الانتخابات الرئاسية العاشرة في العقد الثالث للثورة الإسلامية من الصدر إلى نجاد... تاريخ حافل بالحوادث والتحولات والمفاجآت

نشر في 09-06-2009 | 00:00
آخر تحديث 09-06-2009 | 00:00
تفصلنا أيام قليلة عن انتخابات رئاسة الجمهورية في إيران، والتي تدخل دورتها العاشرة يوم الجمعة القادم، وإذ تقلب على رئاسة الجمهورية في إيران ستة رؤساء منذ تأسيس الثورة في عام 1979 حتى الآن، فإن النظر الى الوراء يفيد في تسليط الضوء على الخلفيات التاريخية لموقع رئاسة الجمهورية، وكذلك على التسلسل التاريخي للاحداث السياسية الكبرى التي ارتبطت دائماً في إيران بانتخاب الرئاسة.

تحول

قطعت إيران شوطا طويلا انتقلت بموجبه من ثورة فائرة عام 1979 الى قوة اقليمية عام 2009، ولم يتحقق هذا الانتقال والتحول بين عشية وضحاها، بل تطلب الأمر حوالي ثلاثين سنة لتستقر التوازنات السياسية في إيران على شكلها الحالي.

بني صدر

جرت الانتخابات الرئاسية للمرة الأولى في جمهورية إيران الاسلامية في عام 1980، وفاز بها أبوالحسن بني صدر، الذي لم يمكث في السلطة أكثر من سنة ونصف السنة بعد ان تطور موقفه من مؤيد قوي للإمام الخميني في منفاه بفرنسا، الى متحالف مع المعارضين لخط الامام، دخل بني صدر، المستبعد من ادارة شؤون الدولة الأهم مثل الحرب العراقية-الايرانية التي اندلعت في بداية عهده، في معركة مكشوفة من النواة الصلبة للثورة والممثلة في آية الله منتظري وخامنئي ورفسنجاني وأحمد الخميني، هرب بني صدر الى خارج ايران مع حليفه مسعود رجوي زعيم منظمة مجاهدي خلق عام 1981، بعد خسارته في معركة الصراع على السلطة، منهياً بهروبه فصلا داميا من تاريخ الثورة الإيرانية.

رجائي

بعد تلك الحادثة المفصلية في تاريخ الثورة والتي عكست ضآلة الصلاحيات الدستورية الممنوحة لموقع الرئيس في دستور جمهورية ايران الاسلامية، تم تنظيم انتخابات رئاسة الجمهورية للمرة الثانية التي ترشح لها محمد علي رجائي، كان رجائي قريبا من خط الامام الخميني، وشغل منصب رئيس الوزراء تحت رئاسة بني صدر، واعتبره المراقبون وقتها مرشح الامام الخميني للرئاسة. بعد انتخابه رئيسا لم يمكث محمد علي رجائي في الرئاسة اكثر من شهر واحد، حيث اودى انفجار كبير في مقر الحزب الاسلامي الجمهوري (حزب جمهوري اسلامي) الذي انتمى اليه أغلبية المؤيدين لخط الامام، بحياة آية الله مطهري والرئيس رجائي. اتهمت طهران جماعة «مجاهدي خلق» التي تنعتهم من وقتها باسم «المنافقين» بتدبير الاغتيالات، التي تركت ندوباً عميقة على الذاكرة الجمعية لرجالات النظام والثورة. وهكذا اسدل الستار على الفصل الثاني الدامي من تاريخ انتخابات الرئاسة في ايران.

خامنئي

ترشح السيد علي خامنئي رئيس البرلمان وقتذاك للانتخابات الثالثة التي اجريت عقب اغتيال رجائي، وانتمى خامنئي المولود عام 1939 الى الحزب الجمهوري الاسلامي حتى حل الامام الخميني الحزب عام 1987. ومثل رجائي فقد اعتبر خامنئي مرشحا عن تيار خط الامام الغالب في مؤسسات الدولة الايرانية، وفاز خامنئي بالانتخابات التي اجريت في تشرين 1981 ليصبح ثالث رئيس في تاريخ جمهورية ايران الاسلامية، عاد خامنئي وترشح لفترة رئاسة ثانية عام 1985 عن جمعية علماء الدين المناضلين (جامعة روحانيت مبارز)، وفاز بالانتخابات لفترة رئاسة ثانية امتدت حتى عام 1989. في هذا المفصل من تاريخ الثورة الايرانية رحل مؤسس الجمهورية وقائد الثورة الخميني، فكان ضروريا شغل الفراغ الكبير الذي خلفه برحيله. وهكذا انتخب مجلس الخبراء المكون من بضعة وثمانين من رجال الدين السيد علي خامنئي مرشداً لجهمورية إيران الاسلامية وخليفة للامام الراحل، فأصبح الطريق خاليا بذلك امام شريكه في القرب من الامام الراحل وزميله في جمعية علماء الدين المناضلين (جامعة روحانيت مبارز)، هاشمي رفسنجاني في الوصول الى سدة الرئاسة.

