أبوظبي... والرهان الثقافي

نشر في 28-02-2010
آخر تحديث 28-02-2010 | 00:01
 فالح ماجد المطيري في عام 2005 تم تأسيس «هيئة أبوظبي للثقافة والتراث»، وتم دمج جميع الجهات العاملة في مجال الثقافة والتراث تحت مظلتها، وحمل مشروع تأسيس الهيئة في بداياته الكثير من الآمال والطموحات للقائمين عليه، وعده البعض رهانا غير مضمون النتائج، وقد يحمل في طياته بذور فشله، ففي محيطنا العربي بشكل عام يصحو الإنسان ويغفو على كل ما هو سياسي، وتنزوي الثقافة في الركن البعيد المنسي من المشهد، كما أن التصنيف السياسي للدول العربية بين «دول محورية» و«دول هامشية»، وحشر دول الخليج العربي في المحور الهامشي، جعل دورها يقتصر على أن تكون متلقيا للمنتج الثقافي من الدول المحورية، وطال هذا التهميش شخوص المبدعين من أبناء الخليج العربي، فحسب طبيعة الأشياء، الهامشي لا ينتج إلا هامشيا، فحتى شخصية بحجم إبداع «عبد الرحمن منيف» لم يقدم على أنه أحد أبناء الخليج العربي، بل يتم نسبه إلى الأردن حيث ولد وأحيانا إلى العراق حيث تربى.

ولكن وعلى مدار السنوات الأربع الماضية من عمر الهيئة، مالت كفة الميزان لمصلحة من كانوا يحملون الآمال والطموح لنجاح أبوظبي في خيارها الثقافي، وتشهد أبوظبي اليوم حركية ثقافية يحسدها عليها الآخرون، وهي عملية حراك مكتملة الجوانب، تم فيها توظيف الإمكانات المادية التي تملكها الإمارة تجاه الاستثمار في الثقافة المستدامة، وفق المعنى الكامل لكلمة استثمار، من أجل صناعة مشروع ثقافي دائم، بعيدا عن التظاهرات الوقتية التي ينتهي تأثيرها بعد حفل الافتتاح الرسمي.

الرؤية الشاملة والمتنوعة لمشاريع الهيئة حقق لها حضورا في مختلف الأوساط المهتمة والمتابعة للشأن الثقافي بمختلف تفرعاته وحقوله، فبرغم الزخم الإعلامي الكبير والنجاح الجماهيري لشاعر المليون، والذي يهتم بالشعر النبطي، وهو من الموروث الخاص بأبناء الخليج العربي، فإن هذا النجاح لم يُنسِ الهيئة أن تهتم بالشعر الفصيح من خلال برنامج "أمير الشعراء"، محققة بذلك التوازن بين الاهتمام بالموروث الثقافي الإقليمي الخاص، والموروث الثقافي العام الذي يجمع العرب بعمومهم.

بقدر ما تخلق تجربة أبوظبي في النفس إعجابا، إلا أنها تثير في القلب غصة، حينما أنظر إلى حال بلدي وما حل بالمشروع الثقافي لدينا من تهاوٍ وانهيار، فبحكم الأسبقية التاريخية- هي الشيء الوحيد الذي نفاخر به- قدمت الكويت نفسها للآخرين كدولة تتخذ من الثقافة جسرا للتواصل مع الآخر، ففي 1958 وقبل الاستقلال الرسمي للدولة، كانت مجلة العربي سفير الكويت للخارج، وكان غلافها يصافح الأشقاء مطلع كل شهر، حاملا مشروع ثقافة قومية تتعدى الحدود الإقليمية الضيقة، وفي نفس العام استضافت الكويت المؤتمر الرابع للأدباء العرب، بعد القاهرة ودمشق وبيروت، وبتتالي السنوات ازدادت رقعة الحضور الكويتي على خارطة الثقافة العربية، بإثرائها للقارئ العربي بالعديد من الإصدارات ذات المحتوى التثقيفي غير المسيس، كعالم المعرفة وسلسلة المسرح العالمي، التي تترجم إلى العربية الإبداعات المسرحية العالمية- وهو مشابه لمشروع «كلمة» للترجمة الذي تتبناه هيئة أبوظبي للثقافة- ذلك في زمن كان فيه في العقول والصدور مساحات واسعة لقبول الآخر ورأيه، قبل أن تضيق هذه المساحات وتكاد أن تتلاشى في وقتنا الحاضر.

ومواصلة لسياسة الإهمال والتخلي عن كل ما هو جميل في الوطن، لم تسلم المشاريع الثقافية في الكويت من هذا الإهمال، فمعرض الكويت الدولي للكتاب ومهرجان القرين يفتتحان ويختتمان ولا أحد يسمع بهما، بعد أن كانا من العلامات المميزة على خارطة الثقافة العربية، وذلك ليس بغريب، فحينما تحدد «الواسطة» من يتولى الشأن الثقافي فمن الطبيعي أن تنتشر ثقافة «الرغوة» أو «الفوم» التي عبرت عن نفسها في «الاحتفالات الشعبية» بعيدي الاستقلال والتحرير.

back to top