من يدير حقاً الحركة الخضراء في إيران؟
القادة الحقيقيون لما يحدث في إيران ليس موسوي، ولا خاتمي، ولا كروبي، بل هم الطلاب، والنساء، والناشطون في حقوق الإنسان وفي مجال السياسة والذين ليست لديهم رغبة كبيرة في العمل في إطار نظام ديني أو في حكومة تعمل ضمن إطار الدستور القائم.بعد 6 أشهر تقريباً على المظاهرات التي تلت الانتخابات الرئاسية المتنازغ عليها في شهر يونيو، ها هي «الحركة الخضراء» المؤيدة للديمقراطية في إيران أقوى من أي وقت مضى. حصلت تجمعات في وسط مدينة طهران اليوم، بعد أن جرت التحضيرات لها على مدى أشهر من خلال شبكة Twitter، المدونات والتواصل الشفهي. وبذلك يبدو أن إيران على وشك الحصول على حزب معارض موحد جديد.
لكن التضامن في الشارع يخفي الانقسامات الكبيرة والمتنامية في الداخل. والقادة المزعومون للحركة، مير حسين موسوي، ومحمد خاتمي ومهدي كروبي، هم مسؤولون سابقون رفيعو المستوى في الجمهورية الاسلامية قد يرغبون على الأرجح في الإبقاء على معظم إنجازات الثورة الإسلامية. قارنوا ذلك بالشبان والشابات في الشارع وسترون فوارق تتخطى حدود الجيل. يهدف المتظاهرون إلى إطاحة النظام الذي يُعتبر قادتهم جزءًا منه.على الرغم من الإشادة بهم كمحدثين، فإن موسوي، المرشح الأساسي للمعارضة، وزميليه في الحركة الخضراء مخلصون جداً لمثل آية الله روح الله الخميني، مؤسس الجمهورية الإسلامية، وهم يروجون لنظام سياسي ديني. ولو تسلم موسوي زمام الحكم بعد انتخابات 12 يونيو الرئاسية، لما كان سيتحدى النظام السياسي، ولحاول حل الأزمات الداخلية والخارجية للجمهورية الاسلامية من خلال الحيل السياسية الصغيرة، كذلك ما كان الغرب ليرى «فرصة» من النوع الذي يلمح إليه البعض، والواقع أن تنافس موسوي مع الرئيس محمود أحمدي نجاد لا يرتبط إلى حد كبير بالسياسة الخارجية للنظام، بل بالصراعات الداخلية للقوى السياسة الاقتصادية، وإلى حد ما، بالأجندات الثقافية. بالتالي فإن زعيماً جديداً ما كان ليغير إلى حد كبير موقف إيران في ما يتعلق بسياستها النووية أو دورها الإقليمي. والسبب بسيط: يعترف كل شخص يترشح للرئاسة بأن القرارات المرتبطة بالسياسة الخارجية ينبغي أن تقع على عاتق القائد الأعلى لإيران، آية الله علي خامنئي. بالتالي كيف انتهى المطاف بمعتدلين كهؤلاء إلى قيادة الثورة؟ بمحض المصادفة. ما كان أي من المرشحين الإصلاحيين يتوقع أنه، إثر التزوير الهائل الذي تم خلال الانتخابات الرئاسية، ستنشأ حركة شعبية، ولم يؤدِ هؤلاء «القادة» إلا دوراً صغيراً في تنظيم الحركة وتأسيسها، لكنهم دُفعوا إلى السلطة من خلال فورة شعبية عفوية ومرتجلة. لقد أخضعت الحكومة المرشحين لتدقيق وتقييم عميق، ومنعت أي شخص إصلاحي من الترشح، وبذلك لم يترك للحركة الشعبية إلا الاختيار بين شرّين: موسوي أحلاهما، وأحمدي نجاد. فأصبح موسوي بتردد القائد الرمزي للحركة الخضراء، لكنه وكروبي وخاتمي يبقون متباعدين، ويُذكر أن مظاهرات اليوم على سبيل المثال قد نظمها وروّج لها أصحاب مدونات وقادة في مجال حقوق الإنسان وحركات نسائية منذ شهرين على الأقل، لكن في الأسبوع الماضي فقط، بعد أن انتشرت هذه الخطط (وحذر آية الله العظمى منها)، أصدر موسوي تصريحاً يدعو