وحَّدَنا العُسر واليُسر... فعيبٌ أن نستورد طائفيةً تُفرِّقنا

نشر في 16-08-2009 | 00:01
آخر تحديث 16-08-2009 | 00:01
لم يُبنَ هذا الوطن على الفرقة والتناحر، ولم يكن للنزعات الطائفية فيه أصلٌ. عبر التاريخ التقت القلوب والضمائر، وتعاضدت السواعد وتكاتفت الأيادي، فصنعت وطناً جميلاً، جماله في أُلفة أهله، وإعجازه في اتحاد إرادتهم ووحدة عزمهم.

قبل النفط بنى الكويتيون سنة وشيعة، بدواً وحضراً، رجالاً ونساءً هذه الأرض التي لا ماء يرويها ولا زرع فيها، أرضٌ قفرٌ البحر بوجهها والصحراء بظهرها، فنقشوا معاً في الحجر، وركبوا البحر بكل طوائفهم ومذاهبهم، وشدوا الرحال بحثاً عن الكلأ والماء، فمخرت سفنهم عباب البحر، لا يعرف بحارتها أو نواخذتها أهذا سُني أم شيعي، لأن مصيرهم واحد ورزقهم واحد ووطنهم واحد، وقطعوا الصحارى يلتحفون السماء ويتوسدون التراب، ليس في لغتهم تنابز بالطوائف أو تلامز بالمذاهب، واختلط الدم السني بالشيعي، وامتزج عرقهما، وبنوا الأسوار سوراً بعد سور، ولما منّ الله عليهم بالتبر في برهم تعاضدت السواعد مثل كل مرة وحفرت في الصحراء خيراً عمهم جميعاً.

تعلم أولئك الذين لم يملكوا من العلم سوى قراءة القرآن أو حفظه من الكتاتيب، ودخلوا جامعات الدنيا ومدارسها فاتحين يجمعهم عزمٌ أصله إرادة لا حدود لها لبناء وطن جميل، والحفاظ عليه أكثر جمالاً مثلما توارثوه جيلاً بعد جيل.

***

كنا ولانزال وسنبقى ضحية للقدر، نحمل عبء ما تمليه علينا تلك الجغرافيا السياسية البغيضة التي لا حول لنا فيها ولا قوة، ولم نكن مخيرين فاخترناها. نحن كنا وسنبقى النقطة المضغوط عليها دائماً في هذا المثلث السياسي المعقد، لكن استمرارنا وبقاءنا - كان وسيبقى - مرهوناً بوحدتنا وبصفاء قلوبنا وبنقاء ضمائرنا.

عندما ابتلانا الله أيام الفقر بأوبئة فتاكة وبكوارث لم تنزل علينا لتفرق بين سني وشيعي، بدوي أو حضري، فقير أو غني، فلم يطرق الطاعون باب السني ويتجاوز باب الشيعي، وحين هاج البحر في سنة الطبعة لم يميز بين بوم وآخر، ولما دخلت جحافل صدام حسين الكويت لم تفرق الدبابة بين مسجد أو حسينية أو مناطق خارجية وأخرى داخلية، وهبّ الجميع ينشدون اسم الوطن لا غيره وامتزجت دماؤهم. كان العسر يجمعنا والمحن توحدنا، أما اليوم فقد غدا اليسر مفرقاً والرخاء مُشتِّتاً، ولم نتعظ بتجارب الماضي ولا بدروس التاريخ، وصارت مفردات السني والشيعي والبدوي والحضري مفردات دارجة مستوردة من أصوليات متطرفة نرددها كالببغاوات على حساب مصيرنا، ولم تكن يوماً موجودة عندنا.  أصبحنا نستورد الاختلاف البغيض مثلما نستورد باقي البضائع المفيد منها والضار.

طائفية بغيضة تُستزرع فينا نسقيها من رصيد مستقبل أجيالنا ومما بقي لهم من نور وآمال.

طائفية تحتضنها السياسة قبل الدين، فالدين براء منها، وتعشِّشُ في بيوت بعض الساسة والمسؤولين، يتحصنون بها أو يتكسبون منها على حساب الوطن، متجاهلين أن مصيرنا واحد وقدرنا واحد، فليس هناك مصير شيعي وآخر سني، وليس هناك مستقبل حضري وغيره بدوي.

غدونا شعباً يتألم، وحكماً لم يتعلم، وأمة يتجاذبها المجهول، كثرت أقوال أهلها، وقلت أفعالهم، وتلاشت آمالهم، واضمحلت أحلامهم.

خافوا الله في وطنكم، وخافوه في أهلكم وأبنائكم، فلا خير في ناس يقتاتون من دمائهم وحطب نارهم مستقبل أجيالهم...

ولعن الله كل من يوقظ الفتنة.

  الجريدة

back to top