أحمد زكي... الممثّل المبدع

نشر في 29-03-2010
آخر تحديث 29-03-2010 | 00:00
 محمد بدر الدين ما بعد الرحيل يؤكد مدى قيمة الراحلين.

صادف في 27 مارس (آذار) الجاري مرور خمس سنوات على رحيل فنان الأداء الكبير أحمد زكي ومع الوقت يتأكد أكثر فأكثر ما لفنه وموهبته من قيمة خاصة وتأثير.

لم يكن زكي نجماً لامعاً ضمن متصدري فن التمثيل في عصره فحسب، إنما هو ذروة مدرسة في الأداء، تصل إلى درجة مدهشة من الإحساس الداخلي بالشخصية التي يؤديها أو يتقمصها، يسبر أغوارها ويملك ناصيتها ويعبّر بدقة ورهافة بالغة عن المكونات فيها والتفاصيل، بل الإيماءة وما يبدو عابراً.

حتى أنك لتنسى شخصية أحمد زكي الحقيقية أمام الأدوار كافة، ولا ترى على الشاشة إلا الشخصية التي يقدمها أو بالأحرى {يبدعها}، بكل معنى الكلمة، خلافاً لممثلين ونجوم كثيرين يجيدون الأداء، لكنهم لا يجيدون إخفاء قسمات شخصيتهم الحقيقية بالقدر نفسه، فيظل منها شيء أو أشياء تذكّرك بها على الدوام!

كان زكي يستمتع بفن الأداء التمثيلي، فهو هواه وأهم ما في حياته، بل حياته ذاتها، لذلك كان يتقن ويتفوّق على نفسه، بقدر ما كان يبحث عن الأصعب باستمرار ليحقق مزيداً من التألق والإمتاع لنفسه وللمشاهد!

هكذا كان زكي، وهكذا كان دأبه ومشواره، منذ دور متولي في فيلم {شفيقة ومتولي} إلى جانب الفنانة العظيمة سعاد حسني، ومعها قدّم أعمالاً أخرى لا تنسى، من بينها {موعد على العشاء} إخراج محمد خان، وآخر أفلامها {الراعي والنساء} إخراج علي بدرخان، والمسلسل التلفزيوني الشهير {هو وهي} الذي أخرجه يحيى العلمي وكتبه صلاح جاهين عن نصوص سناء البيسي، مروراً بإبداعات له مع المخرج عاطف الطيب من بينها أفلام {البريء}، {التخشيبة}، {الحب فوق هضبة الهرم}.

التقت موهبة زكي مع الموهوبين من المخرجين في عصره، وإن لاحظنا أنها لم تلتقِ مع عبقرية يوسف شاهين في الإخراج، إلا من خلال دور قصير في {إسكندرية ليه}، وقد يكون ذلك محلّ سؤال أو استقصاء.

ظل زكي شغوفاً بفكرة تجسيد شخصيات حقيقية وتقديم السير الشخصية على الشاشة، ففي ذلك قدوة أو معنى يجب إلقاء الضوء عليه وقيمة يحسن إبرازها، إضافة إلى خصوبة هذا المجال الذي يشبع فيه زكي هوى عمره، التمثيل والتقمص والتشخيص، إنه تحدٍّ يلذّ له أن يواجهه في كل مرة، وأن يخوضه حتى النهاية وحتى الفوز!

المفارقة أن نهايته جاءت مع دور من هذا الطراز، فقد كان يجسد شخصية المطرب الكبير عبد الحليم حافظ في فيلم {حليم} إخراج شريف عرفة، ويؤدي اللحظات الأخيرة من حياة {حليم} وهو يصارع المرض والموت، بينما يصارع زكي نفسه المرض المداهم ويعرف أن الموت ينتظره!

لكنه كان يعرف أنه سيفوز أيضاً، وهذا ما أكدته السنوات بعد رحيله في 27 مارس عام 2005، تعيش المواهب الحقيقية الكبيرة دائماً، وتغالب الموت والنسيان، وتظل تعطي وتضيء على الزمان.

اللافت أن هوى أحمد زكي في تقديم الشخصيات كان مبكراً، بدأ بشخصية عميد الأدب العربي طه حسين في مسلسل {الأيام} إخراج يحيى العلمي، وكان التتويج بشخصية قائد ثورة {23 يوليو} جمال عبد الناصر في {ناصر 56} إخراج محمد فاضل، والحاكم الذي تولى الرئاسة في أعقاب رحيله أنور السادات في {أيام السادات} إخراج محمد خان.

الغريب أنه على رغم الاختلاف الواضح حول الفيلم الأخير بالذات، إلا أن أداء زكي نفسه كان العنصر الإيجابي الذي أجمع عليه حتى الأشخاص الذين رفضوا الفيلم، مثل كاتب هذه السطور!

قال عنه عمر الشريف: { أحمد زكي على مستوى ومقدرة أكبر الممثلين والنجوم في العالم، وكان يمكن ببساطة أن يكون ممثلاً عالمياً بكل معنى الكلمة لو أراد وربما لو شاء أن يتقن إنكليزيته..}، وقال عنه نور الشريف: {أحمد زكي هو أفضلنا...}.

back to top