الكولسترول... هكذا تواجهه!
الكولسترول يعنينا جميعاً منذ عمر الأربعين، مع أن فحوصات الدم تسمح بمراقبته منذ عمر العشرين. لا يعني ذلك أننا نعاني منه جميعاً، لكن لا بد من التنبه إلى هذا الأمر مع تزايد المهن التي تعزز الخمول في حياتنا اليوميّة ومع استهلاك غذاء غنيّ يفوق حاجات جسمنا. لذلك، من الضروري أن نبدأ بمكافحة الكولسترول السيئ في مرحلة مبكرة، لأنّ هذا «العدوّ» متربّص بنا، ولا بدّ من بذل كلّ ما بوسعنا للفتك به. وقد يؤدي إلى عواقب وخيمة على الصحة، تحديداً على مستوى القلب والشرايين.تتزايد نسبة الإصابة بالكولسترول على مستوى العالم، ما يدلّ على أنّ هذه الظاهرة أصبحت مشكلة صحيّة عالميّة.
من المصابون؟من الواضح أن الأشخاص الذين يُصابون بارتفاع معدّل الكولسترول هم في المقام الأول أولئك الذين يستهلكون غذاءً غنيّاً بالدهون، ويفتقرون إلى الحركة، ويعانون من وزن زائد أو من البدانة. لا داعي للقول إن عدد الأشخاص المعنيّين بهذه الظاهرة لن يتراجع في المستقبل القريب.راهناً، أصبحت المهن التي تتطلّب جهوداً جسديّة نادرة نسبيّاً مقارنةً مع الوظائف المكتبيّة. ومن المتوقّع أن تشهد معدّلات البدانة والوزن الزائد مستويات قياسيّة في السنوات المقبلة. ولا يعني الأمر الراشدين وحدهم، حتى أنّ المراهقين بدأوا يكتسبون العادات السيئة، فهم يمضون ساعات جالسين أمام الكمبيوتر في المنزل، ويستهلكون المأكولات السريعة المضرّة.يصعب أحياناً تكوين رأي حقيقي عن الوضع المستقبليّ وعن هذه الأمراض المنتشرة على نطاق واسع مع أنها لا تدعو الى الخوف بالمعنى الحقيقي. هذه هي حال الكولسترول الذي أصبح شائعاً جداً لكنه لا يشكّل خطراً كبيراً على الصحة في حال اتّخاذ التدابير المناسبة. يعاني أكثر من 10 ملايين شخص في العالم من هذه المشكلة. وحتى لو كانت العلاجات فاعلة، يبدو أنّ الرقم في تزايد مستمرّ.الجيّد والسيّئحين نتكلّم عن الكولسترول، لا بدّ من التفريق بين عنصرين بحسب كثافة كل منهما في الجسم.تعريفهالكولسترول جزء لا يتجزأ من عمل الجسم. يتركّب القسم الأكبر منه عن طريق الكبد والغذاء والمأكولات المستهلكة. إنه نوع من الدهون التي تتكدّس في حاجز الخلايا، بهدف حمايتها والمحافظة على طراوتها. إذا أردنا أن نكون أكثر دقّة، هذه الدهون هي مادة كحولية لكنّ مفعولها يختلف عن الكحول نفسها، فهي تتمتع بقدرات على الاختراق وعدم الذوبان. تنقلها خلايا صغيرة في الجسم تُسمّى بروتينات دهنيّة. للوصول إلى أنحاء الجسم كافّة، يمرّ الكولسترول بالدورة الدمويّة عبر {الناقلات} الصغيرة هذه.• الكولسترول الجيّد: يجمع هذا النوع من البروتينات الكميّة الأكبر من الكولسترول وينقلها إلى الكبد. ثم يصل إلى المرارة حيث يتم التخلّص منها، أو تُستعمل للمساعدة في تصنيع الهرمونات تحديداً. ناقلات الكولسترول الجيّد نادرة جداً، لأنها لا تؤمّن أكثر من 15 إلى 20% من عمليّة العبور هذه.• الكولسترول السيئ: إنه الكولسترول الشرير! ينقل هذا النوع من البروتينات الكولسترول من الكبد إلى الخلايا كافّة، ما يفسّر ارتفاع معدل الكولسترول في الدم حين تكون نسبة الكولسترول السيئ فائضة. تصدر الأنسجة الأمر إلى الكولسترول، فتصبح نسبة ناقلات الكولسترول السيئ طاغية على غيرها (بمعدّل 70%). إذا تركناه يتراكم، ثمة خطر في تكوّن صفائح قادرة على إحداث خلل في عمل الشرايين التي تتصلّب. مع مرور الوقت، قد يتجمّد الدم في القلب، وأعضاء الجسم السفلى، والدماغ الذي عادةً ما تتركّز فيه أعلى نسبة من الكولسترول. أما البقية منه، وهي نسبة قليلة، فتُنقل عبر أنواع أخرى من البروتينات الدهنيّة.