وجوه البشر ترسم ملامح المكان حيّ الحسين... أسواق ومقاهٍ وتأمّلات دينيّة

نشر في 17-09-2009 | 00:00
آخر تحديث 17-09-2009 | 00:00
روحانيات صوفية وابتهالات دينية ومزيج من جنسيات مختلفة تسعد وتتأمل ملامح تراث مدينة القاهرة الديني والثقافي المتمثل في «حي الحسين» الشهير. سعادة كبيرة وانطباع مختلف عن التنوع الثقافي والسياحي يغمران زائر ميدان الحسين الذي يضم مقاهٍ وأسواقاً تاريخية ومسجد الإمام الحسين وخان الخليلي.

يكتظ مسجد الحسين بمجموعات مختلفة من الطرق الصوفية والزائرين من محافظات مصر والدول الإسلامية، كل يمارس طقوس الزيارة بطريقته، ما بين أدعية وابتهالات أو هدايا يوزّعها على الحاضرين تقرباً وحباً وإكراماً لصاحب المقام.

تستقبل الزائر على واجهة المسجد لوحة رخامية كبيرة، تعكس مدى الحب الذي يختلج زائري المقام، كُتب عليها الحديث النبوي الشريف: «الحسن والحسين مني ... من أحبهما أحببته، ومن أبغضهما أبغضته».

يضمّ المسجد ضريح الإمام الحسين بن علي بن أبي طالب وأمه السيدة فاطمة الزهراء بنت سيدنا محمد صلى الله عليه وسلّم. أنشىء المشهد الحسيني في القاهرة في العصر الفاطمي عام 549 هـ لينتقل إليه رأس الحسين بن علي بن أبي طالب، ولم يبق من أجزائه الأثرية الآن غير الباب المعروف بالباب الأخضر نسبة الى لونه. وبُنيت المئذنة المقامة فوق الباب عام 634 هـ في أواخر العصر الأيوبي ولم يبق منها أيضاً سوى قاعدتها المربّعة. وقد جدّد الأمير عبد الرحمن كتخدا الجزء العلوي من المئذنة والمشهد والقبة المقامة على الضريح عام 1175 هـ . وفي عصرالخديو إسماعيل جدِّد ووُسِّع المسجد عام 1290 هـ.

في سنة 1939م أمر الملك فاروق بإصلاح أرضية القبة وفرشها بالرخام فانتهزت إدارة حفظ الآثار العربية هذه الفرصة للتحقُّق من وجود التابوت الخشبي المدفون فيه رأس الإمام الحسين، ولما وجدته وعاينته، رفعته من مكانه ورمَّمته وما زال الرأس الشريف مدفوناً في الضريح.

يشتمل المسجد على خمسة صفوف من العقود المحمولة على أعمدة رخامية، ومحرابه من الخردة الدقيقة التي اتُّخذت قطعها الصغيرة من القاشاني الملوّن بدلاً من الرخام وهو مصنوع عام 1303 هـ، وبجانبه منبر من الخشب يجاوره بابان يؤديان إلى القبة وثالث يؤدي إلى حجرة الآثار النبوية التي بنيت عام 1311 هـ حيث أودعت فيها عصا النبي وعدد من شعرات رأسه بالإضافة إلى أجزاء من بردته الشهيرة ومصاحف أثرية.

تقام في مسجد الحسين يومياً عشرات عقود القران، إذ يحرص آلاف المصريين على عقد قرانهم داخل المسجد الحسيني تبركاً به. كذلك، تقام يومي الخميس والجمعة من كل أسبوع حلقات الذكر الصوفي، وفيها تُتلى أناشيد مديح النبي صلى الله عليه وسلم وآل بيته وتُقرأ قصيدة البردة الشهيرة للإمام البوصيري في مدح صفات النبي.

