الرميثية بعد العقيلة... هل السيناريو واحد؟

نشر في 31-12-2009
آخر تحديث 31-12-2009 | 00:00
 حسن مصطفى الموسوي قبل أسبوع استنكرنا كلام الجويهل المبتذل لكننا انتقدنا في نفس الوقت ردة الفعل التي تجاوزت الكثير من الثوابت الوطنية والدستورية، وبالمثل أقول لماذا تضخيم هذا الموضوع وإعطاء المستفز كل هذه الدعاية المجانية، التي سيستغلها بلا شك حتى إن أغلق مركزه، فالفضاء الإلكتروني الواسع لن يمنعه من الاستمرار في نشر أفكاره؟

بداية نعزي الأمة الإسلامية بذكرى استشهاد سيد الشهداء وريحانة رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) في معركة الطف الخالدة التي انتصر فيها الدم على السيف. ولا تعد حادثة استشهاد سيد الشهداء ورجاله هي فقط التي تثير العواطف والأحزان، بل إن ما حل بعد ذلك ببنات الرسالة وحفيدات رسولنا الأكرم اللاتي سبين من بلد إلى بلد يثير فوق ذلك الشجون والآهات، ولذلك قال دعبل الخزاعي:

لا أضحك الله سنّ الدهر إن ضحكت ...

وآل أحمد مظلومون قد قهروا

مشردون نفوا عن عقر دارهم...

كأنهم قد جنوا ما ليس يغتفر

ولذلك، من الطبيعي أن يغضب الناس وتثار عواطفهم عندما يقول شخص إن يوم عاشوراء الذي شهد كل هذه المآسي هو يوم فرح، ومن الطبيعي أن تهب الناس للتجمهر في المظاهرة التي أقيمت في الرميثية للتعبير عن الاحتجاج على ذلك الاستفزاز، وكل ذلك نتيجة لمشاعرهم الصادقة العفوية، لكن ليسمح لي الجميع بأن أقول إنه لم تكن هناك مصلحة من إقامة مثل هذه المظاهرة، وذلك لعدة أسباب:

بداية يجب التذكير بأن ما حصل من استفزاز كان يجب التعامل معه بكل هدوء وبإعطائه حجمه الحقيقي حتى لا يتحول صاحبها إلى بطل في نظر البعض، وقد سعى بعض المخلصين ومنذ البداية إلى تطويق الموضوع ووأده وذلك باتصالات أجريت مع كبار المسؤولين مما أثمر عن إطفاء الشاشة التي كانت تبث العبارات الاستفزازية (من باب أنها مخالفة للقانون)، وقد بذلت تلك الجهود بمسؤولية وبعيداً عن الاستعراض الإعلامي حتى إن أدى إلى أن يقطف آخرون ثمار تلك الجهود لأن الهدف كان وأد الفتنة.

لكن التصعيد الإعلامي المبالغ فيه استمر حتى أقيمت المظاهرة التي استغلت فيها المشاعر الصادقة لتحقيق غايات أخرى، فلماذا أقيمت المظاهرة مع أن الاستفزاز تم إنهاؤه بإغلاق الشاشتين على الطريق السريع؟ وإذا كان الهدف هو المطالبة بإغلاق المركز، فيجب أن يترك هذا الأمر للقانون والقضاء وليس للاحتكام إلى الشارع لأنه سيكون مدخلا للفوضى في المستقبل، فإن كانت مظاهرة ستغلق قناة فضائية هنا ومركزاً هناك بسبب تصرف لا مسؤول فإن ذلك سيدعو كل طرف إلى حشد الآلاف إلى الشارع في المستقبل لتحقيق مطالبه الظالمة لفئات أخرى بالمجتمع سواء بحق أو من دون حق، فالشارع ملك للجميع.

وإذا كانت المظاهرة فعلا تنبذ الطائفية وتدعو إلى الوحدة الوطنية فلماذا لم يتحدث أي نائب من الطائفة الأخرى، خاصة أن الإمام الحسين (ع) للجميع وليس لطائفة دون أخرى؟ فهل تمت دعوة البعض منهم واعتذروا أم أن بعضهم طلب الحضور والحديث لكن طلب منه عدم الحضور؟! ولماذا استخدم بعض المتحدثين عبارات استفزازية للطرف الآخر (بغض النظر عن مدى صحتها)؟ ولماذا تطرقت بعض الكلمات إلى أمور خارجة عن الموضوع مثل قضية الولاء للأسرة وبأن الشيعة هم حماة الحكم، إضافة إلى قضية المناهج التي لا تحل عبر المظاهرات؟ ولماذا تم تجاهل كلمة أحد النواب بالكامل من تغطية إحدى الصحف المتبنية للمظاهرة؟

كل ما صاحب المظاهرة يدل على أن هناك من أراد فرض جو معين عليها، وأن هناك من أراد تجيير مشاعر الحاضرين الصادقة لتحقيق أهداف من له أجندة في هذا التجمع وفي المشهد العام أو لخدمة أهداف شخصية، ومن الممكن أن البعض أراد أن تكون هذه المظاهرة ردا على المظاهرة التي أقامها أبناء القبائل في العقيلة حتى يتولد احتقان في البلد يمهد لتحقيق مآرب أخرى. هذا عوضا عن أن الوقوف أمام جماهير كثيفة يشجع المتحدثين على الانفعال والتحدث بأمور غير مقبولة. فماذا يعني أن يقول نائب «وقفنا معكم في الجهراء وننتظر وقوفكم معنا»، وكأنه بذلك يصنع جميلا على أهالي الضحايا.

ثم هل نحن بحاجة إلى مظاهرة حتى نقول نحن هنا؟ وهل وصلنا إلى حالة الضعف حتى نتوسل من الغير الوقوف معنا ونصرتنا؟ قبل أسبوع استنكرنا كلام الجويهل المبتذل لكننا انتقدنا في نفس الوقت ردة الفعل التي تجاوزت الكثير من الثوابت الوطنية والدستورية، وبالمثل أقول لماذا تضخيم هذا الموضوع وإعطاء المستفز كل هذه الدعاية المجانية، التي سيستغلها بلا شك حتى إن أغلق مركزه، فالفضاء الإلكتروني الواسع لن يمنعه من الاستمرار في نشر أفكاره؟ في النهاية أقول إن ردات الفعل المنفعلة قد تفرغ شحنة غضب، لكن آثارها قد تكون عكسية وقد تستغل بشكل سيئ لتحقيق غايات أخرى.

 

 

كتاب الجريدة يردون على تعليقات القراء

يمكنك متابعة الكاتب عبر الـ RSS عن طريق الرابط على الجانب الايمن أعلى المقالات السابقة 

back to top