وجهة نظر : محفّزات برميل النفط في دول بريك وأسواق المستقبليات

نشر في 23-06-2009
آخر تحديث 23-06-2009 | 00:00
 د. عباس المجرن يرتبط الارتفاع الحالي في سعر النفط الخام بعدة عوامل يأتي في مقدمها، وفق قراءتي للمتغيرات الراهنة على صعد مختلفة، استمرار معدلات النمو الاقتصادي المتميزة في دول مجموعة الاقتصادات الناشئة الكبرى الاربعة، اي مجموعة دول «بريك»، وهذا المصطلح يجمع الحروف الاولى التي تتكون منها اسماء هذه البلدان بالاحرف الانكليزية «BRIC»، وهي البرازيل وروسيا الاتحادية والهند والصين.

ويشكل الناتج المحلي الاجمالي لهذه الدول اكثر من 15 في المئة من اجمالي الناتج العالمي، كما يمثل سكانها نحو ثلث عدد السكان في العالم، وقد حقق كل منها انجازات اقتصادية لا يُستهان بها.

فقد نجحت البرازيل في عام 2006 في تسديد كل ديونها المستحقة عليها لصندوق النقد الدولي، وتحولت الى دولة مُقرضة له، واتبعت سياسات تنموية ادت الى تحسن اوضاع نحو 20 مليون برازيلي ممن كانوا يعيشون تحت خط الفقر، كما تمكنت من معالجة تداعيات الازمة المالية العالمية، وتتوقع الآن عودة نشاطها الاقتصادي الى ادائه السابق بحلول عام 2010.

كذلك نجحت روسيا التي يشكل اقتصادها سادس اكبر اقتصاد بالعالم، في المحافظة على نمو صناعاتها الانتاجية، إذ حقق ناتجها الصناعي ارتفاعا بنسبة 5 في المئة، كما تمكنت من زيادة قدرتها على انتاج وتصدير المحاصيل الغذائية، وتخطط الآن لتصبح اكبر مصدر للحبوب في العالم.

الهند من جانبها حافظت على معدل نمو يضاهي في اقل التقديرات معدل النمو الذي حققته في العالم المالي السابق وهو 6.7 في المئة، ورغم تداعيات الازمة المالية العالمية، فانها نجحت في استقطاب اكثر من 7 مليارات دولار اميركي من رؤوس الاموال الاجنبية خلال الربع الثاني من العام الحالي.

اما الصين فقد رفع البنك الدولي في تقريره الاخير توقعاته بشأن نمو اقتصادها هذا العام، بسبب الزيادة التي تحققت في معدل الاستثمار بالاصول الثابتة، ومن المتوقع ان ينمو الاقتصاد الصيني بمعدل 7.2 في المئة، اي بزيادة تصل الى 0.7 في المئة، بالمقارنة مع توقعات البنك الدولي التي صدرت في مارس الماضي، وكانت حزمة برامج التحفيز الاقتصادي في الصين في مواجهة الازمة المالية قد نجحت في تعزيز حركة الاستثمار في البنية الاساسية للبلاد، في النصف الأول من هذا العام، ما أدى إلى تحسن أداء النشاط الاقتصادي، وتذهب بعض التقديرات الى أن الصين قد تتمكن من العودة إلى معدل نموها القياسي وهو 10 في المئة بحلول عام 2010.

عودة المضاربة

اما ثاني اهم العوامل المحركة لارتفاع سعر النفط الخام، فيتمثل في توقعات المضاربين بأسواق السلع المستقبلية، خصوصا سوق لندن الدولي وسوق «نيمكس»، باستمرار التحسن في المؤشرات المالية والاقتصادية على المستوى العالمي، ومن ثم تحسن الطلب على النفط ومشتقاته، وبالتالي تواصل الصعود في اسعاره، ولم يحدث حتى الآن أي تطور يحد قدرة المضاربين في شراء عقود النفط المستقبلية في بورصات السلع مقابل دفع 6 في المئة فقط من قيمة العقد، اي ان المضارب يشتري برميل النفط الخام بنحو 4 دولارات اميركية فقط بغرض المضاربة، بينما يبلغ سعر البرميل الواحد نحو 70 دولارا في السوق، ثم يعيد بيعه عندما يبلغ سعره نحو 74 دولارا مثلا، محققا بذلك ربحا مقداره 4 دولارات في البرميل أي 100 في المئة من قيمة العقد المستقبلي، وسيؤدي استمرار تحقيق مثل هذه الارباح المبالغ بها إلى تزايد عمليات المضاربة، ومن ثم استمرار الصعود في اسعار النفط، ولا شك ان تضاعف اسعار النفط الخام منذ فبراير وحتى الوقت الحاضر، لا يمكن ان تفسر كليا بعيدا عن دائرة المضاربات في العقود المستقبلية.

وتبقى بعد ذلك حزمة العوامل الجيوبولوتيكية المؤثرة، وكذلك عوامل التقلبات المناخية، وقرارات منظمة اوبك الساعية إلى استقرار السوق من خلال المحافظة على معدلات انتاج موازية لحصة المنظمة من الطلب العالمي على النفط.

ليس صحيحا اذن ما ذهب اليه بعض المراقبين المتخصصين في صناعة النفط في الاسبوع المنصرم، من عدم وجود عوامل جوهرية تبرر الارتفاع الحالي في سعر النفط، فهذا السعر هو نتاج قوة الطلب الحقيقي على النفط، لا سيما في الاقتصادات الناشئة الكبرى، وقوة الطلب الظاهري عليه في اسواق المستقبليات. 

back to top