خان الخليلي

حي الحسين سوق سياحي كبير، ويضمّ محلات التحف والأنتيكات والمشغولات الجلدية والنحاسية والآلات الموسيقية ومحلات العطور والتوابل والمصوغات الدهبية. وفي ممرات ساحة المسجد الجانبية تقع محلات خان الخليلي، أشهر أسواق الشرق، يقول المقريزي، المؤرخ الذي عاش في عصر المماليك، إن خان الخليلي واحد من ثمانية وثلاثين سوقاً كانت موزعة أيام المماليك في أحياء العاصمة، ويقع وسط القاهرة القديمة التي بناها الفاطميون. وكان الخان قديماً عبارة عن مبنى مربع كبير يتوسطه فناء ويشبه الوكالات التجارية، يضم الطابق السفلي منه الدكاكين ومخازن البضائع، وتقتصر الأدوار العليا على حجرات استقبال التجار ومساكنهم. وفي نهاية عصر المماليك أمر السلطان الغوري في ربيع الثاني عام 917 هـ بهدم خان الخليلي وتوسيعه، ثم أنشأ مكانه عدداً أكبر من الدكاكين والوكالات تغلق عليها ثلاث بوابات. وقد هدمت هذه الحواصل والحوانيت وأعيد بناء الخان بعد ذلك على الطراز الراهن.

تتعدد الأسواق المحيطة بخان الخليلي، فثمة سوق العطارين وتباع فيه التوابل والبخورالمستورد من الهند والسودان والسعودية، ومن أهم أنواعه «المستكة « التي يعتقد الناس بأنها تمنع العين والحسد، وبخور «الكسبرة» التي يُطلق عليها اسم «الفك والفكوك» أي أنّ من يشمّها تذهب عنه العقد بلا رجعة.

كذلك، تباع في سوق النحاسين الإكسسوارات التاريخية كالأطباق والأواني والسيوف والخوذات النحاسية والأحزمة. ويعتبرسوق الصاغة في حي الحسين أكبر مجمّع اقتصادي لصناعة وبيع المشغولات الذهبية في مصر.

سياحة

يحظى حي الحسين بعدد كبير من المطاعم والمقاهي السياحية والبلدية التي تقدم المشروبات الساخنة ومنها: القهوة والشاي الأخضر والأحمر والينسون والحلبة والكركدية وغيرها. ويستمتع رواد المقاهي بفقرات موسيقية وغنائية متنوعة من الموسيقى المصرية الشعبية والكلاسيكية والتراثية. وتتميز مقاهي حي الحسين بمقاعدها الخشبية المتراصة أمامها وأسقفها العتيقة ونوافذها المزينة بزخارف الأرابيسك، ومنها مقهى «الشيخ شعبان» الذي تأسس عام 1919م، بالإضافة إلى مقاه حديثة مثل «مقهى الحسين» و{مقهى آل البيت» و»مقهى باريس الشرق» وغيرها.

يُعدّ «مقهى الفيشاوي» أشهر مقاهي حي الحسين التاريخية، ويرجع تاريخ إنشائه إلى القرن الثامن عشر الميلادي حيث كان يملكه فهمي الفيشاوى، أحد فتوات الجمالية، إذ كان المقهى المقرّ الذى يدير منه شؤون المنطقة. وخلال النصف الثاني من القرن التاسع عشر حتى قبيل ثورة يوليو 1952م، كان المقهى مقصداً لطلاب العلم، وللحركات الطلابية السرية بهدف الإعداد للمظاهرات ضد جيش الاحتلال الإنكليزي، وذلك تحت ستار تناول الشاي الأخضر مع النعناع الذي تميز المقهى بتقديمه.

ويحظى المقهى بشهرة عالمية، إذ زاره عدد من الشخصيات المهمة ورؤساء الدول ومنهم: «أوجيني»، أمبراطورة فرنسا التي زارت الخديو إسماعيل للمشاركة في احتفال افتتاح قناة السويس، ونابليون بونابرت قائد الحملة الفرنسية عام 1798م.

كذلك كان المقهى مركزاً لالتقاء نخبة المجتمع من الفنانين والمثقفين والأدباء من أمثال جمال الدين الأفغاني والشيخ محمد عبده وعبدالله النديم وسعد زغلول وأم كلثوم، ومن الرؤساء جمال عبد الناصر وأنور السادات.

back to top