خذ وخل: دمشق التي في خاطري 1

نشر في 05-07-2010
آخر تحديث 05-07-2010 | 00:01
 سليمان الفهد * حين احتواني فندق «فورسيزون» سألنا موظف الاستقبال- زوجتي وأنا- ماذا تشربان؟ فبادرته قائلا: أريد ماء «عين الفيجة» من الحنفية فقط لا غير! لم يخف دهشته واستغرابه من هذا الكويتي النجدي الذي يفضل ماء العين الدمشقية على مياه «إيفيان وبيريه» وغيرهما! الشاهد: ما إن كرعت الماء حتى تداعت إلى ذاكرتي وتدفقت ذكرياتي الشامية الثرة المتنوعة، والتي تبدأ في منتصف الخمسينيات من القرن الماضي حتى الحين الذي نحن فيه، بكل ما تنطوي عليه هذه الذكريات من أحداث، وأماكن، وأشخاص، وأزمنة، وروائح، وكل ما يحيل إلى الشام التي في خاطري، ويجسدها ويختزلها! وبصراحة محب شديدة أقول: راعني وأثار حفيظتي الإهمال الشديد الذي يكتنف الأماكن القديمة! وأحسبني في هذا السياق لا أزايد على الإخوة السوريين، لأن الغيورين منهم على تراث دمشق المعماري وغيره سبق لهم أن دبجوا المقالات المكرسة للمحافظة على تراثها بتجلياته كافة، وما زالوا يفعلون.

* «ركعتان للعشق» أديتهما في ضريح مولانا «محيي الدين بن عربي» الحاضر في سفح جبل قاسيون. كان ثمة زوار له من السياح غير العرب، ربما لأن سياحنا «الخلايجة» يحفلون بالتسوق في أسواق الحميدية والصالحية والحمراء، أكثر من اهتمامهم بزيارة المآثر التاريخية! طالعت مشهد الفيحاء من على قمة الجبل الشهير، فخيل إلي أن غوطة دمشق المخضوضرة قد طالها، هي الأخرى، عدوان مقاولي البناء! راجيا أن يكون ظني آثما مرده قصر النظر ليس إلا! وتذكرت، بالمناسبة، عادة «السيران» الدمشقية التي كانت تجري في الغوطة وغيرها من الفضاءات الخضراء، حيث تجد العائلات تفترش النجيل الأخضر وتتحلق حول النار لشواء اللحمة الضاني و»الجاج» و»السودة» الاسم «الحركي» الشامي للكبدة! وغير ذلك من طيبات ولذائذ المطبخ الشامي! ولأن الشيء بالشيء يذكر أقول: حين وصلت بعثة الكويت إلى دار المعلمين بدمشق كان الطلاب غصون بان بدون شحم، وغادروها في مطلع عقد الستينيات وهم من كاملي الدسم، وكل واحد أكرش يحمل وزر الشهية الأمارة بالتخمة! ما علينا.

* هبطت من جبل قاسيون، وطرت بالسيارة إلى حي «مئذنة الشحم» حيث المنزل الذي شهد طفولة وصبا الشاعر «نزار قباني»، وسررت لكونه مازال قائما لم يتقوض بفعل مستثمر وطني أو خليجي! وفهمت من قراءتي لكتاب «كلام عبر الأيام» للدكتور «صباح قباني» الذي أهداني إياه الصديق الأديب «ياسر المالح» أن والده باع البيت لأحد وجهاء الحي هو: السيد عباس نظام الذي «ظل يحرص منذ شرائه حتى اليوم، على أن يقول لكل زواره: هذا بيت الشاعر نزار قباني، وكان يفتح بابه لكل من يقصده من صحفيين يرغبون في الكتابة عن البيت الذي نشأ فيه نزار، بل كان يصر على تقديم القهوة والحلوى لهم»، وهذا المنزل محظوظ لأنه حظي بمثل هذا المالك الغيور على تراثه، أما منزل الجد الرائد المسرحي الغنائي «أحمد أبو خليل القباني» الواقع في منطقة كيوان فيذكر المؤلف أن وزارة السياحة قد استملكته بدعوى توظيفه سياحياً لكنها أهملته!

فعاش فيه اللصوص: نهباً وسلباً، فصار قاعاً صفصفاً! ولأني أوقن بأن الحكمة بعد وقوع البلية ليست من الحكمة في شيء لا أجد ما أقوله لعمنا «أبي خليل القباني» سوى صرخة الأديب الشاعر «محمد الماغوط «كاسك يا وطن».

back to top