معلومات مهمّة• ينبغي أخذ نوعي الكولسترول في الاعتبار. يُعتبر الرابط بينهما مهماً جداً: تتزايد المخاطر الصحية إذا كانت نسبة الكولسترول السيئ أعلى من المعدّل ونسبة الكولسترول الجيّد أدنى من المعدّل في الوقت نفسه.• يجب أن يكون معدل الكولسترول العام معتدلاً.دور لا غنى عنهالكولسترول ضروريّ للجسم. فهو يشارك في تصنيع الخلايا والهرمونات. لكنّ الفائض منه يشكّل خطراً على الصحة. إنه المادّة الدهنيّة الأهمّ في عمليّة الأيض، نظراً إلى دوره في إنتاج الهرمونات الستيروديّة.الكولسترول جزء من الخلايا. تُستعمل كميّة كبيرة منه كطبقة دهنيّة لأغشية الدورة الدموية، كذلك يشكّل جزءاً لا يتجزأ من عملية إفراز الهرمونات الستيروديّة. ويتيح للجسم تصنيع بعض الفيتامينات ويشكّل أحد العناصر الأساسيّة بالنسبة إلى المرارة. يحافظ إذاً على سلامة أنسجة الشرايين، إلا في حال وجود فائض منه، عندها ينعكس دوره فيتزايد خطر أمراض القلب والشرايين تلقائياً. لا تظهر المشاكل فوراً بل تدريجياً. مع مرور الوقت، تترسّخ المشكلة وتتعمّق إلى أن تُحدث مشاكل صحية تكون أحياناً غير قابلة للعلاج. إنه مرض ماكرٌ إذاً! قد يحدث ألا تكون مشاكل الكولسترول ناجمة ببساطة عن نظام غذائي سيئ، إذ توجد أسباب أخرى تتمثّل بالعوامل الوراثية.أهمّية الفحوصاتيراقَب معدّل الكولسترول في الجسم من خلال إجراء فحص دم بسيط على الريق، يحدد نسبة الكولسترول العام، أي الجيد منه والسيئ، ويقارن بينهما، فضلاً عن معدّل الشحوم الثلاثية. يطلب الطبيب تنظيم مستوى الأبوبروتينات في حال الإصابة بمشاكل قلبيّة سابقاً أو في حال الشك بوجودها.حين يكون المعدّل طبيعيّاً، يُنصح بإجراء فحص كلّ خمس سنوات. يجب أن يكون معدّل الكولسترول العام أقلّ من غرامين في ليتر الدم الواحد. أما الحد الذي لا يجب تخطّيه فهو 2.50 غ في الليتر الواحد. لا بدّ أيضاً من أخذ السن بالاعتبار لتحليل النتائج.كذلك، ينبغي أن يساوي معدل الكولسترول السيئ 0.55 على الأقل وأن يكون أقلّ من 1.50، بل 1.20 لدى الأشخاص المعرّضين للمخاطر الصحيّة.قد يطلب الطبيب أيضاً التقرير الخاص بمعدل الكولسترول الجيّد. ويجب ألا تتعدى هذه النتيجة 4.5.أسباب الإصابة يرتفع معدّل الكولسترول في الدم في المقام الأول بسبب النظام الغذائي السيئ الغنيّ بالدهون. إنه السبب الرئيس الذي يحصل برغبةٍ منا لكنه ليس الوحيد! قد يؤثر التوتر النفسي على ارتفاع الكولسترول، كذلك تؤدي العوامل الوراثية دوراً مهمّاً في هذا المجال. إذا أخذنا أشخاصاً يتبعون النظام الغذائي نفسه، سنلاحظ أنهم لا يُصابون بالأمراض عينها في الوقت نفسه. على كلّ شخص إذاً مراقبة معدل الكولسترول في جسمه وتقييم نوعية غذائه شخصياً. الغذاء الغنيّ بالدهون مضرّ بالصحة، لذلك غالباً ما يرتبط الوزن الزائد، وتحديداً البدانة، بالأمراض القلبيّة.