المحكمة الدستورية: أحكام الشريعة الإسلامية لا تكون لها قوة إلزام القواعد القانونية أصدرت حكمها برفض الطعن في نيابة العوضي ودشتي وأكدت أن الدستور كفل الحرية الشخصية وأطلق حرية العقيدة
أصدرت المحكمة الدستورية يوم أمس حكماً تاريخياً أكد «مدنية» دولة الكويت، وبقاء الدستور والقوانين المرجعية الأولى لإدارة شؤون الدولة، إذ رفضت «الدستورية» طعناً مقدماً ضد النائبتين د. أسيل العوضي ود. رولا دشتي على خلفية عدم ارتدائهما الحجاب وعدم الالتزام بالضوابط الشرعية في قاعة عبدالله السالم.الحكم الدستوري، أشار في حيثياته إلى أن أحكام الشريعة الاسلامية لا تكون لها قوة إلزام القواعد القانونية إلا إذا تدخل المشرع وقننها، وليس لها قوة النفاذ الذاتي والمباشر، مؤكداً – الحكم – أن الدستور الكويتي لم يجعل الشريعة الإسلامية – بمعنى الفقه الإسلامي - المصدر الوحيد للتشريع.
وأضاف الحكم أن الدستور كفل الحرية الشخصية وأطلق حرية العقيدة، لأنها مادامت في نطاق الاعتقاد (أي السرائر) فأمرها الى الله، ولم يجز التمييز بين الناس في الحقوق والواجبات بسبب الدين أو الجنس.وجاءت حيثيات حكم «الدستورية» بالنص التالي:بعد الاطلاع على الأوراق، وسماع المرافعة، وبعد المداولة. حيث إن المطعون ضدهما الاولى والثانية دفعتا بعدم اختصاص هذه المحكمة بنظر الطعن بمقولة إنه لا يتعلق بعملية الانتخاب بمعناها الفني الدقيق من تصويت وفرز وإعلان النتيجة، وإنه جاء منصرفاً إلى الترشيح في الانتخاب وهي مرحلة سابقة على عملية الانتخاب، مما ينحسر عن اختصاص هذه المحكمة الفصل فيه.وحيث إن هذا الدفع في غير محله، ذلك أن اختصاص هذه المحكمة بنظر الطعون الخاصة بانتخاب اعضاء مجلس الامة او بصحة عضويتهم، منوط في الاساس بخوض المرشح الانتخابات وهو مستوفٍ لجميع شروط الترشيح، وتعلق الطعن بعملية الانتخاب ذاتها من تصويت وفرز واعلان النتيجة، وما شاب عملية الانتخاب والاعلان عن ارادة الناخبين من مطاعن وأخطاء، وان العضوية في مجلس الأمة اساسها ارادة الناخبين الذين يدلون بأصواتهم لمصلحة مرشح بعينه ممن تتوافر فيه الشروط التي حتمها الدستور والقانون، فإذا سمح للمرشح بخوض الانتخابات وهو فاقد لشرط من شروط الترشيح سواء لأسباب سابقة او معاصرة لعملية الانتخاب، فإن ارادة الناخبين في هذه الحالة تكون قد وردت على غير محل صالح للتصويت والاقتراع عليه حتما، ولا يكون اعلان نتيجة الانتخابات بفوزه فيها متضمنا اعلانا عن ارادة الناخبين، ولا وجه للقول والحال كذلك بتحصن قرار ادراج اسم المرشح في كشوف المرشحين بعدم الطعن عليه، او باكتمال مركزه القانوني باعلان فوزه في الانتخاب، او التحدي بحق مكتسب يستعصي على التغيير. وعلى ذلك فإن الطعن على الإجراءات التي تتعلق بانتخاب عضو مجلس الأمة - سواء كان الطعن منصبا على اجراءات الانتخاب او على فقدان المرشح الذي قام بخوض الانتخابات وأعلن فوزه فيها لشروط الترشيح - ينطوي