كيف تستطيع الصين إسكات ألسنتنا؟

نشر في 05-08-2010
آخر تحديث 05-08-2010 | 00:01
على المسؤولين الصينيين ألا يتعمقّوا في تعليقات كلينتون الأخيرة حول بحر الصين الجنوبي، وحتماً ألا يبالغوا في رد فعلهم ويتشاجروا مع واشنطن بشأن مسألة ليست بتلك الأهمية.
 ذي دبلومات  على ما يبدو، بلغت العلاقات الأميركية الصينية مرةً أخرى مرحلةً مضطربة: أولاً، بسبب ما كُشف عن أن الصين وباكستان وقّعتا اتفاقاً ستبني الصين بموجبه مفاعلين نووين في باكستان، تطوّر أثار قلقاً كبيراً في واشنطن. ثانياً، عبّرت بكين عن امتعاضها من التدريبات البحرية المشتركة والواسعة النطاق والتي يجريها الأسطول السابع ومشاة البحرية الكورية الجنوبية في بحر اليابان، معتبرةً أن في استعراض مثل هذه القوة العسكرية ما "يزعزع الاستقرار".

مع ذلك، ما أغضب الصين ودفع بمسؤوليها إلى اتّهام الأميركيين بمحاولة "تدويل" الخلافات حول بحر الصين الجنوبي إعلان وزيرة الخارجية الأميركية هيلاري كلينتون في 23 يوليو في منتدى اتّحاد دول جنوب شرق آسيا الإقليمي في هانوي أن "الولايات المتحدة تدعم اعتماد الدول المطالبة بأحقيتها مساراً دبلوماسياً مشتركاً لحل مختلف الخلافات حول الأراضي من دون إكراه"، وأن الولايات المتحدة "تعارض لجوء أي جهة مدّعية إلى القوة أو التهديد بها".

ظاهرياً، تملك بكين على ما يبدو كامل الحق في الشعور بالاستياء من تعليقات كلينتون. أولاً، من الواضح أنها باغتت الصينيين، فعلى ما يبدو، لم يتلق هؤلاء أي تلميح يشير إلى أن كلينتون ستدلي بمثل هذا البيان المهم في منتدى اتّحاد دول جنوب شرق آسيا الإقليمي لهذا العام، والذي يُعرَف بشكل رئيس بأنه نقاش عادي للأعمال.   

ثانياً، لا بد من أن تقلق رمزية المكان بحد ذاته، هانوي، الصينيين. ففيتنام هي إحدى الدول الرئيسة المطالبة بأحقيتها في النزاع وعلى الرغم من أن تعليقات كلينتون تبدو حيادية إذا ما أُخذت على حدة، فإنها أقرب إلى مواقف اتحاد دول جنوب شرق آسيا منه إلى المواقف الصينية.  

وهكذا، تدعم واشنطن اليوم، في نظر بكين، فريقاً دون آخر، وتعتبر الصين أنها اتّخذت خطوات جدّية لمعالجة هواجس جيرانها وذلك على الرغم من الخلافات المستعرة منذ زمن طويل حول الأراضي في بحر الصين الجنوبي، ففي عام 2002 مثلاً، وقّعت الصين واتّحاد دول جنوب شرق آسيا إعلاناً تاريخياً حول سلوك الأطراف في بحر الصين الجنوبي تتعهد الدول فيه بالسعي وراء حل سلمي للخلافات حول الأراضي. في الوقت عينه، يتوقّع بعض المسؤولين في الاتّحاد أن توقّع الصين على مدوّنة سلوك في نهاية هذا العام.

مع ذلك، يجب ألا تسمح بكين لغضبها بإفساد حكمها، ولا شك أنه ما من وزير خارجية أميركي أعلن بصراحة عن موقف أميركي بشأن الخلافات حول بحر الصين الجنوبي، ولعل ذلك هو أهم مظهر في بيان كلينتون. لكن من جهة أخرى، لا ينبع جوهر تعليقاتها من الموقف الأميركي القائم منذ زمن طويل بشأن تلك الخلافات، وهكذا، لم يحدث أي تغيير حقيقي في السياسة.  

في المقابل، على الرغم من أن بيان كلينتون شكّل على ما يبدو صدمةً مؤذية، كان حرياً بالصينيين إيلاء المزيد من الاهتمام للبيانات التي صدرت في الآونة الأخيرة عن واشنطن بشأن الخلاف حول بحر الصين الجنوبي، ففي فبراير من هذا العام، عبّر مساعد نائب وزير الدفاع، روبرت شير، عن المواقف عينها خلال إدلائه بشهادته أمام لجنة مراجعة العلاقات الاقتصادية والأمنية الأميركية الصينية، هيئة أنشأها الكونغرس.   

فإن لم يتمكّن شير من استقطاب اهتمام بكين، كان يجب أن تلفت تعليقات وزير الدفاع الأميركي روبرت غيتس في الخامس من يونيو انتباه هذه الأخيرة. أعلن غيتس في مؤتمر "حوار شانغري-لا" في سنغافورة أن "بحر الصين الجنوبي يشكّل موضع قلق متنام... سياستنا واضحة: من الضروري الحفاظ على الاستقرار، وحرية الملاحة، والتنمية الاقتصادية الحرة وغير المقيّدة. لا نقف بجانب طرف دون آخر في أي من المطالبات المتنافسة بالسيادة، لكننا نعارض استخدام القوة والإجراءات التي تعيق حرية الملاحة. نعترض على جميع الجهود التي تهدد الشركات الأميركية أو شركات أي دولة منخرطة في نشاط اقتصادي شرعي. على جميع الأطراف في المقابل التعاون لحل الخلافات بالوسائل السلمية الثنائية الجانب التي لا تتناقض والقانون الدولي العرفي". لكن ما يثير الفضول أن الصين لم تحتج على تعليقات غيتس على الرغم من أنها أكثر حدّةً مما جاء في بيان كلينتون.

لذلك على المسؤولين الصينيين ألا يتعمقّوا في تعليقات كلينتون الأخيرة حول بحر الصين الجنوبي، وحتماً ألا يبالغوا في رد فعلهم ويتشاجروا مع واشنطن بشأن مسألة ليست بتلك الأهمية. في المقابل، يتمثّل أفضل رد من قبل الصين في استخدام هذه الأخيرة براعتها في مجال التصدي للهجمات ضد جهود واشنطن الدبلوماسية المتأخرة لاستعادة نفوذها وهيبتها في جنوب شرق آسيا.

 على مدى العقد الماضي، حققت الصين نجاحاً كبيراً في تعزيز نفوذها الاقتصادي وتطويع مهاراتها الدبلوماسية لطمأنة بلدان جنوب شرق آسيا وتحسين صورتها في المنطقة.

وهكذا لتهدئة هذه العاصفة الدبلوماسية العابرة وإسكات الأميركيين، فإن كل ما على بكين فعله هو توقيع مدوّنة سلوك خاصة ببحر الصين الجنوبي مع اتّحاد دول جنوب شرق آسيا.

مينشين باي - Minxin Pei

* أستاذ الإدارة الحكومية في كلية كليرمونت ماكينا، وكبير زملاء غير مقيم لدى صندوق مارشال الألماني للولايات المتحدة.

* من كبار المساعدين في مؤسسة كارنيغي للسلام الدولي وأستاذ في الحوكمة في كلية كليرمونت ماكينا.  

back to top