أما العوامل الرئيسة الأخرى فهي التبغ، ارتفاع ضغط الدم، وداء السكري. من الضروري إذاً إجراء فحوص دوريّة والتوقف عن التدخين لدى الأشخاص المصابين بالكولسترول. غالباً ما يعاني المصابون بالسكري من الكولسترول، وغالباً ما تساهم العلاجات في معالجة المشكلتين معاً. يتعلّق ذلك بمدى تعرّض المريض لأمراض القلب والشرايين. أخيراً قد يساهم بعض الأمراض في ظهور مشاكل في الغدة الدرقية.عادةً ما تتداخل عوامل عدّة تؤدي إلى ارتفاع معدل الكولسترول. بالتالي، غالباً ما يُصاب الشخص البدين بارتفاع ضغط الدم مثلاً. يُذكَر أنّ نتائج فحص الدم تتحسّن بعد فقدان الوزن. انتباه... خطرمع تراكم المشاكل الصحيّة (داء السكري + كولسترول) أو (ارتفاع ضغط الدم + كولسترول)، يتزايد خطر النوبات وانسداد الشرايين. عوامل وراثيّةتؤدي العوامل الوراثية دوراً مهماً في هذا المجال. قد نجد مثلاً عائلات بأكملها مصابة بهذا المرض، وقد نسمع بوفاة عدد كبير من أفراد العائلة على إثر نوبة قلبيّة بعد عمر معيّن. قد يعود ذلك إلى واقع أنهم يتشاركون جميعاً نمط الحياة نفسه. لذا لا بدّ من التنبه إلى ضرورة مراقبة معدل الكولسترول من خلال الفحوصات الطبيّة في حال وجود عوامل وراثية.أحياناً، تواجه بروتينات الكولسترول السيئ التي تنقل الكولسترول إلى الخلايا التي تحتاج إليه مشكلة صغيرة في إيصاله. عادةً، تكون الخليّة مزوّدة بجهاز يسمح لها بالتعرّف على الكولسترول الذي يصل إليها وباستقباله. يكون هذا الجهاز مثبتاً على ناقِل الكولسترول السيئ. حين يُصاب بخلل ما أو لا يكون موجوداً، تبقى بروتينات الكولسترول السيئ في الدورة الدموية حيث تتأكسد وتشيخ. فتصل في نهاية المطاف إلى الصفائح التي تستقبلها أثناء تكوّنها على حواجز الشرايين الداخلية.يساهم التوتر النفسي في زيادة خطر ارتفاع الكولسترول مع أنه ليس عاملاً مسبِّباً بحدّ ذاته. لكن تؤدي الانفعالات القويّة إلى ارتفاع معدل الأدرينالين، ما يقود تلقائياً إلى انقباض الشرايين. قد يؤدي ذلك إلى نشوء مشكلة في القلب إذا كانت صفائح الشرايين كثيفة جداً.مرض صامتمن أهمّ المخاوف التي ترافق ارتفاع معدل الكولسترول، غياب العوارض التي تدفع المرء إلى تغيير نمط حياته. الكولسترول مرض صامت يتطوّر من دون الشعور به، إلا إذا ترافق مع زيادة في الوزن، لكن غالباً ما نربطها بالتقدم في السن وتراجع النشاط الجسدي. من هنا أهميّة إجراء فحوصات دم دوريّة منذ عمرالـ 45. مخاطر وسلبياتيعني ظهور العوارض نشوء مرضٍ معيّن. يمكن استنتاج ذلك في حال ظهور تراكم صفائح الشرايين في الصورة الصوتيّة، ما قد يقود إلى مشكلة في شرايين الدماغ، تحديداً انسداد الشرايين أو التهاب شرايين الساقين. وفقاً للأطبّاء، يمكن تفادي من 10 إلى 30% من هذه الحوادث إذا أخذ المرضى تدابير وقائية، وواظبوا على إجراء فحوصات طبية، وحرصوا على اتباع نظام غذائي سليم. لكن كما يقول المثل، قد يحصل أن نحفر قبرنا بيدنا. تكمن المشكلة الحقيقية في أننا لا نعي وضعنا إلا بعد بروز المشكلة. عندها تزداد الأمور تعقيداً.• صفائح الشرايين: تلتصق صفائح الشرايين عموماً بالشرايين التاجية وسرعان ما تتزايد سماكتها تدريجياً. هذا ما يُسمّى بتصلّب الشرايين. في هذه الحالة، يجد الدم صعوبة أكبر في الجريان وفي إرواء القلب والجسم. قد يتجمّد الدم، ما يسدّ الشرايين أو العروق المجاورة. خارج الشرايين التاجية، تؤثر الصفائح أيضاً على عروق الدماغ أو الساقين.