الغريب المتوطن ت. س. أليوت (2)


نشر في 16-12-2009
آخر تحديث 16-12-2009 | 00:01
 زاهر الغافري وقد وصفت فرجينيا وولف أليوت في يومياتها ورسائلها- رغم العلاقة الحميمة بينهما- بأنه شخصية «معقدة وشكوكية»، ورغم ان أليوت كتب عدداً من المقالات عن الإيمان ونيتشه ومقالات فلسفية اخرى، بتشجيع من برتراندراسل الذي كان يرعاهما أحياناً (هو وزوجته سكنا فترة في بيته) فإن أليوت، لم يتوان فيما بعد في ان ينسب اليه أسباب الدمار الذي لحقَ بفيفين. بعد أن نشر أليوت قصيدة حب جي جي بروفروك، وهي من كتاباته السابقة، ثم الرباعيات التي ارسلها اولا الى باوند لابداء رأيه، وكتب هذا الاخير تعليقات مذيلة على هوامش القصيدة، وتوطدت العلاقة بينهما، كان أليوت بالمقابل هو الوحيد الذي انتقد «الاناشيد» التي بدأ باوند في كتابتها في ذلك الوقت وكان يعرضها على أليوت، غير ان علاقات أليوت مع كتاب وشعراء ذلك العصر لم تكن سويةً على الدوام، ومن يقرأ سيرة حياة جورج أرويل، التي كتبها برنارد كريك، يجد أن أرويل ذكر أن أليوت رفض نشر احد اعماله عندما كان هذا الاخير يعمل مستشاراً ادبياً لمؤسسة فابر آند فابر الشهيرة. ربما لأن أرويل كان وقتذاك ثورياً أكثر مما ينبغي، بينما كان أليوت يمثل الرجل المحافظ، وهناك واقعة أخرى، تتعلق بلقاء أليوت بجيمس جويس، في باريس لأول مرة وكان مهندس هذا اللقاء، ازارباوند.

كان جويس القادم من زيوريخ والمقيم في باريس قد أكمل وقتذاك يوليسيس، لكن اللقاء الأول لم يكن على ما يرام، فبينما لم يبد جويس اهتماماً كبيراً بأليوت، كان أليوت يرى في جويس أنه شخصية متغطرسة ومتعالية رغم انه مقتنع داخلياً بأن الأمر قد لا يكون كذلك، فقد كان جويس نفسه شخصية منعزلة وبعيدة ونادراً ما كان يختلط مع ادباء المقاهي والحانات. على اي حال كتب أليوت خلال الفترة 1919 - 1920 مراجعات ودراسات كثيرة في بعض المجلات والملاحق الأدبية، نيوستسمن ومجلة المجمع و»الاناني» عن الدراما الاليزابيثية واليعقوبية، كما كتب نقداً لبعض المسرحيات بما في ذلك مسرحيات بن جونسون. وكان أليوت المأخوذ نفسه بالدراما يحاول إيجاد صيغٍ لادخال البعد الدرامي في القصيدة، وقد تحقق هذا في «جيرونشن» وهي مونولوج درامي طويل، وجزئيا في الرباعيات، غير ان أليوت كان يحفظ بعض القصائد لنفسه، وكتب خلال 1916 - 1919 مجموعة من الصور الادبية والشذرات سيقدر لها ان تظهر لاحقاً بصفاء أكبر في انجازه المعروف (الارض اليباب). كان أليوت يُحبذ تعدد الاصوات والايقاعات، والطقوس الدرامية بما في ذلك استخدام الأقنعة، لبناء اللحظة الدرامية- وكان أليوت قارئاً نهماً للدراما وقد قرأ عندما كان في الجامعة مسرح النو الياباني- وهذه الفكرة ليست بعيدة تماماً عما نادى به فيما بعد، انطونين ارتو، اذا نحينا جانباً المؤثر النصي او الادبي كما تجلى عند أليوت. عندما التحق أليوت بفابر آند فابر، نشرت له الدار مجلدا من «القصائد» وهو تجميع للقصائد التي كتبها بين 1909 - 1925، وكانت ضمن المجلد سلسلة قصائده (الرجال الجوف). كان أليوت الذي رأى انهيار نظام القيّم الروحي والأخلاقي في الغرب بعد الحرب الأولى، وعبر عنه، في (الارض اليباب) مناسة للبحث عن نوع من الكلاسيكية والنظام والصرامة والحس بالمسؤولية، ورغم ان حياته المربكة ظلت على حالها، فإن فكرته في إنشاء حلقة أو مجلة يجتمع حولها بعض عقول ذلك العصر ظلت نصب عينيه، واستطاع ان يقنع مجموعة من الكتّاب، فأسس مجلة كريتيريون، وبالفعل ظهرت المجلة وعلى صفحاتها أسماء مثل بيرانديللو، جويس، باوند، وولف، الخ. كان أليوت يبحث ربما عن جذوة الخلاص، ذات الطابع المطهّر بعد أن اختبر عذابات الحرب وبؤس الانسان رغم وصف بعضهم له بالنهلستي، لقد كان إيمان أليوت يتجاوز الشكليات هو الذي درس مبكراً الفلسفات والآداب الشرقية الصوفية والبوذية، وقد كان ملماً بالسنسكريتية وهذا ما يتجلى في عمله «موعظة النار»، وكانت افكاره التي تميل الى الحذر والشك تدفعه احياناً الى اعتبار نفسه غريباً، وقد كان يسمي نفسه أحياناً الغريب المتوطن. في القادم من شرفات سنتطرق إلى «الأرض اليباب» والظروف التي كُتبت فيها.

back to top