من ثم على طعن في عملية الانتخاب، لأن الفصل في هذا الشأن يؤثر بالضرورة وبحكم اللزوم على صحة عضوية مَن اعلن فوزه في هذه الانتخابات، وغني عن البيان ايضا ان الطعن على اعلان نتيجة الانتخاب ليس طعنا على قرار اداري، مما يختص القضاء الاداري بطلب إلغائه، اذ لا يعد اعلان نتيجة الانتخاب افصاحا عن ارادة الجهة الادارية، وانما عن ارادة الناخبين، ومتى كان ذلك، وكان وجه النعي المثار في هذا الطعن ينصب في حقيقته على اجراءات عملية الانتخاب التي تمت بالدائرة (الثالثة)، وإعلان نتيجتها بفوز كل من المطعون ضدهما الأولى والثانية، بادعاء بطلان خوضهما هذه الانتخابات واعلان فوزهما وبطلان عضويتهما لمخالفتهما للشرط الخاص بالمرأة المقرر قانونا لممارسة حقها في الترشيح، فإن الطعن بهذه المثابة يكون مندرجا ضمن الطعن الانتخابي الذي تختص هذه المحكمة بنظره، ولا وجه لما تتحدى به المطعون ضدها الثانية من ان هذا الطعن يتمخض عن طلب بإسقاط العضوية، مما ينحسر الامر فيه عن اختصاص هذه المحكمة وينعقد لمجلس الأمة، اذ ان حالات اسقاط العضوية في مجلس الأمة لا تتعلق باجراءات الانتخاب، وانما بحالة خاصة بالعضو، وان مجلس الأمة لا يستأثر بشؤون اعضائه الا بعد التثبت من سلامة اجراءات عملية الانتخاب وصحة إسباغ صفة العضوية على مَن اعلن فوزه في الانتخابات، ومن ثم يتعين رفض هذا الدفع برمته.وحيث إنه بالنسبة الى ما دفعت به المطعون ضدها الثانية من عدم قبول الطعن لأن الطاعن لم يشفع طلب الطعن بالمستندات المؤيدة له على نحو ما تقضي به لائحة المحكمة، فهو دفع مردود، ذلك ان الثابت من الاوراق ان الطاعن اودع مع صحيفة الطعن حافظة مستندات احتوت على ما ارتآه مؤيدا لدفاعه من آراء فقهية في خصوص لباس المرأة الشرعي، وفتاوى صادرة عن وزارة الاوقاف، ومن ثم يضحي هذا الدفع حرياً بالالتفات عنه.وحيث ان الطعن استوفى اوضاعه الشكلية، وحيث ان الطاعن بنى طعنه ببطلان عملية الانتخاب في الدائرة (الثالثة) وبطلان اعلان فوز المطعون ضدهما الأولى والثانية، وبطلان عضويتهما في مجلس الأمة، على اساس انهما لم تلتزما بارتداء الحجاب الشرعي، وخالفتا بذلك قانون الانتخاب الذي اشترط للمرأة في الترشيح الالتزام بالقواعد والاحكام المعتمدة في الشريعة الاسلامية. وحيث ان المادة (1) من قانون انتخابات اعضاء مجلس الأمة رقم (35) لسنة 1962 المعدل بالقانون رقم (17) لسنة 2005 نصت على أن «لكل كويتي بالغ من العمر احدى وعشرين سنة ميلادية كاملة حق الانتخاب، ويستثنى من ذلك المتجنس الذي لم تمض على تجنسه عشرون سنة ميلادية وفقا لحكم المادة (6) من المرسوم الأميري رقم (15) لسنة 1959 بقانون الجنسية الكويتية. ويشترط للمرأة في الترشيح والانتخاب الالتزام بالقواعد والاحكام المعتمدة في الشريعة الاسلامية.