• تصلّب الشرايين: تعني كلمة {تصلّب} خللاً خلوياً يصيب عضواً من أعضاء الجسم مع التقدم في السن. غالباً ما لا يميَّز بين نوعين من تصلّب الشرايين. في الحالة الأولى، يكون الكولسترول ببساطة مكدّساً في حاجز الشرايين الداخلي، فيبدأ مخزون الدهون هذا في تكوين صفائح بيضاء اللون. إنها أكثر حالة شيوعاً حين نتكلم عن الكولسترول. تؤدي هذه الصفائح إلى زيادة سماكة الشرايين الضخمة: الشريان الأورطي، الشرايين التاجية، الشرايين الدماغية، شرايين الساقين.في الحالة الثانية، تتجمّع الشحوم التي يشكّلها الكولسترول وتبدأ بتكوين كتلة سرعان ما تصبح صلبة، ما يؤدي إلى قساوة في الشريان. حين تصبح الصفيحة شديدة السماكة، قد تسدّ الشريان جزئياً أو كلياً. في هذه الحالة، نتكلّم عن تخثّر الدم واحتشاء المنطقة المعنيّة.• تنفّخ جدار الشريان الأورطي: على مستوى الشريان الأورطي، تُسمى المشكلة بتنفّخ الشريان الأورطي. أما في حالة الشريان التاجي، فتُسمّى خناق الصدر. حين يكون الخلل على مستوى الدماغ، تكون المشكلة تحديداً في الشرايين الدماغية. أخيراً، تُصاب الساقان بالتهاب الشرايين الذي يتمثّل بمشاكل وأوجاع أثناء السير.التشخيصأثناء الاستشارة الطبيّة، قد يقوم الطبيب بتشخيص أوّلي من خلال فحص الضغط والنبض في مختلف أنحاء الجسم (القدم، العنق، ثنية الفخذ، الجهة الخارجية من الذراع). كذلك، تحتلّ الفحوصات التكميلية أهمية كبرى (إلى جانب فحص الدم)، حين يرصد الطبيب أنّ أحد الأعضاء يعاني من خلل ما. يُلجأ، بحسب الحالة، إلى تخطيط القلب، واختبار تحمّل، وصورة صوتية للشريان السباتي والشريان الأورطي أو شرايين الساقين، أو صورة للأوعية التاجية، الكلوية، والسباتية.قد يحصل أن تنسلخ قطعة صغيرة من الصفيحة فتشكّل دماً متجمّداً. في هذه الحالة، قد يجري الدم في الجسم إلى أن يتعرقل مساره بسبب وريد رفيع جداً. تُسمّى هذه الحالة {مرض صمّامات القلب}.تقضي عملية تطوّر مرض تصلّب الشرايين الطبيعيّة بتراكم الصفائح داخل الشريان. إذا لم تؤدِّ هذه الحالة إلى أيّ مشاكل، لا يدرك المريض أنه يعاني من أمر مماثل، فتتصلّب الصفيحة لأنها تصبح كلسيّة. يقود تطور الحالة إلى ما يُسمّى بانسداد الشرايين الذي يتجلّى على شكل خناق الصدر مثلاً، قبل الوصول إلى مرحلة تجمّد الدم وتخثّره.قد يشعر بعض المرضى بعوارض تنبّهه الى وجود مشكلة. إنها حالات نادرة جداً، إذ يتركّز الكولسترول على الأوتار العضلية بدل الشرايين كما يحصل عادةً. يمنع هذا المرض المُسمّى الورم الأصفر من التحرّك بالشكل الصحيح، فيصبح بعض الحركات مؤلماً، ما يدفع إلى استشارة الطبيب.قد تظهر عوارض أخرى أيضاً على مستوى العين، مثل حلقة بيضاء حول القرنيّة (لكن لا يجب أن نخلط بينها وبين الحلقة التي تتكوّن مع التقدم في السن) أو راسِب أصفر في زاوية العين الداخلية. حين تظهر هذه العوارض، يتّضح أنّ معدل الكولسترول مرتفع جداً.في أيّ سن يجب الانتباه؟عادةً، يتكوّن فائض الكولسترول في الجسم بعد سن الخمسين. لكن قد يعاني أشخاص في سن الشباب من ارتفاع معدل الكولسترول بسبب العوامل الوراثية. في هذه الحالة، لا ترتبط هذه الظاهرة بشيخوخة الشرايين.