المترجم بشير السباعي يتّهمه بسرقة موسوعة الصهيونية اغتيال معنوي لعبد الوهاب المسيري في ذكرى رحيله الأولى
في ندوة عُقدت في «المجلس الأعلى للثقافة» لمناقشة ترجمة بشير السباعي لكتاب هنري لورانس «مسألة فلسطين»، فجّر السباعي مفاجأة من العيار الثقيل عندما صرّح بأن موسوعة عبد الوهاب المسيري «اليهود واليهودية والصهيونية» مترجمة ومسروقة عن «الإنسيكلوبيديا الإنكليزية»، موجهاً بذلك اتهاماً ضمنياً لمجمل أعمال المسيري الفكرية المرتكزة على الموسوعة.صرح السباعي لـ «الجريدة}: «جانب كبير من مداخل موسوعة المسيري منقول عن موسوعات أخرى متخصصة في الشأن اليهودي والفلسطيني، لذا أخذت عليه والمشاركين معه من الباحثين عدم الإشارة إلى ذلك في تقديمهم للموسوعة».
وأكد السباعي أن المسيري لم يذكر أكثر من خمسة مصادر نقل عنها بشكل رئيس، أبرزها دائرة المعارف البريطانية «الإنسيكلوبيديا} ودائرة المعارف اليهودية «الجوديتا». ودعا السباعي إلى تأصيل التقاليد العلمية الأكاديمية في أوساطنا العربية العلمية والثقافية، قائلاً إن أبسط المبادئ الإشارة إلى المصادر التي يستند إليها البحث العلمي.وأثار اتهام السباعي ردود أفعال واسعة، مؤيدة ومعارضة، في وسط باحثي الإسرائيليات واليهوديات في مصر.شارك أستاذ الدراسات الإسرائيلية محمد محمود أبو غدير المترجم بشير السباعي في نقده للموسوعة، فقال: «أعترض على عدم ذكر المسيري مصادر المعلومات التي استقاها من دوائر المعارف الإنكليزية ودائرة المعارف اليهودية بالإنكليزية جوديتا». وأكد أبو غدير أن المسيري نقل مداخل رئيسة في موسوعته حرفياً عن تلك الموسوعات، وقال: «لم نكن لنثير أي مشكلة لو كتب المسيري على غلاف الموسوعة كلمة أخرى غير التأليف مثل التوثيق أو التجميع، لأنه بذلك نسب المعلومات الواردة إلى نفسه وهذا ما عرّضه للنقد، وهذا الكلام قلته للمسيري في حياته بعد صدور الموسوعة مباشرة، فالموسوعات تجمع ولا تؤلف».وتابع أبو غدير: «لكن لا يعني ذلك أنه نقل الموسوعة كلها وأن موسوعة المسيري مجرد ترجمة فهذا تقليل من مجهود الراحل الكبير وافتراء على حقه».ورفض خبير الإسرائيليات وأحد المشاركين في الموسوعة د. محمد هشام ما ردده السباعي، موضحاً: «موسوعة المسيري ليست ترجمة عن الموسوعة الإنكليزية كما يدعي السباعي، وإذا كان الأمر كذلك ليطلعنا السباعي على الأصل، أو على الأقل بيانات النشر كي يتسنى لنا الرجوع إليه ومقارنة الأبواب الموجودة فيه بأبواب موسوعة المسيري، وليدلنا على أي تطابق بين المصدرين بدلاً من إطلاق اتهام فظيع كهذا من دون أي دليل».وتابع: «من الطبيعي مثلاً وجود أبواب مشتركة عن «كلال يسرائيل» و{الماسوراة» و{البشيطا» و{المشناه» وغير ذلك من مصطلحات مرتبطة بالعقائد اليهودية في أي موسوعة تتناول الموضوع نفسه، أما المحتوى فيختلف باختلاف الكتّاب في كل موسوعة وتباين توجهاتهم». أسئلة صعبةأكّد هشام على مساهمة عدد كبير من الكتاب والباحثين من تيارات فكرية مختلفة في موسوعة المسيري، وذكر منهم محمد حسنين هيكل وفهمي هويدي ود. عزمي بشارة ود. جلال أمين (شارك كل من هؤلاء بمدخل واحد). وتساءل: «هل شارك هؤلاء جميعاً في «السرقة» التي يدعيها الأستاذ بشير السباعي؟».