبيع، والقفزات البهلوانية ذاتها من دور النشر، الحزازات الصغيرة، ومعركة «المركز والأطراف». النقد المزيّف وعضوية لجان التحكيم.

أحكام القيمة المطلقة، واستقطابات وتفضيلات تتسرّب من هنا وهناك. بعضنا ينتظر ماذا يقول «الكبار» ليدلي بدلوه خلفهم. وبعضنا يمتطي صهوة «الرأي الحر» فيدفع ثمن الجرأة والاستقلال، ألم أقُل إنها غواية البوكر؟!

***

أظهرت «البوكر» كثيراً من أمراض الثقافة العربية. ربما لأن الجائزة في أصلها تنتمي إلى تقاليد ثقافة غربية، لم تعرف يوماً المحاباة، أو الحروب الصغيرة، وفكرة «الكبار والصغار» وهي فكرة نسقية نتشرّبها نحن وباتت جزءاً من تكويننا على المستويات كافة: الثقافية والاجتماعية والاقتصادية، تمحورت على مقولات من قبيل: أديب كبير، وناقد كبير، وشاعر أكبر، حتى بات لدينا «نادٍ للنخبة». وشعراء مازالوا يطلقون القصائد العصماء لمدح الحكام والملوك، وبالطبع عرائض طويلة لاستجداء التجار، وأبناء الحكام. ألم أقُل إن «الكبار والصغار» مقولة نسقية عربية بامتياز؟!

ولعل هذه «النسقية» هي التي امتدت يدها إلى أحد النقاد العرب ليطلق تعميماته: «رواية رائعة تستحق الجائزة» و»كاتب من الدرجة الثانية». بعد أن اصطف ذلك الناقد ومن معه في «نادٍ للنخبة». ينتظر الناس رأيه ويهلّلون له. جاءت البوكر من خلفية ثقافية لم تعرف يوماً «التمجيد والتهليل». جاءت من خلفية اجتماعية قائمة على أسس المساواة والجميع يأخذ فرصته وحقه في تقديم إبداعه، وإبداء رأيه. إن ما يحدث الآن من لغط حول الجائزة يتكشف بجلاء عن أسئلة أعمق أثراً من الجائزة ذاتها. هل نحن مؤهلون لتقاليد اجتماعية وثقافية راقية مثل: التسامح، والشفافية في إبداء الرأي والوضوح، وإتاحة الفرصة أمام الجميع، سواء تقدم إلى الجائزة روائي «مكرّس» له بامتياز، وما أكثرهم! أو كان روائياً مغموراً لم يسمع به أحد، لكنه مبدع «اشتغل» على نفسه كثيراً وعمل بصمت حتى أخرج عملاً يستحق الثناء؟

هل نحن مستعدون لتقبل شخص لا نعرفه، ونصفق له، ونضعه في المقدمة، لا لشيء، إنما لأنه قدم رواية «إشكالية» وديواناً «تجريبياً» من طراز فريد؟ هل لدينا الجرأة لنقول رأينا «باستقلالية»، أم نلتفت يمنة ويسرة، في انتظار «إشارة الكبار» وندلي بدلونا خلفهم؟!

هل نملك الشجاعة الكاملة؟ إنه سؤال مفتوح على مصراعيه.

***

نهنئ الروائي السعودي عبده خال، فقد كان لفوزه اعتبارات ثقافية وموضوعية عديدة، أولها لجهة موضوع روايته الذي انصب على ملامسة جوانب طبقية، لفئات اجتماعية محرومة لم تعرف يوماً سوى السمع والطاعة، وفئات أخرى تتمتع بنعيم القصور وبهائها. استقى خال الأحداث من مدينة جدة بيئته الأساس.

طوت لجنة التحكيم هذه السنة صفحات من الجذب والأخذ والعطاء، وهو جدل لم تخلُ منه الجائزة في السنتين السابقتين، كما أن الجدل ذاته، حول أهلية لجنة التحكيم، والقائمتين القصيرة والطويلة ستكون موجودة في السنة المقبلة، وأسوأ ما في الأمر أن تتسرّب تقاليد «الثقافة العربية العريقة» في مسألة «المحاصصة» القطرية، ونأخذ بالاعتبار أوطان الروائيين المتقدمين، فتحدث اصطفافات، خلف مبدعين لبنانيين، ومصريين، أو خليجيين، ومغاربة، فتخرج الجائزة عن الهدف المراد لها. لعل وعسى أن نحتكم إلى العمل الإبداعي، العمل وحده لا غير.

back to top