إلى المشاركة في مظاهرات في 4 نوفمبر. وبذلك، يجد هؤلاء المسؤولون الرسميون الثلاثة أنفسهم يتولون قيادة حركة لا يمثلون بالضرورة وجهات نظرها، لذلك، تتسع الفجوة بين قادة الحركة الخضراء والناس في الشارع، وحتى في وسط الاحتجاجات، ثمة خلافات متنامية. على سبيل المثال، لقد انتقد كل من موسوي وكروبي شعارات من مثال «لا غزة ولا لبنان- أكرس حياتي لإيران» باعتبارها «متطرفة»، على الرغم من وجود خاصية مشتركة للنشاط الشعبي الحالي في ايران. لكن الانقسام الأبرز يتمحور حول ما ستفعله الحركة بالثورة الإيرانية، لقد شدد كل من موسوي وخاتمي على الهدف الذي يصبوان إليه والذي يقضي بالعودة إلى مُثُل المرشد الروحي الراحل آية الله الخميني والمبادئ الأساسية للجمهورية الاسلامية. لكن الناس الذين في الشارع واعون إلى فشل الإصلاحات الماضية وأملهم ضئيل بإمكانية إنقاذ الجمهورية الإسلامية، كنظام يملك بموجبه القائد الأعلى السلطة لممارسة حقه برفض القانون الوطني والإسلامي. كذلك تبقى الحركة الخضراء محفزة بفعل مفهوم حقوق الإنسان والمواطنة، الغائبين في الدستور الإيراني. وبذلك، ها هي شريحة الحركة التي بدأت أولاً بالتظاهر بشكل سلمي ضد تزوير انتخابات فصل الصيف، تجد نفسها على الطرف النقيض تماماً من آية الله خامنئي والحرس الثوري الذي تحت إمرته.لا شك في أن خاتمي، الذي كان هو نفسه رئيساً سابقاً، واعٍ تماماً لهذا الشرخ؛ وفي خطاب ألقاه أخيراً، حاول التمييز بين من يشاركون في التظاهرات الحالية، الذين يرفضون النظام القائم برمته، وبين أتباعه، الذين يؤثرون العمل ضمن التركيبة السياسية للجمهورية الاسلامية مع فقيه حاكم أرقى من الجميع. لكن السواد الأعظم من أفراد الحركة لا يتفقون إلى حد كبير مع القادة المزعومين بقدرما يتفقون مع الجيل الثالث الشاب في الجمهورية الاسلامية الذي يشكل 70 في المئة من الشعب الإيراني وهو المسؤول عن معظم هذه المظاهرات. أما القادة الحقيقيون لهذه الحركة فهم الطلاب، والنساء، والناشطون في حقوق الانسان وفي مجال السياسة والذين ليست لديهم رغبة كبيرة في العمل في إطار نظام ديني أو في حكومة تعمل ضمن إطار الدستور القائم. هذه الحركة أوسع بكثير من الحركة الإصلاحية التي حصلت في تسعينيات القرن الماضي عندما كان خاتمي رئيساً. في ذلك الوقت لم يتخطَ يوماً عدد الأشخاص الذين يطالبون بالإصلاح في الشارع الـ50 ألفا، وبحسب رئيس بلدية طهران المحافظ، محمد باقر قاليباف، تظاهر أكثر من 3 ملايين شخص عقب انتخابات 12 يونيو الرئاسية لهذا العام.إذا كنتم تريدون أن تعرفوا الطبيعة الفريدة لهذه الحركة، وما يريده حقاً الناس الذين تهافتوا بشدة إلى الشارع، لا تصغوا إلى موسوي، كروبي وخاتمي.بما أن ممثلي الإصلاح الحقيقيين لا يدينون بشيء لهؤلاء، فمن المرجح أن حركة خضراء ناجحة ستدفع بهم جانباً.لهذا السبب لا يخشى النظام في طهران وحده- بل أيضاً «القادة» الإصلاحيون» الذين يدعون قيادة هذه الحركة- من نجاح الثورة الخضراء، بيد أن الديمقراطية في إيران لن تتحقق إلا من خلال انفصال عن مُثُل الراحل آية الله الخميني والإيديولوجية الإسلامية، مبادئ مازال المسؤولون الذين أصبحوا بمحض المصادفة قادة للثورة الخضراء مخلصين لها.