خذ وخل: الضلع الثالث لظاهرة امام ونجم!


نشر في 04-10-2009
آخر تحديث 04-10-2009 | 00:01
 سليمان الفهد عرفته في مطلع عقد السبعينيات بمعية رفيقي مسيرته، وفوجئت به إثر حرب أكتوبر 1973 يهديني لوحة فنية تصور الشهيد وفق منظور فلكلوري مصري، حيث اختار أن تتجلى صورة شقيقي الشهيد «الملازم أول علي صالح الفهد» الذي حظي بالشهادة في هذه الحرب، بسمت الجمل. • بنبرة طافحة بالشجن هتف لي صديق منذ ثلاثة أيام قائلا: «محمد علي» توفي صباح اليوم، رحمه الله وغفر له، ونشرت مجلة «أخبار الأدب» القاهرية في صفحة «ساحة الأخبار» في السياق نفسه خبراً ينبئ بـ»رحيل الفنان محمد علي الضلع الثالث في ظاهرة إمام ونجم»، وهو بحق كما نعته المجلة، لكنه الضلع المعلوم المجهول، إن لم أقل «المهمش»، ربما لأنه كان ضابط الإيقاع الذي يرافق عزف وغناء الشيخ إمام عيسى- رحمهما الله- طوال مسيرته! ولذا لم يكن غريباً أن يموت بصمت، دون أن تشير إلى وفاته سوى صحيفة واحدة بجانب المجلة المذكورة آنفاً.

عرفته في مطلع عقد السبعينيات بمعية رفيقي مسيرته، وقد فوجئت به إثر حرب أكتوبر 1973 يهديني لوحة فنية تصور الشهيد وفق المنظور الفلكلوري المصري، حيث اختار أن تتجلى صورة شقيقي الشهيد «الملازم أول علي صالح الفهد» الذي حظي بالشهادة في هذه الحرب، بسمت الجمل، فمن المألوف لدى أولاد البلد سماعك نواح ذوي الغائب بقولة: «يا جملي، يا سبعي» فكانت اللوحة العفوية التلقائية بمنزلة أول وسام يناله الشهيد من عامة الشعب المصري الأصيل، وقد تداعت إلى ذاكرتي هذه المبادرة النبيلة، إثر سماعي بوفاته. ومابرحت اللوحة تتصدر واجهة مكتبتي في الكويت ليتأملها الأولاد والأحفاد، علّهم يكونون من «الشهداء الجايين» بحسب تعبير أخينا وعمنا «أبو النجوم» في قصيدته «دولا مين» المكرسة لتحية شهداء حرب أكتوبر وغيرهم من الشهداء الذين مابرحوا يحظون بالشهادة في فلسطين المحتلة وجنوب لبنان، رغم أنف الإعلان بأن هذه الحرب ستكون آخر الحروب بين العرب وإسرائيل.

أعرف- سلفا- أن هذه اللغة تبدو نشازا وسط جوقة السلام إياها، لكن ماذا أفعل بتداعيات الذاكرة الثكلى المكلومة العامرة بالأسى على حالنا التي لا تسر سوى معشر المهرولين صوب أكذوبة وفرية «السلام» التي تفضحها يوميا الممارسات الإسرائيلية الإجرامية.

وعودا إلى لوحة الشهيد التي أبدعها «محمد علي» رحمه الله، والذي يمارس الرسم بتلقائية وعفوية فإنها تذكرك برسوم الأطفال! الشاهد أني اخترت أن أهديه قلماً فخيماً جزاء ووفاقاً لهديته الثمينة، وقد فوجئت بالشيخ إمام ونجم ينفجران بالضحك على هديتي، والتي كنت أظنها دالة ومعتبرة، لكن اتضح لي أن أخانا أميٌّ لا يقرأ ولا يكتب! والحق أنه ليس أمياً بالمعنى الحرفي للصفة، فكيف يكون كذلك وهو الذي كان الضلع الثالث لمسيرة «إمام ونجم»؟ وقبلها مارس مهناً معيشية تعينه على التقاط رزقه اليومي، فضلاً عن اقتحامه مجال الفن التشكيلي من دون زاد معرفي، ولا عتاد فني تقني، سوى الفحم الذي يرسم به وجوه أصدقائه وجيرانه ومن يشاركونه مهنة «التجارة» الجوالة في «الحواري» الشعبية.

وقد اعتدت رؤيته أسبوعياً «بدار ميريت» للنشر وسط القاهرة، وأذكر أننا في اللقاء الأول انتحينا ركنا قصياً لنتحدث سوياً بعيداً عن الصخب الذي يمارسه أباطرة الكلام في الدار الشهيرة.

وجدته يميل إليّ ويقول على استحياء: الحمد لله كثيراً، فقدت تاب عليّ ربنا سبحانه من التدخين، ووفقني إلى أداء فريضة الحج والعمرة، قالها ومحياه ينبض بقسمات المصالحة مع الذات، ومثلما عاش في الظل عن الأضواء المسلطة على الشيخ والشاعر، مات «بدون طنطنة ولا إعلانات «في صفحة الوفيات «بالأهرام» الشهيرة! وكأن التهميش قدره الذي يلاحقه في حياته وبعد مماته! ومع ذلك لن نعدم من يحتفي بذكره وإرثه في الفن التشكيلي العفوي التلقائي، الذي كرست له وزارة الثقافة معرضاً منذ شهور عدة. رحمه الله، و»إنا لله وإنا إليه راجعون».

back to top