وحيث ان البين من عبارة نص الفقرة الأخيرة المشار اليها بالصيغة التي افرغ فيها انها جاءت مطلقة، مجملة، دون تحديد تعريف جامع مانع يكون الضابط للمعنى، وانه وإن وردت عبارة النص بصيغة الشرط، الا أن جوهر الشرط يحمل في تفسيره اكثر من معنى، وبه خفاء في دلالة المراد منه، فمدلول (القواعد والاحكام المعتمدة في الشريعة الاسلامية) مدلول عام يستوعب احكام الدين جميعها، وما يتصل منها بالعقيدة والاخلاق وافعال المكلفين وتصرفاتهم وما ورد منها بالكتاب الكريم والسنة النبوية الشريفة وما يستنبط منها بالاستناد الى الادلة الشرعية الأخرى، كما له مدلول خاص بمعنى الفقه الاسلامي الذي يقتصر على فهم ومعرفة جزء من هذه الاحكام وهي الاحكام الشرعية العملية التي تخص افعال المكلفين ولا تدخل ضمن احكام العقائد والاخلاق. ولفظ (المعتمدة) الوارد بهذا النص قد يعني الاحكام القطعية في ثبوتها وفي دلالتها، كما قد ينصرف ايضا إلى الاحكام التي تستنبط بطريق الاجتهاد في نطاق الاحكام الظنية بالاعتماد على الادلة الشرعية المختلفة سواء المتفق عليها (كالقرآن الكريم والسنة النبوية الشريفة)، او المختلف بشأنها (كالاستحسان والعرف) متى قام الدليل على اعتبارها، وكانت هناك مصلحة في اتباعها وفقا لما يقدره ولي الأمر.وحيث انه يبين من مطالعة مضبطة مجلس الامة بجلسته المعقودة يوم الاثنين 8 من ربيع الآخر سنة 1426 هـ الموافق 16 من مايو سنة 2005 انه قد عرض عليه مشروع قانون مقدم من الحكومة بتعديل بعض احكام القانون رقم (35) لسنة 1962 في شأن انتخابات اعضاء مجلس الأمة، كان يجري نصه على ان «يستبدل بنص المادة (1) من القانون رقم (35) لسنة 1962 المشار اليه النص التالي: «مادة (1): لكل كويتي بالغ من العمر احدى وعشرين سنة ميلادية كاملة حق الانتخاب، ويستثنى من ذلك المتجنس الذي لم تمض على تجنسه عشرون سنة ميلادية وفقا لحكم المادة (6) من المرسوم الاميري رقم (15) لسنة 1959 بقانون الجنسية الكويتية»، ثم تقدم بعض اعضاء مجلس الامة باقتراح بإضافة الفقرة الآتية في عجز المادة (1) من مشروع قانون الانتخاب المقدم من الحكومة نصها الآتي: «يشترط للمرأة في الترشيح والانتخاب الالتزام بالقواعد والاحكام المعتمدة في الشريعة الاسلامية»، وبتلاوة المادة بعد اضافة هذه الفقرة اليها تمت الموافقة عليها دون اية ايضاحات او اي بيان عن سبب هذا التعديل او القصد منه، حيث صدر بها القانون رقم (17) لسنة 2005 بالصيغة التي اقرها مجلس الأمة، وبمطالعة مذكرته الايضاحية لتوضيح الاسباب والدوافع التي دعت الى اصداره بالصورة التي افرغ فيها لفهم النص واستخلاص ارادة المشرع منها يبين انها اكتفت بالاشارة في هذا الخصوص الى ان هذا التعديل جاء «حرصا على العادات والتقاليد التي جبل عليها المجتمع الكويتي»، وانه «أخذاً بمبادئ الشريعة الاسلامية الغراء، تضمنت الصياغة الجديدة للمادة انه على المرأة عند ممارسة حقها في الترشيح والانتخاب، مراعاة الاحكام المقررة في الشريعة الاسلامية».