منذ الطفولة، تبدأ الشحوم بالتكدّس في الجسم. لا يقلق الأطفال عادةً من هذه الظاهرة الطبيعية. تكون المرأة محميّة بفضل الهرمونات في جسمها إلى حين انقطاع الطمث، ما يفسّر ظهور مشاكل في التهاب الشرايين أو خناق الصدر لدى النساء اللواتي يتجاوز عمرهنّ الخمسين، وليس قبل ذلك في الحالات الطبيعية. بالنسبة إلى الرجال، قد تبدأ المشاكل قبل هذا العمر بكثير بحسب نمط حياتهم والعوامل الوراثية. معلومات في علم التشريحيتكوّن حاجز الشريان الداخلي من ثلاثة عناصر: الغلاف الداخلي، الغلاف الوسطي، والغلاف الخارجي.مراقبة الغذاءيقضي العلاج الأول في مراقبة الغذاء. يجب التوصّل إلى التمييز بين الدهون المشبعة وغير المشبعة، أي تلك التي نَصِفها على التوالي بالدهون السيئة والدهون الجيّدة. أهمّ ما في الأمر تجنّب الإفراط في استهلاكها. لكن تشدد كتب ومجلات غذائية عدّة على دور الدهون الجيّدة، أي الأحماض الدهنيّة غير المشبعة الموجودة في المواد الزيتيّة وفي الأسماك المدهنة تحديداً. هكذا نحصل على الأوميغا 3 الشهيرة التي تساعد جهاز القلب والشرايين في أداء وظيفته بشكل سليم وتساهم في حمايته. لا يُنتج الجسم الأوميغا 3 ولا يمكن إيجادها إلا في الغذاء.عدا عن الأوميغا 3، تُعتبر الأوميغا 6 و9 الموجودة في بعض أنواع الزيوت (دوّار الشمس، الصويا...) مهمّة أيضاً. إنها السبب الذي يدفع اختصاصيي التغذية إلى نصح الناس بتغيير الزيت الذي يستهلكونه. لكن المشكلة اليوم هي أنّ غذاءنا يفتقر بشدّة إلى هذه العناصر الأساسيّة التي تعطي التوازن المطلوب للنظام الغذائي. لا أحد يستهلك كميّات كافية من الساردين، الجوز، واللوز، بانتظام.حمية مناسبةترتكز الحمية المناسبة للأشخاص الذين يعانون من ارتفاع الكولسترول على استهلاك الأوميغا واتّباع نظام غذائي متوازن. من الضروريّ إذاً العودة إلى استهلاك الخضار والفاكهة بما أنها غنيّة بالفيتامينات والمعادن. ولا ننسَ مضادات الأكسدة التي تتيح مكافحة تكوّن الصفائح على الشرايين، إذ لها أهمية كبرى في حماية الجسم، وتحديداً القلب. أثبتت الدراسات أن أكسدة خلايا الكولسترول السيئ تنجم عن نقص في مواد معيّنة: مثلاً، نقص في الفيتامين C وE، والبوليفينول الموجود في الفاكهة والخضار، والألياف الغذائية النباتية، والكالسيوم.تُنتج مادّة البكتين الموجودة في بعض أنواع الفاكهة أحماضاً دهنيّة تتخمّر في القولون، ما يساهم في تخفيض معدّل الكولسترول. أما مادّة البوليفينول، فهي تتمتّع بمزايا مضادّة للالتهابات، عدا عن مزاياها المضادة للأكسدة. الحمية الخاصّة بمكافحة الكولسترول ليست صعبة التحقيق كونها تعتمد على استهلاك أنواع متنوّعة جداً من المأكولات. لكن لا بدّ من بذل جهد أكبر وتجنّب الدهون المطبوخة وشراء الأطباق الحاضرة من المتاجر. يرتبط الكولسترول بالعادات الغذائية، ما يعني الحاجة إلى القيام ببعض التضحيات. لا بد من التوقف عن استهلاك اللحوم والأجبان المدهنة، على الأقلّ في المرحلة الأولى. بعدها، يمكن العودة إلى استهلاك مأكولات مماثلة بمعدل 30 إلى 40 غراماً من الجبنة مثلاً، شرط اختيار المنتجات التي تحتوي على أقلّ نسبة ممكنة من الدهون.نشاطات جسديّةأفضل ما يمكن فعله لمضاعفة منافع هذه الحمية الجديدة، إرفاقها بنشاطات جسديّة منتظمة. يُعتبر اتّباع حمية مماثلة أكثر فاعليّة من فقدان الوزن، كونها تساهم في تخفيض الكولسترول السيئ وارتفاع الكولسترول الجيد. هكذا يكون فقدان الوزن منفعة إضافية للصحة.في ما يتعلّق بالنشاط الجسديّ، أظهرت الدراسات كافّة أنّ الشرايين تستفيد من هذه الحمية، لكنّ القلب الذي يتنشّط بفعل الرياضة لا يمكنه متابعة الحمية في حال انسداد الشرايين. إنها حلقة مفرغة حقاً!