آنا كيندريك... في القمّة
كانت آنا كيندريك تلميذة خبيثة في فيلم Twilight، لكنها تخرّجت اليوم لأداء دور مستشارة إدارية توبّخ جورج كلوني في Up in the Air.
تفاجأ البعض أن ممثلة شابة تشتهر إلى الآن بدورها المساند في الجزئين من Twilight، حيث تثرثر في مقصف المدرسة مع بيلا، رُشّحت فجأةً لجائزة أوسكار. لكن من شاهد كيندريك بشخصيتها الصارمة كمستشارة إدارية أمام كلوني في Up in the Air لم يتفاجأ البتة بكونها حازت القبول كأفضل ممثلة مساندة، لا بل بدا النقّاد الأميركيون متحمّسين للإشادة بها. من جهتها، ذكرت صحيفة {نيويورك تايمز}: {تستحوذ كيندريك الصارمة، بشعرها المربوط كذيل حصان متأرجحاً كفأس، على الاهتمام في كل مشهد تكون فيه}. فيما، أفادت صحيفة {واشنطن بوست}: {إنها محطّ الأضواء}.تستقطب مرافقة Twilight البالغة 24 عاماً، والتي لمع نجمها فجأةً على ما يبدو، إعجاب القطاع السينمائي.
يؤدي كلوني في فيلم جايسون ريتمان المُحتفى به، دور ريان بينغهام، مستشار إداري يحب عمله ويسافر من مكان إلى آخر في أنحاء الولايات المتحدة لخفض عدد موظّفي الشركات. لكن هذا الحب يتوقّف حين توظّف شركته ناتالي كينر، الشخصية الي تؤديها كيندريك في الفيلم، لتغيير ممارسات العمل في الشركة في مسعىً لخفض تكاليفها، زيادة فاعليتها، فضلاً عن الحد من رحلات السفر فيها، وهو الأمر الأفظع بالنسبة إلى ريان. يضيق ذرع ريان أيضاً حين يعاكسه الحظ، لا سيما وأن خفض رحلات السفر سينعكس بشكل خطير على علاقاته الرومنسية التي حجزها في فنادق المطار عبر الولايات المتحدة برفقة أليكس (فيرا فارميغا). من المبهر مدى تماسك كيندريك أمام مثل هذه الشركة الراقية، لا سيما وأن كلوني وفارميغا رائدان في لعبتيهما. لكن كيندريك هي التي تفوز بالميداليات التي مُنحت للفيلم حتى اليوم، فضلاً عن المزيد منها بالتأكيد لاحقاً.متمرّسة تظهر كيندريك اليوم بفستان، وسترة وحذاء كلّها باللون الأسود وفي تناسق تام. ترتدي كامرأة توحي بأنها متمرّسة في مجال الأعمال وتعرف كيف تقابل ذلك بأسلوب مباشر. لذا لا عجب حين تذكر بأن التمتع بالسلطة أحد مظاهر شخصية ناتالي الذي تقدّره جداً. تقول: {أعتقد بأنها تحب أن تكون في موقع السيطرة وتنزعج جداً حين تعجز عن ضبط الأمور. ينبع كرهها للطائرات من فقدان السيطرة، وكذلك كرهي للطائرات}. هل هي مهووسة بالسيطرة؟ تجيب كيندريك فوراً: {أجل}. من ثم تضيف: {يعود سبب شعوري بالإجهاد عند السفر إلى فكرة تخلّي المرء عن كل ما يملكه، ووضع مصيره بين يدي شخص آخر، فضلاً عن تحديد الآخرين برنامجك. أمّا إن كنت في سيارة فتستطيع دوماً اتّخاذ القرار بشأن الخروج منها والوجهة التي تريد قصدها. يزعجني جداً أن أكون تحت رحمة الآخرين {. لكني أتساءل كيف تنطبق تلك الفكرة على علاقاتها. تقول مازحةً، مظهرةً جانباً من الفكاهة كان مخفياً حتى وقت قصير: {أنا واثقة من أنني لا أعرف عمّا تتكلم. أنا رائعة في علاقاتي! أنا الأفضل! فعلاً لا يسعني التعليق. عليك أن تسأل عشاقي السابقين...