بابلو نيرودا... الشعر موطن التساؤل


نشر في 19-07-2009
آخر تحديث 19-07-2009 | 00:01
 آدم يوسف هل في الحياة أسخف

من أن تُدعى بابلو نيرودا؟

يفتح الشاعر التشيلي بابلو نيرودا، في ديوانه «كتاب التساؤلات» وهو من أعماله الأخيرة المترجمة إلى العربية، باب الأسئلة مشرعاً على مصراعيه، فالموت، والميلاد، وصراع الإنسان، وتغيرات الطبيعة، كلها محاور لأسئلة شعرية مشروعة، والكتاب -ترجمة سحر أحمد- من مفتحه حتى منتهاه ومضات أسئلة مفاجئة، قد لا نبحث بالضرورة عن إجابات لها، لكنها تحرك شيئاً داخلنا.

يقول «لماذا أسير بلاعجل/ وأطير من دون جناح وريش؟/ ولماذا اخترت الهجرة/ إذا كانت عظامي تسكن تشيلي؟/ هل في الحياة أسخف/ من أن تُدعى بابلو نيرودا؟/ هل يوجد من يلم الغيوم/ في السماء الكولومبية؟

عاش نيرودا (1904- 1973) حياة حافلة بالشعر، والهجرة وتقلبات السياسة، حاز جائزة نوبل للآداب 1971 ويعد واحداً من أعظم شعراء أميركا اللاتينية، إن لم يكن أعظمهم على الإطلاق.

عُيِّن قنصلاً لبلاده، في بورما وهو في سن الثالثة والعشرين، واعتمد بعدها أكثر من منصب في أميركا اللاتينية، كما عُيِّن سفيراً لبلاده إلى فرنسا.

في حياته العاطفية، كما السياسية، تنقلات وقفزات عديدة، لم يعرف الاستقرار العاطفي، ارتبط بأكثر من امرأة منذ يفاعة شبابه، وتزوج ثلاث مرات، وكانت المغنية التشيلية ماتيلدا أوروتيا، أكثر زوجاته تأثيراً، وأهداها ديوان «مئة سونيتة حب».

كتب نيرودا مذكرات حياته تحت عنوان «اعترف أنني قد عشت»، لكن هذا الكتاب لا يكشف الكثير عن حياة الشاعر العاطفية، بل إنه لم يأتِ على ذكر زوجته الأولى التي ارتبط بها شاباً، وأنجب منها بنتاً توفيت بعد ذلك، ولعل الغموض الذي يلف حياة هذا الشاعر العاطفية، يجعل من الصعب تقديم قراءة تستند إلى الواقع بالنسبة إلى قصائده العاطفية، وهي قصائد بالغة الرقة والعذوبة. يقول في ديوان «أشعار القبطان»: «أنت لي كنز لا يضاهيه البحر بكل ما يتوي عليه من ثروات/ أنت بيضاء وزرقاء ورحبة مثل الأرض/ حين تورق الكروم».

وتبدو قصائد هذا الديوان ذات عاطفة محمومة، وتضج بتضاريس الجسد، يقول «إنني لا أغار/ مما حدث قبلي/ تعالي مع رجل/ فوق كتفيك/ تعالي مع مئة رجل في شعرك/ تعالي مع ألف رجل ما بين نهديك وقدميك/ تعالي مثل نهر/ ممتلئ برجال غرقي/ ينحدر إلى البحر الهائج/ إلى الموج المتكسر الأبدي، إلى الوقت».

كان نيرودا يتقن الفرنسية، وتأثر بالمدرسة السوريالية حين كانت في قمة عطائها، أواخر العشرينيات الميلادية. كان نيرودا حينها في يفاعة شبابه، وقمة عطائه الشعري، ولعل ذلك ما يخلق الاختلاف في قصائد هذا الشاعر، وهي قصائد يمكن أن نطلق عليها صفة «الشعر المضاد» وهو شعر تأثر بالسوريالية، ووُصف بها شعراء لاتينيون كثر، يأتي على رأسهم، نيرودا، ومواطنه الشاعر المتمرد «نيكانور بارا».

يقول أحمد حسان، وهو مترجم بارا، ومقدمه إلى العربية «الشعر المضاد ليس سوى شعر، لكنه شعر تمرد ضد أكذوبة مقبولة وموقرة اجتماعياً، لذا فإنه يبدأ بأن يطرح الشعر السابق عليه موضع التساؤل، ويحاول تحطيم (الأصنام) ومحو الحدود بين الأنواع الأدبية».

إن أبرز سمتين يمكن أن يُطلقا على الشعر المضاد، تحطيم القيود السابقة، والإفادة من المدرسة السوريالية في غرائبية صنع الصورة، مع الارتباط باللغة اليومية والتجربة الواقعية المُعاشة.

back to top