خذ وخل: جابر الغائب الحاضر!


نشر في 20-01-2010
آخر تحديث 20-01-2010 | 00:01
 سليمان الفهد * لعله من نافل القول وفضوله: الإشارة إلى أن محبة الشعب لأميره مسألة عفوية «ربانية» تتكئ على كيمياء عاطفية قوامها حبه لشعبه قولاً وفعلاً كما يتبدى في قراراته وممارساته كافة. ومن هنا كان سمو الأمير «جابر الأحمد» رحمه الله وأسكنه فسيح جناته، حبيب الشعب بامتياز، ولا غرو والأمر كذلك أن يحظى بلقب شاعري هو: «أمير القلوب» نحته الشعب وصاغه بأنامل القلوب المترعة بحبه، وصار اللقب البهي دالاً عليه في حضوره وغيابه.

إن الزفة الاحتفالية المفروضة عنوة على الشعب، كما تتبدى في آلاف الصور وعشرات التماثيل والنصب، وكل مظاهر مسح الجوخ والنفاق التي تحيل رسمه واسمه وحضوره إلى مجرد زبد لا يمكث في الأرض، على الرغم من فرضه عبر الحناجر كهوسة: بالروح بالدم نفديك... وغيرها من الهتافات المصنوعة لا المطبوعة الخارجة من القلب!

وأذكر في هذا السياق أنه ورد إلى اللجنة العليا للاحتفال بالذكرى الخامسة والعشرين للعيد الوطني رغبة أميرية سامية، تطلب من القيمين على اللجنة عدم طباعة صورة سموه وتوزيعها على الناس والمحال وغيرهما، لأنه لا يرغب البتة في التأسي بغيره من الحكام العرب والمسلمين الذين يفرضون صورهم على الشعب كله وعلى السكان كافة، فضلا عن زراعتها في كل مكان بالبلاد عنوة وقسراً والعياذ بالله! وللأمانة التاريخية أشير إلى أن أستاذنا العم «بوقتيبة: إبراهيم الشطي» وكيل الديوان الأميري هو الذي نقل الرغبة الأميرية إلى لجنة الاحتفالات، الدالة على تواضع سموه الجم، كما هو معروف للقاصي والداني، وقد زرته إثر المحاولة الإرهابية الإجرامية التي استهدفت اغتياله، مع بقية من المواطنين الذين تحول قصر دسمان بهم إلى محجة يتوافدون إليه زرافات ووحدانا.

وراعني وأنا أبارك لسموه بالسلامة بساطة حجرته وتقشفها، إلى حد أن سريره الذي كان يجلس عليه «سفري» ربما يضاحي أسرّة جنود الحرس الأميري في قصر دسمان! وتواضعه طبع مجبول عليه يستند إلى المقولة الذهبية المعروفة: من تواضع لله رفعه، وعلى الرغم من كثرة عدد المقالات والتقارير التي كرست للاحتفاء بذكرى وفاة سمو الأمير الشيخ جابر الأحمد رحمه الله، فإن القارئ العبد لله لم يجد مقالة أبلغ من تلك الخاطرة التي كتبتها «شيخة جابر الأحمد» يوم الجمعة 15 يناير لصحيفة الوطن، لأنها مصاغة بمداد البنوة الريانة بالوفاء والحب والتقدير المتناغم مع مشاعر عامة أفراد الشعب وخاصتهم، كما تبدى لها ذلك جليا حين كانت في المقبرة بقصد زيارة قبر أبيها والدعاء له، لكن رغبتها الحميمة لم تتمكن من تحقيقها فور وصولها على الرغم من ذهابها إلى هناك بعد صلاة الفجر! ذلك أنها «فوجئت» بأن الغائب الغالي جسداً تحت الثرى حاضر يسكن الوجدان الجمعي للشعب الذي توافد أفراده صوب المقبرة لزيارة قبر سمو الأمير والدعاء له.

والأمر المفرح أن توافد المواطنين استمر وتواصل ساعات عدة، الأمر الذي اضطرها إلى تأجيل زيارة قبره إلى حين يفرغ من الزوار المحبين، والله أعلم كم ساعة انتظرت «الشيخة» دون أن تحاول تجاوز الدور والطابور! ربما لأنها وجدت في هذا المشهد العفوي عزاء ثرّاً يترجم بالفعل محبة الشعب وتقديره لسموه الدائمين.

أما عتاب الشيخة «فريحة الأحمد» على وزارة الإعلام بشأن «نسيانها» للمناسبة فلتعذرهم عليه لأن النسيان من علامات الشيخوخة وأرذل العمر!

والحق أن محبة الأمير الراحل حري بنا التشبث بها، والعض عليها بالنواجذ لكونها من القيم النادرة التي باتت تجمعنا وتوحدنا في هذا الزمن الكحلي العامر بالخلافات والفرقة الوارم بالفتن والعياذ بالله!

back to top