باختصار، ننصح باتّباع الحمية المتوسّطية الشهيرة! لكنها نظام غذائي شامل. لا يكفي إضافة أحد العناصر الغذائية لاكتساب المنافع المنتظرة بل لا بدّ من غذاء متوازن شامل.لتخفيض خطر الإصابة بنوبات قلبيّة، لا بدّ من النحافة، الامتناع عن التدخين، ممارسة الرياضة، عدم الإصابة بارتفاع ضغط الدم والتخلّص من التوتر النفسي! مؤشّر سكّر الدمغالباً ما يُنصَح المصابون بارتفاع معدل الكولسترول بتخفيف استهلاك المنتجات التي يكون فيها مؤشر سكر الدم مرتفعاً. في الواقع، تفيد هذه النصيحة المصابين بداء السكري، بما أنّ سكر الدم مرتبط مباشرةً بمعدل الغلوكوز في الدم، ولكنه يتعلّق أيضاً بالنظام الغذائي المتّبع. تحتوي الفاكهة والخضار والحبوب على مؤشر يقلّ عن 55. في المقابل، يحتوي الخبز الأبيض، الرز الأبيض، البطاطا المقليّة، السكاكر، البطّيخ، والجزر على مؤشر سكر دم يفوق حدود 70. هذا ما يفسّر منافع اتباع الحمية نفسها لدى المصابين بداء السكري والأشخاص الذين يعانون من ارتفاع معدل الكولسترول.الأحماض الأمينيّةهي نوع من الشحوم التي تُصنّف في ثلاث فئات: - أحماض دهنيّة مشبعة.- أحماض دهنيّة أحاديّة عدم التشبّع.- أحماض دهنيّة متعددة عدم التشبّع.يكون النوع الأول مشبعاً كيماوياً ويدخل في تركيب الشحوم الثلاثية. نجده مثلاً في دهون العجل أو الخروف، زبدة المارغارين، أو زبدة الكاكاو. إنها الدهون المسؤولة عن ارتفاع معدل الكولسترول السيئ حين تُستهلك بإفراط.تبقى الدهون غير المشبعة سائلة على حرارة منخفضة ولها مفعول مختلف: لا تفيد الأحماض الدهنيّة الأحاديّة عدم التشبّع إلا في تخفيض الكولسترول السيئ. أما الأحماض الدهنيّة المتعددة عدم التشبّع، فتفيد في تخفيض معدل الكولسترول العام.لمكافحة الكولسترول بأفضل طريقة، لا يجب التركيز على هذه الأحماض الدهنية المتحوّلة الموجودة في منتجات لا يُنصح باستهلاكها كالبسكويت المصنّع والسكاكر. من الأفضل تحضير تحلية بسيطة أو طبق منزلي صغير بدل الأطباق المصنّعة الحاضرة التي تحتوي على كميّة كبيرة من الملح.ما هي الأحماض الأمينيّة المتحوّلة؟· بما أنّ الخبراء ينصحون بعدم استهلاك الأحماض الدهنيّة المشبعة، قررت شركات الصناعة الغذائية استبدالها بالدهون غير المشبعة. تكمن المشكلة في أنّ هذه الأخيرة لا تتمتّع بالمذاق نفسه ولا الخصائص نفسها. كان لا بد من إجراء دراسات دقيقة للتوصل إلى منتجات تكون تركيبتها ومذاقها مشابهين للمنتجات التي تحتوي على أحماض أمينيّة مشبعة. تمكّنت الصناعة الغذائية من اكتشاف نوعين مختلفين كيماوياً عن الأحماض الدهنية غير المشبعة. لقد ثَبُت أنّ هدرجة الزيوت النباتية الغنيّة بالأحماض الدهنيّة المتعددة عدم التشبّع تؤدي إلى الحصول على حمض الإيلايديك المتحوّل. فدخل هذا النوع من الدهون في تركيبة زبدة المارغارين، قوالب الحلوى، البسكويت، السكاكر، المعجّنات، بعض أنواع الحبوب فطور... هكذا تبقى المنتجات صلبة ولا تفسد على رفوف المتاجر مع ارتفاع الحرارة. كذلك نجد هذا النوع من الأحماض في زيوت القلي وفي عدد كبير من مشتقات الحليب أو في اللحوم ( لكن بكمية قليلة).