المهندس المعماريّ دانيال ليبسكند: هدفي الجمع بين التجارة والثقافة والترفيه

نشر في 24-12-2009 | 00:00
آخر تحديث 24-12-2009 | 00:00
يفكر المهندس المعماري المشهور دانيال ليبسكند على نطاق واسع، إذ يشكّل مشروعه الراهن في لاس فيغاس جزءاً من أكبر مبنى ذي تمويل خاص في تاريخ الولايات المتحدة. في مقابلة مع موقع {دير شبيغل} الإلكتروني، يشرح هذا المهندس أهمية تشييد أبنية ضخمة أكثر من أي وقت مضى، وسبب سأمه من التزاحم على موقع برجي التجارة العالميين. .

صمّمت مركز Crystals الضخم للتسوّق الذي يشكّل جزءاً من مجمّع CityCenter في لاس فيغاس، أضخم مبنى ذي تمويل خاص في التاريخ الأميركي وبلغت تكلفته 8.5 مليون دولار أميركي. صمّمت هذا المركز التجاري بمتاجره الفاخرة كافة مثل Tiffany، Gucci وPrada. ألا يُعتبر ذلك كله في تناقض مع الأزمة الاقتصادية الراهنة؟

على العكس، فالمشاريع الجريئة التي تتمتع بقيمة مالية دائمة مهمّة فعلاً، لا سيما في الفترات التي يفتقر الناس فيها إلى المال. هذه الفترة غير مناسبة للقيام بمشاريع متواضعة. فخلال الأزمات فحسب كتلك التي نمر بها اليوم، يخرج الناس ويقومون بنشاطات استثنائية. على هذا الأساس، شُيّد مبنى {إمباير ستايت} ومركز {روكيفيلير}.

صحيح أن {إمباير ستايت} شُيّد خلال فترة الكساد الكبير، لكنه طوال 20 عاماً لم يدر أرباحاً؟

صحيح، فلن نشهد مشاريع إضافية على غرار CityCenter في السنوات المقبلة. لكن رؤية زبائني رائعة، لأنها رؤية مستقبلية. من الواضح أن هذا النوع من الهندسة يسبق عصره بطرق شتّى.

لا توافق في الرأي نقّاداً أمثال كريستوفر هاوثورن من صحيفة {لوس أنجليس تايمز}، الذي وصف مجمّع CityCenter بأنه {صدىً أخير لسنوات الازدهار}، أليس كذلك؟

لن تختفي الرؤى العظيمة التي تغيّر هندسة المدن. لن نفقد الجرأة ونبدأ بتشييد مبان أصغر اليوم. ما من شك في أن الفترة التي نمر بها اليوم عصيبة في نظر كثيرين، لكنها أيضاً فترة مناسبة لتغيير المفهوم الهندسي وإعادة التفكير في ما نقوم به.

ما الذي تقوم به في لاس فيغاس إذاً؟

قضت فكرتي بإزالة الفاصل بين التجارة، الثقافة والترفيه. نحن معتادون على وجود متاحف، ومنازل، وغيرها هنا، لذا سعيت إلى إيجاد مساحةً هندسية جريئة تتخطى المألوف. لذا يبدو Crystals أشبه بمتحف رائع حيث تستطيع شراء حقيبة من ماركة Gucci.

هل مراكز التسوّق لدينا هي شكل متاحفنا الجديد؟

ينطوي الأمر على بعض المفارقة. ففي كل مرّة كنت أبني فيها مشروعاً ثقافياً، وبنيت متاحف كثيرة، كان الزبون يحرص دوماً على أن يكون المتحف قابلاً للاستمرار تجارياً، وأن يدر أموالاً كثيرة. لكن ذلك ينطبق أيضاً على زبائن المشاريع التجارية، فهم يريدون جني المال، لكن مصلحتهم تقضي برفع القيمة الثقافية أيضاً.

هل تعني بأن التجارة هي الثقافة؟

طالما كانت كذلك. أنظر إلى الشوارع الحيّة في المدن التي نحبها ونقدّرها. من هذا المنطلق، ارتأيت توسيع المساحة المدنية من قطاع فيغاس وجعلها نقطة جذب للناس للتجوّل في أرجائها.

