نواصب وروافض... منازعات السنّة والشيعة في العالم الإسلامي

نشر في 06-06-2009 | 00:00
آخر تحديث 06-06-2009 | 00:00
No Image Caption
استحوذ موضوع النواصب والروافض(أي السنة والشيعة) على اهتمام الأنظمة والباحثين في العالم العربي، لا سيما أن المستشرقين والباحثين الغربيين ذهبوا في عقود سابقة إلى تبيان مكنون التشيّع لدى الصوفيين والشعراء والفلاسفة من الحلاج الى المتنبي وإخوان الصفا.

اليوم، أو لنقل بعد صعود «الخمينية» أقبل إلى العالم العربي شبح اسمه «التشيّع»، وزادت وتيرته بعد إسقاط صدام حسين، وتطرّف خطب الرئيس الإيراني أحمدي نجاد، إضافة إلى تنامي قوة «حزب الله» في لبنان، فأصبحنا نقرأ من هنا وهناك عن التشيّع الديني الذي يعزز الشقاق والانقسام بين الروافض والنواصب، بل بات هذا الحديث بمثابة حرب على صفحات المواقع الإكترونية مصحوبة بالفتاوى الدينية.

ربما لهذه الأسباب صدر عن «دار الساقي» (بيروت - لندن) «نواصب وروافض - منازعات السنّة والشيعة في العالم الإسلام اليوم» من إعداد حازم. يتضمّن الكتاب مجموعة فصول هي: أشياع السنّة وأسنان الشيعة للباحث اللبناني أحمد بيضون، خطوط الفصل وخطوط الوصل للصحافي حسام عيتاني، الطائفية والسياسة في سورية للكاتب السوري ياسين الحاج صالح، الصعود الشيعي والتصادم الطائفي في السياسة والاجتماع العراقيين للباحث العراقي فالح عبد الجبار، البحرين في ظل النزاع الذي يحيطها لباقر النجار، عن السعودية لفؤاد ابراهيم، باكستان: دين ودولة ومجتمع للتقلب المتواصل لسيد نديم كاظمي، نواصب وروافض: ملاحظات عامة في السياسة لحازم صاغية.

ورد في مقدمة الكتاب: «يُعد انفجار الخلاف السنّي - الشيعي وصراحة التعبير عنه في غير بلد، إشارة ساطعة الى بلوغ التمزّق في نسيج مجتمعاتنا مدى بعيداً، والى توسّع رقعة «الآخرط في الحياة والثقافة العربيتين والاسلاميتين» على ما أشار، ذات مرة، الكاتب التونسي صالح بشير. وكي نقدّر حجم التطور المؤلم هذا، يكفي أن نقيسه بالتكتّم والإغفال اللذين خضع لهما طويلاً كل كلام في تباين، أو تفاوت، بين أتباع «المذهبين المسلمين». فالحال أن ثقافتنا التي تتحايل على مشكلاتنا بالإنكار والتجاهل تتحمّل مسؤولية كبرى عمّا آلت اليه الأمور. ذاك أننا بدل أن نواجه المشكلة على حقيقتها (وغنيّ عن القول إن المعرفة شرط المعالجة الشارط)، آثرنا اللجوء الى «كلنا أخوان» الشهيرة».

لكن نظرة أكثر نقدية، وأقل اكتراثاً إلى ما كان يعلنه الطرفان، وبصورة كل منهما عن ذاته، وعن «الآخر» استطراداً، تسمح بالقول إن المنازعة هذه تملك من عناصر الانفجار ما لا يجوز غض النظر عنه. فهي تحتوي على طاقة تقويض لأكثر من بلد (العراق، البحرين، لبنان...)، فيما تتصل ببعض الموضوعات الأساسية لتقدم المنطقة ككل، وفي مقدمها الحداثة والعلمنة ومفهوم المواطنة. صحيح أن الموضوع ليس، في نهاية المطاف، دينياً، أو أن الدينيّ فيه يحاكي ويكمّل المسائل الاجتماعية والسياسية الأعرض. إلا أن ذلك لا ينفي، قبل التصدي للتفكير في حلول لن تأتي، ضرورة رسم صورة أدق عن الفاعلين المعنيين بالأمر، وعن طبيعة المنازعة الدائرة بينهما، وأحد أبعادها ديني ولو صير الى تخفيفه بتعبير «مذهبي».

عن تصوّر كهذا صدرت فكرة الكتاب الذي حاول، على رغم قصور لم يمكن تفاديه، مما لن يفوت أي قارئ لبيب، إلقاء أضواء على المشكلة وتظهير خلفياتها واحتمالاتها في غير بلد.

واختار كل من الكتّاب المساهمين طريقته في الدخول الى المسألة هذه والجوانب التي آثر التركيز عليها في ظل عنوان جامع «هز منازعات السنة والشيعة في العالم الاسلامي اليوم».

رصد الباحث أحمد بيضون مسار التحولات التي طرأت على الجماعتين اللبنانيتين ووضعتهما، بعد طول اعتدال وتقارب على تخوم «شر مستطير». يسأل بيضون «كيف حلّ بلبنان هذا البلاء؟»، ويشخّص المشكلات اللبنانية بعيداً عن المواقف التعبوية، قائلاً: «أمكن له أن يشقّ خطه وسط متعارضات كثيرة وأن يتغيّر بدون قطع ويستقل بدون نبذ». بحسب توصيف أحد الشعراء، في مقابلة صحافية: «نشأنا في مواجهة مراجعنا الطائفية لا في حضنها ولا على ركبها (...) أنا واحد من مجموعة أفراد (...) يشعرون بأن وجهة النظر الطائفية والتصنيف الطائفي هما تهديد لهم، وهما أمر هم مضطرون لمواجهته بصور متعددة ليس من الضرورة أن تكون دائماً صور رفض. فأحياناً قد تُدعى إلى مناسبات ويُطلب منك مشاركات بصفة طائفية ضمنية. والذين يدعونك لا يصرّحون لك بها، لكنك تشعر بأن ما جعل هذه المجموعة المدعوة الى القيام بعمل أو لإعطاء رأي بأمر معين تتشكل على هذا النحو، إنما هو منطق طائفي. هذا المنطق هو الطاغي في البلد».