· اتُّهمت هذه الدهون المتحوِّلة بالتسبّب بجميع أنواع الأوجاع لأنها مسؤولة عن تخفيض معدل الكولسترول الجيّد وزيادة الكولسترول السيئ. يجب إذاً الامتناع عن استهلاكها. لكن الأمر ليس بهذه البساطة بسبب وجود بعض الأنواع المتحوّلة المفيدة.علاجات بالأدويةلا يُنصح بها إلا في الحالات القصوى، حين لا تعطي الحمية النتائج المرجوّة. لسوء الحظ، يحصل ذلك بسبب إهمال المريض أحياناً. في غالبية الأحيان، لا يشعر الأشخاص الذين يعانون من ارتفاع الكولسترول بالمرض أبداً، نظراً إلى غياب العوارض. قد يحصل إذاً أن يقطع هؤلاء الحمية الغذائية. حين ينتقلون إلى العلاج بالأدوية، يقعون في الخطأ نفسه، فيتوقّف عدد كبير منهم عن تناول الأدوية بعد فترة معيّنة. لاتّباع نظام مفيد، من المهمّ أن تتوافق أوقات أخذ الأدوية مع نمط حياة المريض وجدول أعماله. أفضل ما يمكن فعله هو تناول الأدوية صباحاً ومساءً.حين ينتقل المريض إلى هذا النوع من العلاج، عليه الاقتناع بأنه قد يدوم لسنوات. يرتبط معدّل الكولسترول مباشرةً بنسبة خطر الإصابة بمشاكل في القلب أو الدماغ. ينخفض هذا الخطر تزامناً مع انخفاض معدّل الكولسترول. لا شكّ في أنّ هذا الانخفاض الناجم عن اتباع حمية مناسبة أو المواظبة على أخذ العلاج أمر مشجّع. لكن في حال تناول الأدوية، يجب التنبّه إلى أنّ الطبيب هو من يقرر إمكان التوقف عنه، لا المريض بنفسه، حتى لو استعاد هذا الأخير معدلاً معتدلاً من الكولسترول.آثارها الجانبيّةعادةً ما يتذمّر المرضى من آثار الأدوية الجانبيّة لتبرير عدم اتّباع العلاج بانتظام أو التوقف عن أخذه نهائياً. وعادةً ما تكون هذه الآثار قصيرة الأمد، أهمّها أوجاع الرأس والاضطرابات الهضميّة. قد يقود استهلاك مادة {الستاتين} ودواء {فيبرات} إلى أوجاع عضليّة وتشنّجات، خلال الأشهر الثلاثة الأولى من العلاج. إذا استمرت الأوجاع بعد هذه الفترة، يُستحسن استشارة الطبيب لمعرفة ما يجب فعله للسيطرة على هذه الأوجاع أو تغيير الدواء والعلاج. تتزايد المخاطر إذا كان أحد أفراد العائلة يعاني من مرض عضليّ وراثي.لكن تبقى هذه المخاطر نادرة، وتفوق منافع هذه الأدوية الآثار الجانبية لدى بعض المرضى.- تفيد أدوية {فيبرات} في معالجة الكولسترول والشحوم الثلاثية، تحديداً لدى المصابين بداء السكري.- تفيد أدوية {ستاتين} في انخفاض معدل الكولسترول السيئ، لكن مفعولها على الشحوم الثلاثية ضئيل.في حال ارتفاع خطر أمراض الشرايين...أثناء تناول الأدوية، لا بدّ من مواصلة اتّباع الحمية الغذائية المتوازنة، لا سيّما لدى أكثر الأشخاص عرضة لمشاكل في الشرايين. يكون الشخص معرّضاً لهذه المشاكل إذا كان عانى سابقاً من مشاكل قلبيّة أو إذا كان مصاباً بداء السكري من النوع الثاني، فضلاً عن عاملَيْ خطر إضافيين (كارتفاع ضغط الدم أو البدانة).تُقيَّم فاعليّة العلاج كلّ ثلاثة أشهر في المرحلة الأولى للتمكّن من تنظيم جرعات الأدوية بأفضل ما يكون.يجب أخذ العلاج لسنوات في الحالات العاديّة، لذا لا بدّ من الاعتياد عليه على المدى الطويل. تكمن المشكلة في أنّ المرضى لا يفهمون في غالبية الأحيان ضرورة المواظبة عليه بعد عودة معدل الكولسترول إلى مستويات طبيعيّة. لا بدّ من استقرار هذه المستويات!ماذا عن الأطفال؟نادراً ما يعاني الأطفال من هذه المشاكل، لكنه أمر وارد. في هذه الحالة، يجب تشخيص خطر الإصابة بأمراض القلب والشرايين المبكر لأنه يرتبط بارتفاع معدل الكولسترول الوراثي.