شاكيرا... حين تسلب مخيّلة الكتّاب

نشر في 02-08-2010 | 00:01
آخر تحديث 02-08-2010 | 00:01
قرأت أخيراً في موقع {إيلاف} الإلكتروني نصاً لكاتب عربي اسمه غالب حسن الشابندر يصف فيه شاكيرا بأوصاف شعرية {خرافية} و{هذيانية}، بدا وكأنه يجلس قبالة التلفزيون لشدّة حبه لشاكيرا لا يرى منها إلا طيفها. وكان جديراً بأحد المعلّقين أن يكتب رداً على نص الشابندر جاء فيه: {شاكيرا فنانة تعرف كيف تظهر جسدها فنياً من خلال الرقص والغناء أما كامرأة فإنها تفتقر الى كثير من مفاتن المرأة الجميلة ومزاياها فلا طولها ولا وجهها...}.
هذه ليست المرة الأولى التي أقرا فيها نصاً لكاتب عربي عن شاكيرا (أو عن غيرها من الفنانات مثل هيفا وهبي)، فقد سبق للقاص الفلسطيني محمود شقير أن دوّن قصة بعنوان {صورة شاكيرا} (صدرت عن المؤسسة العربية للدراسات والنشر)، حظيت باهتمام النقاد والمثقّفين، قصة تبيّن مشهد الحماسة القبلية للشهرة والنفور التقليدي من {البنت المتحررة}، فالرجل (العم في القصة) لا يحتمل أن تكون قريبته ونسيبته راقصة وسافرة، ولكن أبناء عائلة شاكيرات الفلسطينية يصبحون أبناء ذوات لأن شاكيرا نجمة منهم. يقول شقير في مقطع من القصة: {حينما أصبح الحي كله يتناقل أدق التفاصيل عن شاكيرا، أخذ عمي الكبير يشعر بالحرج، فالبنت متحررة تماماً كما يبدو، ربما لأنها تعيش في الجزء الغربي من الكرة الأرضية، (في بلاد اسمها كولومبيا يا سيدي! هذا ما يقوله عمي بشيء من التذمّر) ولو كانت مقصوفة العمر تعيش هنا في هذا الحي (حيّنا)، لما سمح لها عمي الكبير بالرقص والغناء، وهي شبه عارية! عمي الكبير لا يصدق أن شاكيرا تظهر شبه عارية على التلفاز، هو لا يشاهد التلفاز، لكن أناساً كثيرين رووا لعمي أنهم شاهدوا شاكيرا على شاشة التلفاز، ببطن عارٍ وفخذين مثل الألماز، يستمع عمي الكبير إلى كلامهم، ولا يجرؤ على تكذيبهم، لكنه يتملّص بشكل أو بآخر من الموضوع، يحاول صرف الأذهان عن الرقص والغناء، بالعودة إلى الماضي الجميل، يحدّثهم عن شجاعة الجد الأول لشاكيرا}.

 يُبقي العم في القصة {شعرة معاوية} في علاقته بشاكيرا، فهو الذي لا يحبّها لكنه يعتز بجدها (أي جذورها)، ويبدو أن النجمة اللبنانية الأصل ليست بعيدة عن هذا التفكير العاشق لوهم الأصول، فقد صرحت شاكيرا أخيراً أنها لن تتعرى من أجل جلسة تصوير بسبب خلفيتها الكاثوليكيَّة القويَّة، وجذورها اللبنانيَّة، وأعلنت أنَّه على رغم ظهورها في كليب she wolf بملابس مغرية وشفافة، لكن ذلك لن يؤدي إلى ظهورها عاريةً بالكامل. وأضافت: {لا أريد التعرّي ولست مجبرة، ولكن ربما قد أغير رأيي في سن الأربعين، منذ نحو عشر سنوات لم أستطع تخيّل ارتداء الجلد الضيق والكعب العالي والرقص في قفص ذهبي، والتعلّق رأساً على عقب في الحانات، واليوم أنا أقول إنني لن أظهر عارية، وآراؤنا تتغير مع الوقت}.

