شارع المعز... درّة الآثار الإسلاميّة في حلّة جديدة

نشر في 19-02-2010 | 00:00
آخر تحديث 19-02-2010 | 00:00
أُفتتح أخيراً شارع المعز لدين الله الفاطمي درة التاج في آثار مصر الإسلامية، بعد الانتهاء من أعمال التطوير والترميم الشاملة للمباني والمواقع الأثرية فيه التي استغرقت سبع سنوات (أكبر عملية ترميم للآثار) ليتحول الشارع إلى متحف إسلامي مفتوح يضم 33 أثراً تحكي قصة القاهرة منذ إنشائها في القرن العاشر الميلادي حتى القرن التاسع عشر الميلادي.

الشارع بطول 1300 متر تقريباً أكبر متحف إسلامي مفتوح في العالم يحكي قصة الحضارة الإسلامية على مدار 10 قرون، وحفاظاً على قيمته الأثرية شيّدت 11 بوابة إلكترونية لفتح الشارع وإغلاقه، ومنعت السيارات من دخوله من التاسعة صباحاً حتى الثانية عشرة ليلاً على أن يكون الشارع للمشاة فحسب.

أكد وزير الثقافة المصري فاروق حسني عقب الافتتاح أن الشارع يمثل محور إعادة أحياء القاهرة التاريخية الرئيس، مشيراً الى انتهاء المرحلة الأولى من ذلك، التي يليها ترميم آثار حي الجمالية المجاور لشارع المعز.

في سياق متصل، أكدت نائبة مدير جهاز التنسيق الحضاري وأستاذة العمارة في جامعة القاهرة د. سهير حواس أن المركز أدّى دوراً حيوياً في عملية تنسيق الشارع على مراحل عدة بدأت بإزالة مخلفات كثيرة طالما أخفت آثار الشارع.

كذلك أشارت حواس إلى أن مركز التنسيق الحضاري أعاد تأهيل المباني غير التاريخية لتتماشى مع جو الآثار الإسلامية.

يعود تاريخ شارع المعز إلى لحظة ميلاد القاهرة الفاطمية، فعندما فتح جوهر الصقلي مصر لمولاه الخليفة المعز لدين الله الفاطمي قرر إنشاء مدينة جديدة تكون مقراً ورمزاً للحكم الجديد فكانت القاهرة، التي كانت في الأساس مدينة ملكية، محرماً على العامة السكن فيها، لأن القصر الخلافي فيها وهو الذي يعرف بالقصر الشرقي الكبير يواجهه قصر آخر أصغر منه يعرف بالقصر الغربي.

نشأ شارع ضخم «بين القصرين» استخدم في احتفالات الخلافة الفاطمية الرسمية وعروض فرق الجيش، وكانت بدايته من باب الفتوح ونهايته عند بابي زويلة وهي الأبواب التي بناها بدر الدين الجمالي وزير الخليفة الفاطمي المستنصر بالله، وعرف آنذاك بشارع القصبة الكبرى والشارع الأعظم باعتباره أكبر شوارع المدينة وأكثرها أهمية، وأخذ في التطور حتى وصل إلى ما هو عليه الآن كأكبر شارع إسلامي في العالم.

لم يمر وقت طويل على شارع المعز حتى بدأت تغزوه المساجد الضخمة في العصر الفاطمي فظهر جامع الحاكم بأمر الله، أكبر مساجد الشارع إلى الآن، ثم الجامع الأقمر، أجمل مساجد الشارع وأكثرها زخرفةً، ثم الجامع الأفخر، المعروف راهناً بجامع الفكهاني.

شهد الشارع طوال العصر الفاطمي الاحتفالات والعروض العسكرية الضخمة كافة، ومع انهيار الدولة الفاطمية على يد صلاح الدين يوسف بن أيوب عام 1171 دخلت عامة الناس إلى المدينة فضاعت هيبتها وهيبة الشارع، فطوال العصر الأيوبي تحول شارع المعز من شارع ملكي فخم إلى شارع تجاري بحت إذ أصبح مركز نشاط القاهرة التجاري وأحد أكبر الأسواق في العالم آنذاك، وفيه نشأت أسواق النحاسين والفحامين والكحكيين والسيوفية والعطارين والصاغة، وقُسِّم قصر الخلافة الكبير بين عدد من أنصار النظام الجديد فظهرت في الشارع المدارس السنية التي عملت على إحياء المذهب السني بفرقه الأربع فكانت المدرسة الصالحية والمدرسة الكاملية في شارع المعز.

وكان «الشارع الأعظم» على موعد مع القدر والتاريخ في عصر دولة المماليك (1250-1517)، فقد شهد أكبر حركة عمرانية في تاريخه زادته أصالة ورسوخاً وجعلته يتفرد بمكانة مميّزة، إذ كان محور الحياة الاقتصادية ومركز الحياة الاجتماعية فتهافت عليه كبار السلاطين لبناء مجموعات أثرية ضخمة ترسخ من سلطتهم وتخلد ذكراهم بعد رحيلهم، وهي العمائر التي وصل بها الفنان المصري الذروة في الفنون الإسلامية إتقاناً وحبكة وزخرفة كما في مجموعة قلاوون الأثرية - أضخم مجموعة أثرية في العالم تضم جامعاً ومدرسة ومدفناً سلطانياً وسبيلاً ومستشفى، ومدارس مساجد الناصر محمد بن قلاوون والظاهر برقوق بن أنص والأشرف برسباي والمؤيد، ختاماً بالآثار المملوكية في مصر وهي مجموعة قانصوة الغوري الشهيرة التي بنيت قبيل الغزو العثماني لمصر.

لم يفقد الشارع مكانته في العصر العثماني، إلا أنه تأثر من انتقال مقر الحكم إلى الأستانة، فلم تظهر عمائر عثمانية مميزة باستثناء سبيل عبد الرحمن كتخدا الذي يتوسط الشارع، وسبيل الشيخ مطهر وسبيل محمد علي باشا الذي تحول راهناً إلى متحف للنسيج. وكادت آثار الشارع أن تضيع لولا الدور الذي اضطلعت به لجنة حفظ الآثار الإسلامية في نهاية القرن التاسع عشر والتي سجلت حالة الآثار في ذلك الوقت في صور نادرة كانت الأصل الذي اعتمدت عليه عمليات الترميم الحالية.

لا تقتصر أهمية شارع المعز على الآثار الموجودة فيه، إذ تتفرع منه أهم الحارات والشوارع ذات القيمة التاريخية والأثرية منها شارع الدرب الأحم، التبانة، وسوق السلاح الذي يضم عدداً من أهم الآثار الإسلامية وينتهي أمام مسجدي الرفاعي والسلطان حسن، وشارع تحت الدرب والخيامية، إضافة إلى عدد كبير من الحارات التاريخية المهمة أبرزها حارة برجوان.

back to top