}. بالنظر إلى مسار حياتها المهنية الذي يتّخذ حتى اليوم منحىً تصاعدياً، لا يفاجئنا أن تكشف كيندريك عن أنها لم تتعرض يوماً للطرد في الحياة الواقعية. توضح: {حين تكون ممثلاً، ولا تحصل على دور، تشعر بأنك مرفوض. فيصبح ذلك جزءاً من حياتك اليومية، لكني لم أُطرَد يوماً. الرفض أشبه بالطرد لكني لا أعتقد أنهما بالسوء عينه، لأن الطرد أسوأ بكثير}. عندئذ جرفنا الحديث تلقائياً إلى مشروع Twilight، حيث تؤدي كيندريك دور جيسيكا ستانلي الخبيثة، إحدى الشخصيات {الإنسانية} القليلة البارزة وملكة المقصف في المدرسة. ففي جزء New Moon، تقوم بأداء مرح بدور صديقة بيلا المدلّلة والغيورة والتي تتحدث بطريقة مسلية في أحد المشاهد عن أفلام الأموات الأحياء. تفاجأت كيندريك كيف تحوّل هذا الفيلم إلى مشروع ضخم متعدد الأجزاء. تعلّق: {صدقاً، لم نعرف بأنه سيغدو بهذه الضخامة. ظننته فيلماً كسائر الأفلام الأخرى. لكني تفاجأت حقاً حين كان عليّ تقديم تجربة أداء ومن ثم حين حصلت على دور جيسيكا لأنها مختلفة كلياً عني. أنا معتادة على ذلك النوع من تلميذات المدرسة الحقودات والغيورات لكونهن طويلات القامة، شقراوات ومصابات بالأنوركسيا. فقلت في نفسي، {لمَ أقدم تجربة أداء لهذا الدور؟}. لكن حين حصلت عليه، بدا مثيراً للاهتمام. أعتقد بأنني قمت بأداء مختلف مع هذا الدور وشعرت معه بضرورة أن أؤديه}.على حدّ قولها، كان الزمن الفاصل بين تصوير الجزء الأول والجزء الثاني من الفيلم قصيراً جداً. فجأةً، عجّ مكان التصوير بمعجبين يحاولون إلقاء نظرة على الممثلين في مكان عملهم. ويصوَّر راهناً الجزء الثالث في فانكوفر استعداداً لإطلاقه في الصيف. بالنظر إلى ما تعلّمته كيندريك نتيجة مطالعة كتب سيتفيني ماير، تتصوّر بأن ذلك سيكون دورها الأخير في السلسلة.كان الطلب كثيفاً على هذه الممثلة في العام الماضي، إلى حدّ أنها خشيت في إحدى المراحل أن يحول Twilight دون مشاركتها في Up in the Air. توضح: {ظهرت مشاكل بخصوص جدول New Moon وUp in the Air الزمني وكان عليّ تصويرهما في الوقت عينه بحيث أنهي مشاهدي في Up in the Air، بعدئذ أسافر إلى فانكوفر لتصوير New Moon لبضعة أيام، من ثم أعود مجدداً. لكني نجحت في ذلك بأعجوبة. يقول الناس {من الجيد أن يواجه المرء مشكلة كهذه}، لكن إن كان المرء عاجزاً عن تصوير فيلم مع جايسون ريتمان وجورج كلوني، فهذه المشكلة ليست في صالحه}. محظوظة يبدو أن كيندريك التي برزت فجأةً في الساحة الفنية ستغدو من أكثر الممثلات الشابات استحواذاً على الاهتمام في هوليوود. وإن اعتبرت أن نجاحها تحقّق بين ليلة وضحاها، ستصحّح لك قولك. تعترف: {أشعر بأنني محظوظة حقاً. لكن أعتقد بأنه عندما يبدأ المرء مسيرته في سن الثانية عشرة، لا يبدو ذلك نجاحاً تحقق بين ليلة وضحاها. لست حتماً مخضرمة في هذا المجال، لكني لا أبدو أيضاً كفتاة متحمّسة ركبت على متن الطائرة المتّجهة إلى لوس أنجليس}.