هكذا، تعود شاكيرا إلى وهم {الجذور الشرقية}، تتمسّك ببعض من أصولها العربية أو اللبنانية كما يفعل أحد أبطال رواية {شقيقان} للروائي البرازيلي اللبناني الأصل ميلتون حاطوم أو الكثير من أبطال الروايات الصادرة في أميركا اللاتينية لأصحابها اللبنانيي الأصل.

سلمى حايك

شيء ما في كلام شاكيرا، يذكّرني بسلوكية أحد الأصدقاء اللبنانيين، إذ لم يكن يصدّق أن الممثلة اللبنانية الأصل سلمى حايك {تتعرى} في أفلام السينما، كان يحسبها فتاة عذراء، لم ترتكب {الإثم} في حياتها. الأرجح أن صديقنا كان مغرماً بحايك، لذا كان يراها بصورتها النقيّة، صورة فتاة الضيعة التي تحلم بالثوب الأبيض على حصان وهو العريس الذي يحرسها بعنفوانه.

 أما بعض الكتاب العرب الذين يكتبون عن هيفا وشاكيرا ونانسي، فهو يكتب عن شخصيات حقيقية وفي ذهنه {المرأة الشعرية}، تلك  المرأة الكاملة الأوصاف والسرابية التي حظيت بآلاف القصائد من دون أن تكون موجودة في الواقع، ربما فقدان المرأة في حياة بعض الشعراء يجعله يقع ضحية أحلامه ولغته وأوصافه وسكراته وطموحاته.

ثمة عشرات المقالات والدراسات العربية التي تأخذ من رقص شاكيرا حجة للحديث عن أمور أخرى في الجنس والجسد والميتولوجيات الإسلامية والعالمية، لكن معظم هذه الكتابات يبدو اعتباطياً ويغلب عليه التسرّع والإسقاط، ربما لأن حراك شاكيرا على المسرح يسلب مخيّلة من يكتب عنها.

كان الروائي غابرييل غارسيا ماركيز أكثر هدوءاً من غيره حين كتب عن شاكيرا ووضعها في خانة النجوم الذين يؤثّرون في أطفال العالم، وليس في خانة {امرأة السرير} أو {امرأة الشعر} كما في كتابات عربية كثيرة.

اختراع

ماركيز الروائي الذي حصد جائزة نوبل للآداب، لم يكن {مكبوتاً} في كتاباته عن ظاهرة مواطنته، فقد أثنى عليها في إحدى مقالاته بالقول إنها {بوجهها الشاب الرائع وهشاشتها الخادعة، كانت واثقة تماماً من أنها ستصبح شخصية معروفة ذات شهرة واسعة. لم تكن تعرف في أي مجال فني ولا بأي طريقة ستحقق ذلك، لكن لم يراودها أدنى شك في أنها ستنجح، كما لو أن الله حدد مصيرها مسبقاً}. وأضاف: {لا أحد في وسعه أن يغني ويرقص كشاكيرا. إذ تبدو وكأن هذه الأحاسيس البريئة من اكتشافها هي وحدها. إنها {اختراع كولومبيا الأبرز}، وهي النموذج الأمثل لقوة أرضية في خدمة السحر}.

 شاكيرا المسحورة بماركيز تعرف الشاعر العالمي بورخيس والشاعر الفرنسي شارل بودلير وتقرأ ما تسرقه من وقتها المليء بالعروض والسفر والغناء والجمال والشباب، وقادرة على التواصل مع الآخرين بمرونة، اختصرت بها لغات العالم جميعها. قالوا إنها كانت سبباً في {عولمة الرقص الشرقي}، أخرجته من إطاره الضيق (بحسب المتمرّسين بالرقص الشرقي، شاكيرا لا تجيد هذا الرقص)، الى رحاب العالمية، جعلت هزّ الأرداف والبطن سحر الشعوب، تقف على المسرح، تقول {إني أسد في غابة}، ولكن معظم الذين يكتبون عنها في العالم العربي كأنهم يقولون {حياتي عذاب}.

back to top