لقد ثبتت فاعليّة الوقاية بالعلاج لمعالجة الخلل في وظيفة الشرايين. لا يمكن اللجوء إلى هذا العلاج إلا إذا فشلت الحمية الغذائية على مدى ستّة أشهر أو أكثر. لحسن الحظ، نادراً ما تظهر الآثار الجانبيّة لدى الأطفال. ينبغي اللجوء إلى بعض المكمّلات الغذائية لدى الأطفال الذين يقلّ عمرهم عن 10 سنوات، تحديداً الفيتامين D. يمكن البدء بالعلاج قبل سن الثامنة، لكن لا يجب استهلاك دواء {ستاتين} إلا بعد سن الثامنة على الأقلّ. لكن لا بدّ من التحكّم باستهلاك هذه الأدوية لدى الأطفال والحرص على القيام بالفحوصات الطبيّة اللازمة. تبقى الدراسات الخاصة بالأطفال أقلّ من تلك الخاصة بالراشدين، ويجب التمييز بين مخاطر الإصابة بالمشاكل القلبيّة ومخاطر العلاجات المعتمدة.وسائل العلاجات الجديدةتثير هذه الأدوية جدلاً واسعاً في الأوساط الطبيّة، إذ يعتبرها البعض غير نافعة ومجرّد منتجات تجاريّة. من الصعب الحكم على الأمر إذا لم يكن المرء طبيباً متخصّصاً. لكنّ العلاجات المركّبة من مادّة الستاتين طرحت مشاكل عدة وعلامات استفهام كثيرة على مرّ السنين. يكمن الاحتجاج الأول في أنّ هذا العلاج يوصَف لنسبة هائلة من الأشخاص الذين يجب معالجتهم حصراً من خلال الحميات الغذائية والمواظبة على النشاطات الجسديّة.أما الاحتجاج الثاني، فهو أنّ الآثار الجانبيّة ليست حميدة، وهي التي دفعت أحد المختبرات إلى سحب منتجه من السوق العالمية بعد أن سُجّلت حالات وفيات رُبطت بهذه المادّة. لكن يفسّر بعض الخبراء أنّ المشكلة لا تكمن في مادّة الستاتين نفسها بل في فائض الكميّة المستهلكة وتفاعلها مع أدوية أخرى.لا أحد ينكر أنّ مادّة الستاتين تساهم في تخفيض الكولسترول الذي يركّبه الكبد، لكن حتى الآن يصعب أن تؤثّر على الكولسترول الذي تمتصّه الأمعاء. لذلك، ابتُكرت جزيئة جديدة لمكافحة هذه المشكلة: جزيئة الإيزيتيمايب. فضلاً عن الدراسات المكثّفة، يسعى الباحثون إلى توحيد معايير تحديد معدل الكولسترول والأنظمة الغذائية والوسائل العلاجيّة. سبب الوفيات الأوليجب ألا ننسى مطلقاً أنّ تصلّب الشرايين المرتبط مباشرةً بارتفاع معدل الكولسترول إلى مستويات عالية للغاية هو سبب الوفيات الأول في البلدان المتقدّمة. يبقى همّ الأطباء الأكبر كيفيّة الوقاية، كما هي الحال مع الأمراض الأخرى. في الواقع، يتطور مرض تصلّب الشرايين على مرّ السنوات من دون الشعور بأيّ عوارض إلى حين الإصابة بحادث صحيّ خطير.من خلال كلّ ما تقدّم في هذا الملفّ، يتبيّن أنّ النصائح الخاصّة باستهلاك الفاكهة والخضار، وأهميّة النشاطات الرياضيّة، واتباع حمية غذائية، ليست مفيدة وحدها. يكمن الهدف الأساسي في المحافظة على صحّة جيّدة لأطول وقت ممكن، ومعالجة المرضى حين يتقدّمون في السن من دون تأخير. نحن مسؤولون إذاً عن صحّتنا، على الأقل في ما يتعلّق بالغذاء اليومي وبالحركة التي تبعدنا عن الخمول والاتّكال حصراً على وسائل النقل.علينا أن نأخذ مشاكل الكولسترول بجديّة. يكفي التفكير بالمخاطر الصحية المحتملة لإدراك مدى أهميّة الوقاية لنتابع حياتنا كما يجب. يملك الجميع فرصة المحافظة على الصحة والتنعم بحياة سليمة. وحدهم الأشخاص الذين يعانون من مشاكل وراثية في هذا المجال مضطرّون للخضوع للعلاج، إذ لا خيار آخر لديهم! أما بالنسبة إلى الآخرين، فيكفي اتباع حمية غذائية مناسبة ومنتظمة!