وحيث انه من المُسَلَّم به في مجال استخلاص الدلالات من النصوص التشريعة انه اذا احتمل النص اكثر من معنى وجب حمله على المعنى الذي يجعله اكثر اتفاقا مع التشريع الاعلى، وعلى النحو الذي يحمله على اصله من الصحة، وينأى به عن التعارض، حتى ولو كان هذا المعنى اقل ظهورا، وعلى ذلك يتعين ان يكون تفسير هذا النص في اطار المبادئ الحاكمة والاصول الواردة بالدستور نصا وروحا، اعمالا لمبدأ تدرج القواعد القانونية، اذ لا يجوز للتشريع الأدنى مرتبة مخالفة التشريع الأعلى مرتبة، سواء جاءت المخالفة في صورة تقييد ما ورد مطلقا بالأعلى، او اطلاق ما ورد به مقيدا.والحاصل أن الدستور الكويتي لم يجعل الشريعة الاسلامية - بمعنى «الفقه الاسلامي» - المصدر الوحيد للتشريع، او يمنع المشرع من الأخذ من مصادر اخرى نزولا على احوال الناس وشؤون العباد بما يكفل مصالحهم المعتبرة شرعا، كما كفل الدستور الحرية الشخصية، واطلق حرية العقيدة، لأنها ما دامت في نطاق الاعتقاد أي (السرائر) فأمرها الى الله، ولم يجز التمييز بين الناس في الحقوق والواجبات بسبب الدين او الجنس.والحاصل ايضا ان احكام الشريعة الاسلامية لا تكون لها قوة الزام القواعد القانونية الا إذا تدخل المشرع وقننها، وليس لها قوة النفاذ الذاتي والمباشر، وانما يتعين ان يتم افراغها في نصوص تشريعية محددة، ومضمون تشريعي محدد يمكن ان يلتزم به كل من المخاطبين بأحكامه والقائمين على تنفيذه وتطبيقه، ولا يتسنى تبعا لذلك مساواتها في الحكم بالنصوص الموضوعية، فالنص الموضوعي يكون نافذا بذاته فيما تضمنه من احكام موضوعية، وبالتالي فإن النص المشار اليه لا يمكن وصفه بأنه يتضمن حكما موضوعيا محددا، وانما يعتبر هذا النص وفقا لمضمونه من النصوص التوجيهية، التي ترد مورد الارشاد والتوجيه، والتي لا يقصد بها الالزام والوجوب، وهو ما يجد صداه فيما اوردته المذكرة الايضاحية للقانون في هذا المقام، فضلا عن انه لا يتصور ان تكون ارادة المشرع قد اتجهت - في اطار هذا النص المجمل القائم - الى ترك القائمين على تطبيقه وتنفيذه بتقصي هذه القواعد والاحكام غير المقننة بما قد يؤدي إليه ذلك من اضطراب وتناقض بين هذه القواعد والاحكام بحسب اختلاف وجهات النظر الفقهية.وإذ خلصت المحكمة إلى ما تقدم بشأن النص المشار اليه، وكان ذلك استصحابا لأصل صحته لتنفي عنه شبهة عدم الدستورية التي كانت تظاهره، فإن عدم قبول الدفع المبدى من المطعون ضدها الأولى بعدم دستوريته يكون متعيناً.وحيث انه متى كان ذلك وكان الطاعن قد اقام طعنه ابتناه على فقدان المطعون ضدهما الاولى والثانية لحقهما في الترشيح بادعاء مخالفتهما لنص الفقرة الأخيرة من المادة (1) من قانون الانتخاب المشار اليه، توصلا الى القول ببطلان خوضهما الانتخابات وبطلان اعلان فوزهما وبطلان عضويتهما بمجلس الأمة، وذلك خلافا لصحيح الفهم المستفاد من هذا النص على النحو الموضح آنفا، ومن ثم يكون الطعن على غير اساس سليم من القانون حقيقياً بالرفض.فلهذه الأسباب حكمت المحكمة: برفض الطعن.