كانت لكيندريك المولودة في بورتلاند، في ماين، باكورة أعمال في عالم التمثيل. ففي عام 1998، أدّت دور دينا في سن الثانية عشرة في مسرحية High Society الموسيقية على مسرح برودواي. فرُشّحت على إثرها لجائزة توني، قبل انتقالها إلى عالم الأفلام في العام 2003 حين شاركت في الفيلم الكوميدي الموسيقي Camp، الذي كان له الفضل في ترشيحها لجائزة الروح المستقلة عن أفضل أول أداء لها بدور فريتزي واغنر. كذلك تلقّت ترشيحات عن دورها في فيلم Rocket Science في العام 2007، حيث أدت دور طالبة مُجادلة في الثانوية تتحدث بلهجة سريعة.أسلوب نمطيأمّا اليوم، فلا شيء سيعيق تقدّم هذه الممثلة. بعد إطلاق الجزء الثالث من Twilight، ستشارك في فيلم Scott Pilgrim vs. the World الأكثر ترقباً والمقتبس عن رواية سكوت بيلغريم المصوّرة، من إخراج إدغار رايت. تفسّر: {أؤدي دور شقيقة مايكل سيرا الصغرى التي تنتقد دوماً قراراته في الحياة. إدغار رائع ودقيق للغاية. كان يعلم أي لقطة مناسبة لأي سطر، وإلى أي جهة يريدك أن تحرّك رأسك. لم أصوّر يوماً مشاهد بهذه الدقة. كان الأمر صعباً إنما ممتعاً بالفعل}. أضف إلى حفلات توزيع الجوائز المتعددة التي على كيندريك حضورها على مدى الأشهر القليلة المقبلة، يتّضح بأن طبيعتها المسيطرة ستكون محط اختبار لأن جدول أعمالها ينقلها حتماً من مطار إلى آخر.نادراً ما تتطرق الأفلام إلى عالم الإدارة الوسطى. دارت أحداث أفلام ومسلسلات تفلزيونية كثيرة في مكاتب العمل، لكن هذه الأخيرة كانت دوماً تظهر بأسلوب نمطي أو مُبالغ فيه. يُصوّر المكتب بالتالي على أنه ملعب أو أرض معركة، سواءً عبر التصرّفات الطفولية في وكالة الإعلانات في جادة ماديسون في مطلع الستينات في سلسلة Mad Men أو عالم وكلاء العقارات التنافسي في فيلم Glengarry Glen Ross'.أحد الأعراف الأخرى تصوير المكتب كمكان لا يرحم ويجرد من الصفات الإنسانية. ففي فيلم أورسون ويليس المقتبس عن رواية فرانز كافكا بعنوان The Trial، يظهر أحد المشاهد مكتباً ضخماً مفتوحاً حيث تعمل 850 آلة كاتبة من دون كلل. يشكّل ذلك كابوساً حقيقياً، ولا عجب أن البطل جوزيف ك يبدو تائهاً أمام مثل هذه الخلفية. أمّا في فيلم The Apartment، استطاع الكاتب الهجائي، بيلي وايلدر، الإشارة إلى مدى شعور الموظف العادي بالضياع والإذلال عبر محاولته التواصل مع رؤسائه. أمّا س س باكستر (جاك ليمون) فيتصرّف كقوّاد فعلي لدى الموظفين الأعلى منه شأناً في شركة التأمين، ما يسمح لهم بالاستحواذ على شقّته للقيام بعلاقات خارج إطار الزواج. ظهرت سابقاً أفلام عن أماكن العمل حيث يستخدم واهمون مثل بيلي لاير خيالهم للهروب من روتين حياتهم اليومية، وأفلام درامية عن موظّفي شركات يتّخذون موقفاً ضد فساد زملائهم مثل The Insider لمايكل مان. أمّا فيلم ستيفن سودربيرغ الأخير بعنوان The Informant فهو يجمع على غير عادة بين الواشين وعناصر مثل بيلي لاير. لكن Up in the Air لجايسون ريتمان يتّخذ مقاربة أكثر مكراً ومراوغةً في تصويره الإدارة الوسطى من معظم الأفلام السابقة التي تتطرق إلى أماكن العمل. فبطله راين بينغهام (جورج كلوني)، يمضي وقتاً أكبر في المطارات منه في مكتبه الخاص. فهو مستشار إداري تقضي وظيفته بالسفر عبر الولايات المتحدة لزيارة مكاتب الآخرين وإخبارهم بأنهم مطرودون.