رفسنجاني

أصبح رفسنجاني رئيسا لجمهورية ايران الاسلامية بعد الانتخابات الخامسة التي جرت عام 1989، وعمره يناهز وقتها 56 عاما، ظل رفسنجاني رئيسا للجمهورية حتى عام 1993، ثم ترشح لفترة رئاسة ثانية فاز بها ايضا ليستمر حتى عام 1997، اطلق على فترة رئاسة رفسنجاني فترة «إعادة البناء» لأنها شهدت اعمار ايران بعد الحرب العراقية-الايرانية المدمرة، وان عاب الكثيرون على رفسنجاني سياسته الاجتماعية، حيث اتسعت في عهده الفوارق بين طبقات المجتمع الايراني.

خاتمي

بعد استكمال الفترتين الانتخابيتين لم يعد ممكنا لرفسنجاني ان يترشح لفترة رئاسية ثالثة، وهو احدى مؤسسات الدولة الايرانية التي تضمن لرئيسها البقاء في الصف الاول للنظام، وفي الانتخابات السابعة التي جرت عام 1997 ترشح وزير الثقافة السابق محمد خاتمي والمغمور نسبياً في مقابل رئيس البرلمان علي اكبر ناطق نوري، المدعوم وقتها من مؤسسات الدولة الايرانية، وكانت المفاجأة ان فاز محمد خاتمي المولود عام 1943، والمنتمي الى جامعة علماء الدين المناضلين (مجمع روحانيون مبارز)، بالانتخابات السابعة ليصبح الرئيس الخامس لايران.

أطلقت سياسات خاتمي القوى الاصلاحية من عقالها وشهد المجتمع الايراني حيوية كبيرة، وساهم خاتمي في ترميم علاقات بلاده مع دول الجوار وانهى بذلك عزلة اقليمية عانت ايران سنوات تحت وطأتها. وترشح خاتمي لفترة رئاسية ثانية عام 2001 فاز بها ايضا ليستمر في موقعه حتى عام 2005. وفي فترة رئاسته الثانية انفتح خاتمي على اوروبا وأطلق مبادرة «حول الحضارات» التي حسنت كثيرا من صورة ايران في العالم. واذ راج وجه خاتمي الهادئ والمبتسم في وسائل الاعلام، فإن البرنامج النووي الايراني الذي سيصبح ازمة لاحقا، قطع تحت رئاسته اشواطا كبيرة، وفي نهاية فترة خاتمي الثانية كانت الامال المعقودة عليه من أغلبية الايرانيين قد تبخرت، بسبب قدرته المحدودة على الفعل والراجعة الى طبيعة الدستورية الايراني وتوازنات القوى فيه، والتي تميل بشدة ناحية مرشد الجمهورية وليس الرئيس.

نجاد

وفي انتخابات رئاسة الجمهورية التاسعة ترشح مجددا هاشمي رفسنجاني في مقابل المرشح الحالي للانتخابات مهدي كروبي والمرشح المغمور وقتها ومحافظ طهران محمود احمدي نجاد، تمثلت المفاجأة في عدم قدرة رفسنجاني ذي الباع الطويل والخبرة العريضة على حسم السباق لمصلحته ليدخل في دورة اعادة امام مفاجأة الانتخابات التاسعة محمود أحمدي نجاد.

فجر نجاد المفاجأة الكبيرة في دورة الاعادة وفاز على هاشمي رفسنجاني مدشنا بعدها سياسة خارجية هجومية قلبت التوازنات الاقليمية لمصلحة ايران، سدد نجاد ضرباته الاعلامية لمعارضي البرنامج النووي الايراني، ذلك الذي قطع أشواطا كبيرة وسط صخب دولي واقليمي نتيجة الورطة الاميركية في العراق وحرب تموز 2006، والان يترشح نجاد لفترة رئاسة ثانية وسط جدل دولي واقليمي كبير يثيره اداء الرئيس الايراني الميال للصدام الاعلامي والمواجهة، والفخور بما حققته بلاده من منجزات تكنولوجية في ملفها النووي، يواجه نجاد في الدورة العاشرة لانتخابات رئاسة الجمهورية معركة صعبة بسبب التردي النسبي للاداء الاقتصادي في الوقت الذي قدرت فيه دخل ايران من النفط والغاز الى 250 مليار دولار في السنوات الاربع الماضية، واذ تفيد التجربة التاريخية لانتخابات رئاسة الجمهورية في ايران بأن كل الرؤساء نجحوا في ضمان الفوز لفترة انتخابية ثانية، الا ان هذه القاعدة لا تبدو مؤكدة الان في حالة نجاد الذي يواجه تحديا كبيرا من منافسه مير حسين موسوي الاقرب حتى الان الى الفوز بالانتخابات العاشرة، في تاريخ جمهورية ايران الاسلامية.

back to top