وأوضح هشام أن موسوعة المسيري تتضمن نقداً عميقاً للمفاهيم الصهيونية ولممارسات دولة إسرائيل، كذلك يحتوي المجلد الأول على إطار نظري قدمه د. المسيري من منطلق إسلامي مضاد للعلمانية، فهل هذا كله «مسروق» من الموسوعة الإنكليزية كما يدعي السباعي؟». في المقابل، ذكر هشام أن موسوعة المسيري ليست منزّهة عن النقد، لكن أبرز شروط النزاهة العلمية أن يكون النقد مبنياً على معرفة عميقة بالعمل الذي يخضع للتحليل، «وهو شرط أشك كثيراً في أنه متوافر لدى السباعي الذي أطلق اتهاماً متسرعاً لا أساس له ولا دليل عليه ولا طائل من ورائه سوى تشويه جهد كبير لمفكر بارز في مكانة د. المسيري ولعشرات الباحثين الذين شاركوا معه».بدوره، قال الخبير في الإسرائيليات في «مركز الأهرام للدراسات الاستراتيجية والسياسية» عماد جاد: «يدلّ هذا الاتهام على جهل بطبيعة الموسوعات فهي عمل توثيقي يحتمل اللجوء إلى مراجع عدة ووجهات مختلفة».وأكد جاد أن كلام السباعي لا أساس له من الصحة: «لو أن المسيري ترجم الموسوعة الإنكليزية ونسبها إلى نفسه ما تركه بحاله القيمون عليها أو اليهود الذين طالما تربصوا لأي شأن يخصهم وأي عمل يتناولهم».في سياق متصل، استنكر أستاذ الدراسات الإسرائيلية في جامعة عين شمس أحمد حماد ورئيس شعبة الدراسات الإسرائيلية في «مركز بحوث الشرق الأوسط» اتهام السباعي، ووصفه بالإدعاء، معلّقاً: «السباعي بالتأكيد لم يقرأ الإصدارين. فقد عاصرت الموسوعة وهي ما زالت في مهدها وعشت مراحلها الأولى، لذا أعرف أن الإنسيكلوبيديا موسوعة معلوماتية أما موسوعة المسيري ففكرية معلوماتية تتميّز بمنهج خاص. أما عن تكليفي وزملائي من الباحثين ببحوث للمساهمة في الموسوعة فلا يعني أن الأخيرة تنسب إلى أحد غير المسيري».وأضاف: «ترك رحيل المسيري ورشاد الشامي فراغاً واسعاً في الوسط الثقافي، وثمة حملة ضارية لتشويه سمعة المسيري من الليبراليين الذين يرون في توجهه الفكري خطراً عليهم». كذلك أبدى المفكر الفلسطيني عبد القادر ياسين الذي شارك في الندوة رأيه في هذا المجال: «شاركت بكتابة مدخلين في الموسوعة عن النشاط المعادي للصهيونية في مصر والعراق، كانا قد نشرا لي في دورية «شؤون فلسطينية» الصادرة في بيروت في أوائل السبعينيات. وأنا أنفي بشدة أن تكون موسوعة المسيري منقولة من دائرة المعارف الإنكليزية، لأن طبيعتها لا تسمح بذلك، وإن كان عليها اسم المسيري إلا أن الكثير من المتخصصين والمهتمين بالشأن الفلسطيني شاركوا فيها بكتابة مدخل أو أكثر».وأوضح ياسين أن المسيري لم ينكر مشاركة الآخرين في الموسوعة، لأن أسماءهم مذكورة في مقدمة الجزء الأول وإلى جوارها الأبحاث والمداخل التي شاركوا بها.