الرواية التاريخية

نشر في 20-09-2009
آخر تحديث 20-09-2009 | 00:01
 آدم يوسف ترتبط الرواية بالتاريخ ارتباطاً وثيقاً، إذ يستحيل أن يجري حدث ما خارج إطار الزمان، سواء كان الحدث متخيلاً أم واقعياً، يمتد الأمر حتى يصل إلى الشخوص وتوصيف المكان، والأحداث الناجمة عن الحقبة الزمنية.

قد لا تتفق جميع الروايات من حيث الاستفادة من صيرورة التاريخ ومجريات أحداثه، الأمر الذي جعل الناقد د. جميل حمداوي يحدد أربعة أنماط من الرواية التاريخية هي: رواية التوثيق التاريخي، ورواية التشويق الفني للتاريخ، وروايات التخييل التاريخي، وكذلك الرواية ذات البعد التاريخي، ويقصد بها كل الروايات العربية ذات الطرح التاريخي، على المستوى المرجعي كروايات نجيب محفوظ، وعبدالكريم غلاب، ونبيل سليمان، وأما روايات التخييل التاريخي فإن حمداوي يستشهد لها بـ»الزيني بركات» لجمال الغيطاني، وثلاثية غرناطة لرضوى عاشور.

تبدو روايات نجيب محفوظ الأكثر جدلاً، إذ يشير د. محمد أبوبكر حميد إلى أن محفوظ كتب رواياته التاريخية الثلاث «عين الأقدار» و»رادوبيس» و»كفاح طيبة» من التاريخ الفرعوني «منساقاً وراء إعجابه بأدب سلامة موسى ودعوته إلى الفرعونية فقد كان للدعوات الشعوبية صدى كبير في حينها».

تتطور الأساليب الروائية في الوقت الراهن إلى حد كبير، بل إن بعض الأعمال الروائية توقعك في حيرة من أمرها، فهي ليست تسجيلاً تاريخياً خالصاً، وليست في الوقت ذاته إبداعاً روائياً متخيلاً، وبالطبع يصعب علينا الحديث هنا عن الثالوث الروائي: الحبكة، والصراع، والحل. وما يجعل الأمر عصياً على الفهم هو مبالغة الروائي في التجريب، بحيث يقفز بالحدث من حقبة تاريخية إلى أخرى. التاريخ هنا مقلوب يبدأ من الأسفل إلى الأعلى والعكس صحيح، كما أن الشخصيات التاريخية المعروفة مثل هارون الرشيد، أو الحلاج مثلاً، وأبي زيد الهلالي قد يشاركون أبطال الرواية الحديث والتفاعل. هنا يغلب عنصر اللعب على الزمن ومجرياته.

يضمّن بعض الروائيين أحداثاً تاريخية مهمة ضمن مجريات رواياتهم، بذكاء شديد. وفي إطار الروايات الخليجية أذكر أنني قرأت أكثر من رواية تتحدث عن حادثة غزو العراق للكويت، كما أن الروايات العراقية اتخذت من الحرب الأخيرة، وسقوط بغداد تربة خصبة لبناء أحداثها بل ورسم ملامح شخوصها، تأتي من هنا الأحداث التالية لسقوط بغداد مثل بروز الإرهاب، والقتل على أساس الهوية الطائفية، كل هذه الأحداث أفادت منها الرواية العراقية الجديدة إلى حد كبير، فهي لم تعد نصاً متخيّلاً يبنى من أرض المهجر، بل هي نص ينطلق من داخل العراق، ويبني أحداثه وشخوصه الواقعية على أسس فنية دقيقة ومستحدثة.

تُلقي الرواية التاريخية على كاهل الأديب ثقلاً جديداً، فهو ربما يرجع إلى عشرات المصادر والمراجع، للتأكد من معلوماته التاريخية قبل الشروع في الكتابة، وهنا أمر بحثي صرف ليس له علاقة بالقريحة، أو الانفعال الآني المبني على شرارة تقدح في الخيال. وحين يبدأ الروائي مرحلة بناء شخوصه، وأوصافهم، فإنه يسقط في شرك المواءمة بين المتخيل والحقيقي منها، هناك خيط دقيق فاصل يصعب تمييزه، مما يجعل الرواية الحديثة تتسم بالغموض في بعض جوانبها، خاصة التاريخية منها.

الرواية الجديدة تمنحنا المتعة والفائدة، والمعلومة التاريخية، هي لم تعد حدثاً ساذجاً يقوم على قصة بين عاشقين، أو صراع بين الخير والشر.

back to top