يكمن معظم المظاهر الكوميدية والمؤثرة في تصوير ريتمان المزدوج لعالم بينغهام المهني. بما أن أداء كلوني يجسد شخصية بينغهام، يبدو هذا الأخير أشبه برجال الأعمال المشهورين الذين تظهر صورهم على إعلانات الطائرات وبطاقات الائتمان. يتباهى بينغهام الأنيق المظهر بقدرته على اجتياز خطوط تسجيل الوصول وأنظمة الأمن في المطارات. يمضي بالتالي 300 ليلة سنوياً بعيداً عن منزله، لكنه يشعر بأنه فعلياً {في منزله} في الردهات الخاصة بالمدراء التنفيذيين وغرف الفنادق حيث يمضي معظم أيام حياته. هذا وقد جعل من جمع الأميال سعياً أبدياً.لاحظ بعض الناقدين التشابه بين ريان بينغهام الذي يؤدي دوره جورج كلوني والشخصيات الأميركية النموذجية كافة التي جسّدها جيمس ستيوارت وكاري غرانت. يتمتع بينغهام برصانتها وحسّ فكاهتها. لكن بعد وقت طويل تعي بأن المدير الوسطي الأنيق هذا هو رد الشركات الأميركية على حاصد الموظّفين. فالبنسبة إلى الأشخاص الذين يصرفهم بأعداد كبيرة، ينذر مظهره دوماً بأسوأ يوم في حياتهم. نبدأ تدريجاً بإدراك أن بينغهام أكثر شبهاً بأحد الموظفين المُجهدين الذين جسّدهم جاك ليمون منه بغوردو غيكو، سيّد العالم. فهو يعيش في شقة صغيرة، ويحاول جاهداً بناء علاقات مهمّة. لكنه لا يعي كم يبدو جباناً حين يشتكي بشأن خطط زميلته الجديدة، ناتالي كينر (آنا كندريك)، لتنفيذ عمليات الصرف عبر مؤتمر مبثّ عبر شاشة. بينغهام شبيه إلى حد ما بـ}رجال الأعمال الشركاتيين} أولئك الذين يظهرون في الأفلام اليابانية عن أماكن العمل والذين تساهم وظيفتهم في تحديد حياتهم بالكامل. فإن لم يتمكن من السفر إلى أنحاء الولايات المتحدة لطرد الناس، أو إن طُرد هو نفسه، سيشعر بالإرباك. يستطيع المرء حتّى تصوّره في سياق مختلف حيث يتحوّل إلى رجل يائس وخطير، كالموظف الاستشاري في الشركة الذي يفقد وظيفته ولا يخبر أحداً في القصة التحذيرية القاتمة بعنوان Time Out.نجح ريتمان في إنتاج فيلم درامي جداً في صميمه لناحية الكوميديا الرومنسية، ذلك من خلال بعض مهاراته الشبيهة بأسلوب بيلي وايلدر. لذلك، قد يختلط علينا الأمر ونخال كلوني وفيرا فارميغا، امرأة الأعمال التي يقيم معها علاقة، ثنائياً من الأفلام الفكاهية القديمة. ففي أحد المشاهد، نراهما يقارنان بطاقات الولاء وبطاقات الائتمان ويحاولان معرفة من لديه أكبر عدد من الأميال. يبدو ذلك مضحكاً جداً، إلى أن ندرك مدى سخافة حوارهما.لا عجب أن قلةً من الأفلام تتناول موضوع الإدارة الوسطى وأماكن العمل، لأن الجمهور لا يرغب في مشاهدة أفلام كثيرة تعكس مدى ابتذال الحياة المكتبية. لكن أدرك ريتمان وغيره مجدداً في هذه الأوقات العصيبة حيث الجميع على وشك خسارة وظائفهم، بأن مكان العمل يحوي مظاهر درامية بقدر أي مكان آخر في مجتمعنا.