يبحث بيضون في صورة البلاد، صورة لبنان التي يتواجه فيها السنّة والشيعة ويتوزّع المسيحيون بين معسكريهم، ويوشك المعسكران أن يأخذ كل بخناق الآخر.

من الجديد في رسم الجبهة، الى ماضي الاعتدال والتقارب، الى انتشار الأثر الإيراني، الى واجهة واحدة للشكوى، و{جيش السنّة» الفلسطيني، وأطوار الشيعة وولاية الفقيه وشيعة للدولة وشيعة للثورة. تخلص ورقة بيضون الى عنوان «الهول إذا أقبل»، وإنما هو احتمال «الانهيار» لا احتمال «الانفجار»، والمقصود بالانهيار انهيار مؤسسات الدولة من سياسية وإدارية وعسكرية، وما قد يصحب ذلك من زلزلة للاقتصاد والنقد، والأخطر أن الحلقة اللبنانية ستليها حلقات أخرى في المنطقة وينذر حريقها بأن يكون معدياً. «فالشيعة من تركيا الى الهند ليسوا ما كانه المسيحيون في حرب لبنان الماضية. وأمّا السنّة فمواطنهم في العالم معروفة الطول والعرض وأعدادهم ومواردهم معلومة.

بحسب بيضون، في «الفتنة الكبرى» الجديدة، إذا لم يدرأها العالم الإسلامي (والعالم كله)، ستبدو موقعتا «الجمل وصفين» «لعب عيال» على حد العبارة المصرية.

لا نعلم اذا كان النائب في البرلمان اللبناني وليد جنبلاط قرأ ورقة بيضون، وهل أرشده مستشاروه إليها، وكيف أمكنه توظيفها في جولاته السياسية وإطلالته الإعلامية؟

وبدوره ركّز حسام عيتاني على ساحة المنافسة، الأيديولوجية والسياسية، الخصبة بين الجماعتين، وما يعريها من تحوير وتوظيف ضروريين في كل مساجلة كهذه.

أمّا الباحث العراقي فالح عبد الجبار فيتناول العراق في دراسة مطولة، متوقفاً خصوصاً عند العملية السياسية وأشكال التفاعل والتكيّف بينها وبين ما زامنها من صعود شيعي عقب إسقاط المخلوع صدام حسين. ومثله فعل ياسين الحاج صالح وموضوعه المجتمع السوري، مفضلاً تناول المسألة الطائفية من داخل تشكّل الدولة الأمة في سورية التاريخي والسيوسيولوجي. واذ تابع فؤاد إبراهيم المنازعة المذهبية في مختبرها السعودي، استحوذ على تناوله دور الخطاب والإعلام بوصفهما مرآة ومحفزاً في الوقت نفسه، كذلك شدد باقر النجار، من ناحية، على التداخل بين المشكلة المذهبية في البحرين وبين العناصر الإقليمية والخارجية، لا سيما بعد ثورة ايران عام 1979 والحرب الأميركية في العراق عام 2003. أمّا الخلفيات السياسية والعقيدية، المحليّة والخارجية، التي أزّمت المسألة المذهبية في باكستان وتشابكت مع أعمال السلطات العسكرية ونواياها فكانت موضوع نديم الكاظمي.

وفي نهاية سجل معد الكتاب حازم صاغية بعض الملاحظات العامة بين النواصب والروافض. يعتبر صاغية أنه ربّما جاز القول، من قبيل التنبيه إلى فداحة المشكلة وجدّيّتها، إن جذرها البعيد يضرب في مرحلة ما قبل الإسلام، وما قبل السُّنيّة والشيعيّة. أي أن الخلفيّة التاريخيّة النائية تتّصل بنزاع بني هاشم وبني أميّة الذي جدّد نفسه لاحقاً في صور شتّى أخذت في اعتبارها تحوّلات المراحل والحقب أشكالاً وعناوين، إلاّ أنّها أيضاً وشت، بحجم الركود التاريخيّ المتجاوز المراحل والحقب تلك.

يضيف صاغية: «الصحيح أن القرآن كتاب مشترك بين السُّنّة والشيعة، لذا فإن أجداد مَن صاروا سُنةً وشيعةً لم يعيشوا تحت خيمة إسلام واحد إلا لسنوات قليلة في عهد الرسول والخليفتين الراشدين الأوّلين أبي بكر الصدّيق وعمر بن الخطّاب. ثم إن الطرفين ينقلان سيرة الرسول بطرق مختلفة، ويعتمدان لنقلها رواةً ومؤوّلين مختلفين متعارضين. وهما، في داخل الرواية الدينيّة ذاتها، ومن داخلها، تفصل بينهما مواقف جذريّة حيال بعض الأشخاص التاريخيّين في السرد النبويّ، لا سيّما عائشة، كما حيال بعض المفاهيم المحوريّة كالإمامة والمعصوميّة. والحال أن الشيعيّة إنما تأسّست فوق مقتل عليّ بن أبي طالب وابنه الحسين على أيدي الذين صاروا مذّاك سنّة، تماماً كما تأسّست المسيحيّة قبلها على أسطورة صلب اليهود للمسيح حتّى غدت جزءاً منها لا يتجزّأ».

back to top