العري... آخر صيحات الموناليزا
بمحض الصدفة، وخلف جدران مكتبة الكاردينال جوزيف فيش في فرنسا، كُشفت لوحة تظهر فيها «موناليزا» ليوناردو دا فنشي عارية، ما أثار استغراب خبراء الفن، وفتح جدالاً واسعاً حول صاحب اللوحة.كان فيش سفيراً لنابليون في الفاتيكان، وظلت اللوحة مخبأة مدة قرن كامل خلف جدران مكتبته. يرجّح بعض خبراء الفن التشكيلي أن اللوحة رسمها دا فنشي، وأنه قد تخيل صورة عارية للموناليزا، لكنها لم تحقق شهرة الموناليزا الحقيقية. تبدو الصورة غامضة، لامرأة شبه عارية تنظر بإمعان نحو الأمام، باتجاه الناظر، بابتسامة لافتة ويدين معقودتين.
يعتقد خبراء آخرون، بأنه من الجائز تماماً، ألا يكون دا فنشي قد رسم صورة المرأة عارية الصدر هذه بنفسه، لكن من الوارد أن يكون قد أبدع صورة مشابهة لها سابقاً، وفقدت لسبب ما، لكنها ألهمت لاحقاً، أحد مقلديه لابتكار اللوحة المكتشفة أخيراً. في هذا السياق، أوضح مدير «متحف الميوزو إيديال» أليساندرو فيزوسي أن نظرة المرأة الأمامية، ووضعية اليدين، ومفهوم المنظر الطبيعي المكاني، والأعمدة الظاهرة على جانبي اللوحة، تظهر جميعها صلة واضحة مع موضوع رسم الموناليزا الأيقوني.بدت الموناليزا العارية أشبه بصبي مفتول العضلات، إذ لا تحمل أي دلالات أنثوية، لكن السائد أن كل شيء يُحاك حول الموناليزا يصبح في دائرة الأسطورة والحكاية وتتسابق وسائل الإعلام للحديث عنه. أصبحت الموناليزا لوحة عابرة للألباب توظّف فيها الأفكار الشعبية - الكاريكاتورية أو الساخرة، فمرة نراها عارية، ثم محجبة، وأيضاً ماجنة أو راقصة. إنها «حمّالة» أوجه وتعابير، ويبقى السر الكبير فيها ابتسامتها الأخاذة.تشكل الموناليزا العارية إحدى اللوحات الأساسية في معرض جديد يُقام في «الميوزو إيديال»، في بلدة توسكانا، مسقط رأس دافينشي، قرب فلورنسا. ويستمر المعرض الذي افتتح في نهاية الأسبوع الماضي حتى 30 سبتمبر (أيلول).يضم المعرض أكثر من خمسة آلاف لوحة، بدأ التشكيليون بإبداعها منذ خمسمئة عام، وكانت الموناليزا وراء معظمها. كذلك ينطوي على لوحات ومنحوتات وصور إعلامية لافتة. يبحث المعرض في السر الكامن الذي جعل هذه الأيقونة الفنية، على درجة استثنائية من الشهرة. ويحاول كشف تاريخ لوحة الموناليزا، بما في ذلك إمكان تحديد هوية المرأة التي عرضت نفسها أمام دا فنشي كي يقوم برسمها، إضافة إلى تناول أحدث الأبحاث العلمية حول اللوحة الخالدة.وكان متحف اللوفر أعدّ أخيراً دراسة أثبت فيها أن ابتسامة الجوكندا الغامضة هي ابتسامة امراة شابة سعيدة رزقت بطفل لتوها. كشفت الدراسة أن موناليزا كانت ترتدي منديلاً من الشاش شفافاً، معلقاً بفتحة اللباس الذي يغطي صدرها، وهو ما كانت ترتديه النساء الحوامل أو اللواتي وضعن طفلاً للتو. وعرفت المرأة الشابة التي تبدو بنصف ابتسامة غامضة بأنها ليزا جيرارديني زوجة تاجر من فلورنسا يعرف باسم فرانشيسكو دي جوكوندو. اعتمد فريق البحث على تقنية تصوير تعتمد على الأشعة ما فوق الحمراء التي تجعل الأنسجة شفافة بما يسمح برؤية طبقات الألوان تحتها. هكذا توصل الى معرفة أن الجوكندا لم تترك شعرها منسدلاً «وإنما مرفوعاً في «كعكة» ضمتها قبعة قماشية صغيرة من الخلف». وطالما ظن الناس أن موناليزا ارخت شعرها على كتفيها، الأمر الذي حير المؤرخين لأن هذه الطريقة بتصفيف الشعر في عصر النهضة كانت خاصة بالشابات والنساء سيئات السمعة، وهو ما لا ينطبق على سيدة راقية وزوجة تاجر حرير.يعرف الجميع اسم مارسيل دو شان، الرجل الذي أطلق «الفن الجاهز» وحوّر لوحة «الموناليزا» بإضافة شاربين ولحية عليها، فأصبحت بذلك عملاً خالصاً له يساوي ملايين الدولارات. أنجز الرسام لوحته هذه عام 1919، بهدف السخرية من النقاد ومن تقاليد فنون القرون الوسطى الراسخة والجامدة. وفيما كانت اللوحة الأصلية التي رسمها الإيطالي ليوناردو دافنشي تنال الاهتمام والتكريم في «متحف اللوفر»، قوبلت لوحة الفرنسي دو شان بالاستهجان واعتبرت بمثابة الصفعة التي لا تغتفر.يذكر أن الفنان أهدى لوحته الى الشاعر الفرنسي لويس أراغون الذي أهداها بدوره عام 1979 الى حزبه، الحزب الشيوعي الفرنسي. وظلت بعيدة عن الأنظار الى أن قرر القيمون على «متحف الفن الحديث» في مركز جورج بومبيدو بفرنسا اقتناءها، لتكون نجمة معرض بعنوان «بيغ بانغ».سئمنا من الحديث عن سر الموناليزا أو من استعمالها، سواء في فن الـ{بوب آرت» أو في المحال التجارية، وقبل أيام قرأنا أن الفنان الصيني يان بيمينغ «تحرّش» بالموناليزا وقدم معرضاً في اللوفر بعنوان «جنارة الموناليزا» وليس ابتسامتها. تتألف «الجنازة» من خمس لوحات زيتية كبيرة الحجم بارتفاع ثلاثة أمتار، يطغى عليها اللونان الأبيض والرمادي. ويقول الرسام الصيني إن لوحته بمثابة ظل لوحة دا فنشي. ويستند العمل الذي «تجرأ» عليه الفنان الصيني على تخيل امتدادات فضائية للمشهد الذي تجلس فيه المرأة في اللوحة، وهي فضاءات تتناثر في أرجائها جماجم بشرية. يمكن لمن يتأمل امتدادات بيمينغ أن يشاهد في طرفها صورة «بورتريه» لوالد الفنان الذي فارق الحياة منذ فترة قريبة، وفي الطرف المقابل صورة ذاتية للرسام نفسه، يتظاهر فيها بأنه رجل ميت أيضاً. كذلك تبكي الموناليزا الصينية بشكل أقرب إلى الكاريكاتور لأنها تحضر ثلاث جنازات، جنازتها الخاصة وجنازتي الرجلين المحيطين بها.