ما بعد عسكرة الدشاديش

نشر في 15-07-2010
آخر تحديث 15-07-2010 | 00:00
 حسن العيسى في يوم قادم لن يطلب النائب وليد الطبطبائي فرض اللباس الوطني على موظفي الدولة فقط، ولن يسكت بقية النواب المفصلين على مقاس الطبطبائي على شكل ملابس الشرطة النسائية، حتى لو لبسن "الوزرة" بسخرية السيد وزير الداخلية في ملاحظة قديمة له على السابحات على شواطئ سان تروبيز في جزيرة كبر. سيمتد وباء مصادرة الإنسان وأبسط حرياته الشخصية إلى كل صغيرة وكبيرة، بحجة أن هذا هو الدِّين وهذا هو الشرع الإلهي، وبحجة العادات والتقاليد، التي تُكتَب للمستقبل بحبر الماضي. سيحدث كل هذا وأكثر، وفي كل مرة يقضم بها هبرة من حرية الإنسان ويحشر في إدراكه التفسير الغيبي عوضاً عن التفسير العلمي لظاهر الكون نجد أن الواعين لا يكترثون بمثل تلك القضايا، لأنها حسب رأيهم "قضية هامشية"، وكأن الأمر مجرد نائب يعبِّر عن رأيه، فلم يكن عزل كافتيريا الطلاب عن الطالبات في كلية الطب مسألة كبيرة، وسكت عنها، ولم يكترث أحد حين هرول مدير الجامعة في ذلك اليوم متسلحاً بعسس الاتحاد الوطني ليشهد بأم عينه كيف تتم جريمة الاختلاط بالكافتيريا... أيضاً كانت هذه عند فقه القلة الليبرالية مجرد "مسألة جانبية"! أكثر من ذلك أنهم يخشون حتى من وصفهم بالليبراليين، فقد أَدخل الإرهاب الفكري للجماعات الدينية والمؤسساتي للدولة التي تحيا على الرافعة الدينية (بتعبير جورج قرم في المسألة الدينية بالقرن الواحد والعشرين) الرعبَ حتى من التصريح بالإيمان بفكر الحداثة وكلمة الليبرالية، وتوهمت القلة الليبرالية أنه لا نجاة لها من بحور التخلف الجماهيري بغير الطوق الحكومي، والاصطفاف وراء خطاب السلطة الحاكمة في معظم الأحيان، نسي هؤلاء سواء كانوا في الكويت أو في بقية "الأمة العربية الواحدة" أن السلطات الحاكمة هي التي استثمرت روح التزمت والتعصب الدينيَّين في القرن الماضي لمقارعة الشيوعية، وهي المسؤولة بقلة ثقافتها ومراهنتها على الغرب الحارس للمصالح البترولية حين رعت قبليات الدول الدينية وما يندرج تحتها من طائفية لها جذورها العميقة في دولنا, وشجعتها بغرض ضرب القوى القومية والتقدمية.

إلامَ انتهينا اليوم؟ تم قتل الفن بدم بارد في الدولة وكتب الطبخ والعفاريت تملأ مكتبات معارض الكتاب كل عام، وبرامج تفسير الأحلام تتزاحم في محطات الاستهلاك التجارية، وقبلها محطات تلفزيونات الحكومة، وبدلاً من المسرح الجاد ضجت أراضينا بمولات الشراء والفاست فود، وبدلاً من إحياء الفرحة والبهجة الغائبتين وتوطين الثقافة العلمية وتنمية العقلانية تم إحياء حفلات المزايدات الدينية من قِبَل تجار البركة في القطاع الخاص، وهؤلاء هم تجارنا ورثة السندباد بجلبابه القصير ولحيته الممتدة... فلم يعد الأمر قاصراً على حفلات حفظ القرآن التي يرعاها كبار المسؤولين في الدولة ومؤسسات الوكالات التجارية، بل صار لدينا هذا الخليط العجيب عندما ينادى للأذان بمكبرات الصوت في "مول" متضخم بحداثة شكلية تضج ردهاته بالبنطلونات الضيقة وببنات الحجاب وقد غطين وجوههن بطبقة سميكة من المكياج الغربي!

هذا التشويه وتلك القباحة في بلد أضاع مشيته، أضحيا من "المسائل" الجانبية عند التقدميين، هي سنة التخلف أو التقدم! لا فرق بين الاثنين... ولا يهم وصفها... قالوا بأن قضايا المال العام هي قضيتنا الأولى والأخيرة، ولا شيء بعدها ولا قبلها...! ووصل الأمر إلى أن يكتب عبداللطيف الدعيج مصرحاً بكفره بقضايا المال العام على حساب الحريات الفردية!

قضيتنا - إذا فهمنا واجبنا الوطني - هي النضال على جبهتين، لا لجبهة على حساب أخرى، فعلينا محاربة الفساد المعشش في ردهات الدولة بلا استثناء، وقضيتنا الموازية لها اسمها الحريات والحداثة، ولا تنازل عن واحدة مقابل الأخرى، ولا مراهنة على عربة السلطة اليوم حين نشعر بضعفنا كأقلية، ولا بد من عون حبال السلطة. ولننتهِ من حديث الأغلبية الصامتة كما يحلو للزميل إبراهيم المليفي أن يعنون مقالاته باسمها... فأي فائدة لهذه "الأغلبية" إذا كانت خرساء لا تنطق ولا تصدر صوتاً؟! لنكن أقلية تؤمن بالحرية بكل معاني حرية الكلمة كركن أصيل للحرية السياسية مع نضال لا يكل من أجل بقية الحريات الاجتماعية الغائبة عن الجسد الكويتي وهي قوام معنى الوجود الإنساني.

back to top