الادب وهوية الانسان

نشر في 24-07-2009
آخر تحديث 24-07-2009 | 00:01
 آدم يوسف تشغل قضية الهوية جانباً كبيراً من اهتمام الباحثين، وهي قضية متشعبة متعددة الجوانب، يمكننا الحديث مثلاً عن الهوية الوطنية، هوية الدين والعرق، أو الانتماء القبلي، وتنعكس هذه الجوانب على الكتابة الأدبية التي هي بالضرورة نتاج طبيعي لتفاعلات المجتمع وهواجس الإنسان. غير أن الأدب يمكن أن يتجزأ بناء على نظرية التصنيف هذه إلى أقسام، ومناطق إبداعية لا حصر لها، فنحن أمام شعر ورواية، وكتابة مسرحية، والشعر يمكن أن يكون قصيدة عمودية، أو تفعيلة، أو قصيدة نثر، كما أن الرواية منها ما يتناول القضايا الاجتماعية، ومنها البوليسية، وروايات الجنس.

يسقط الشعراء في منطقة تنازع عدة، فنجد نقاشاً يثار من حين إلى آخر بشأن انتماء شاعر معين إلى وطن محدد، يرتبط بحدود جغرافية واثنية بوطن آخر مجاور له، يحدث مثل هذا الأمر في منطقة الخليج، خصوصاً بالنسبة إلى شعراء القرن التاسع عشر. ومن المعاصرين يمكن الإشارة إلى الشاعر السوداني محمد الفيتوري، الذي يحمل الجنسية الليبية، ومثل وطنه 'ليبيا' دبلوماسياً في أوطان عدة.

قرأت مرة أن أحدهم كتب 'الشاعر البحريني' طرفة بن العبد، قد تكون المعلومة صحيحة من حيث مكان مولد ووفاة الشاعر، إلا أن أرض البحرين في الجاهلية مختلفة تماماً عما نعرفه من البحرين الآن، التي تخضع لمؤسسات وقوانين، و'هوية' مختلفة تماماً عما كانت عليه قبل الإسلام.

الشاعر الفلسطيني محمود درويش أصبح مجسداً لهوية وطنه وأمته، الأمر الذي بات يقلق السلطات الإسرائيلية أكثر من أسلحة أبومازن وحماس، كتب درويش 'عابرون في كلام عابر'، وكتب 'أحن إلى خبز أمي'. كتب الانتماء والأرض والرحيل. وفي المقابل نجد الأدب اليهودي ذاته يعاني أزمة هوية، من ذلك ما يشير إليه المفكر الراحل عبدالوهاب المسيري، منطلقاً من سؤال 'من هو الكاتب اليهودي' وهو سؤال افتراضي يناقش كثيراً في إسرائيل من دون الوصول إلى إجابة محددة، هل يمكن اعتبار الأدب اليهودي ما هو مكتوب باللغة العبرية، أم هو ذاك الذي يناقش قضايا من منظور الانتماء العرقي أو الديني، وهل الكاتب اليهودي هو ذلك الذي يحمل الجنسية الإسرائيلية، أم هو من يناقش قضايا دولة إسرائيل من جانبها الآيديولوجي الديني.

قد لا تسلم اللغة العربية ذاتها من هذه الإشكالية، فهناك أدباء عرب مغاربيون، كتبوا باللغة الفرنسية واستقبلهم العالم على أنهم فرنسيون، في حين تترجم أعمالهم إلى العربية ونصر نحن على إطلاق صفة العروبة عليهم. وفي منطقة المغرب العربي كذلك تبرز إشكالية الأدب الأمازيغي المكتوب باللغة العربية، هل هو أدب عربي أم أمازيغي أم شيء آخر. من هو الإنسان العربي، هل هو ذاك الذي يتحدث العربية أم الذي يكتب بها، أم هو من يحمل جنسية أحد الأوطان العربية.

ليس فقط في المغرب العربي تبرز إشكالية الهوية بالنسبة إلى اللغة العربية، بل نجد الأمر ذاته ينطبق على السودان الذي يكاد يكون قارة متعددة الأعراق والأجناس، وكذلك في العراق الذي يحمل في طياته إشكالية الأدب الكردي المكتوب باللغة العربية، وعلاقة الأدباء الأكراد بوطنهم العراق من ناحية، ولغتهم الكردية من ناحية أخرى.

ندور في حلقة مفرغة حين نبحث عن هوية محددة للأدب، بل حتى للأشخاص أنفسهم. تربطنا الروابط الإنسانية، والأدب تجسيد لهموم الإنسان وانفعالاته، أياً تكن هويته، أو عرقه، أو لونه.

back to top