لكن لا تتوافر في لاس فيغاس مساحة مدنية، فهي مليئة بالفنادق والكازينوهات والمباني الاسمنتية فحسب، أليس كذلك؟

هذا صحيح. فالشوارع هي المساحة المدنية الوحيدة الموجودة هناك. لكن مع مركز Crystals، غيّرتُ هندسة مساحة لاس فيغاس جذرياً. فاستخدمت فيه أساليب فنية خادعة وأفكاراً تجريدية. لذلك تبرز اللمسة العصرية جلياً فيه. ثمّة أماكن كثيرة في هذه المدينة لا يصل إليها ضوء النهار، لذا أحضرنا الأخير إلى داخل المركز. يُذكَر أيضاً أنه أضخم مبنى في العالم يحظى بمصادقة نظام تصنيف العمارة الخضراء التابع لمجموعة رئاسة الطاقة والتصميم البيئي LEED.

على رغم ذلك، كانت عملية بناء هذا المركز في غاية الصعوبة. ساهمت شركة MGM Mirage في نصف التمويل بينما تكفلّت بالنصف الثاني مجموعة دبي العالمية التي تعاني أزمة مالية خاصة بها. كيف استطاعتا إنجاز هذا المشروع؟

عليك أن تطرح ذلك السؤال على MGM Mirage. بالنسبة إلي، من المفاجئ كيف نُفّذ هذا المشروع في فترة وجيزة ودفعةً واحدة. حين تنظر إلى بقية أجزاء لاس فيغاس، تبدو لك وكأنها واقعة في نطاق زمني مختلف.

بالحديث عن ذلك، يواجه مشروعك المتمثل في إعادة إعمار مركز التجارة العالمي في نيويورك صعوبات منذ سنوات، وقد تغيّرت رؤيتك للمشروع جذرياً. هل لا تزال معنياً بالأمر؟

هذا المشروع في غاية التعقيد. ليس لدي زبون أو مستثمر واحد فقط، إنما أيضاً: عائلات ضحايا هجمات 11 سبتمبر، حاكما نيويورك ونيو جيرسي، مصلحة الموانئ الضخمة التي تضم سبعة آلاف مهندس أو ما يقارب ذلك، ومصلحة النقل المدني.

في ما يخص مشروع مركز التجارة العالمي، وصفتك صحيفة {نيويورك تايمز} بـ{دانيال ليبسكند المتقلّص}. ألا يشعرك ذلك بالاستياء؟

طبعاً، فمشروع كهذا يكلّف أموالاً كثيرة، ويعتمد على الحالة الاقتصادية، لذا قد يكون محبطاً. لكن الإجماع لا يزال قائماً إلى حد كبير على خطّتي الأساسية التي أعددتها في عام 2003. لا شك في أنه مشروع يصعب تنفيذه. لكنني أعيش وأعمل بجوار موقع مبنيي التجارة العالميين، وأعرف بأن أموراً كثيراً تجري. فالصرح التذكاري يزداد اتّساعاً، والشوراع أصبحت موصولة بعضها ببعض، وبرج الحرية قيد البناء، وبوشر مسبقاً ببناء أبراج أخرى. لكن مدى السرعة في بناء ذلك كله يعتمد على التمويلات.

بدأ بناء ذلك المشروع منذ سبع سنوات، لماذا لم ينته إلى اليوم؟

أنظر إلى الوقت الذي استغرقه بناء مركزي التجارة العالميين الأصليين (ثماني سنوات). لا تنس أن مساحة الموقع تبلغ 6.5 هكتارات، ناهيك عن مساحة 92 هكتاراً مخصصة للمكاتب. هذا المشروع ليس مجرّد بناء تذكاري أو برج، إنه أشبه بمدينة أميركية متكاملة.

صغّر زملاؤك في مانهاتن، أمثال نورمان فوستر، فرانك جيهري، وديفيد شيلدز، حجم مشاريعهم، أو أوقفوها كلياً بسبب الركود الاقتصادي. فكيف هو وضع أعمالك؟

نمرّ بفترة عصيبة بلا شك، لكن الناس بدأوا يرون بصيص أمل. أنا محظوظ ومنشغل جداً، لأنني أعمل في أنحاء العالم وهذا يساعدني على الأرجح.

تعمل أيضاً في ألمانيا، لكن أحد مشاريعك هناك (ملحق جامعي في لونبيرغ) أثار موجة جدل إذ اعتبره النقّاد في غاية الضخامة والبزخ وتحدّثوا عن شكوك حول قابلية تنفيذه مالياً. هلا حدثتنا عن ذلك؟

نأمل بأن يتحقق قريباً، فالعمل به جار. لا أستطيع تحديد تاريخ انتهاء لكن على المشروع المرور باختبارات مختلفة قبل المصادقة عليه.

ألن يكون من الأسهل تشييد مبان من دون مشاركة سياسيين؟

يا له من سؤال تجريدي! الهندسة فن عام، وليست حكراً على عبقري ما يجلس بمفرده في غرفته. يتطلّب هذا الفن أموالاً كثيرة حتّى للمشاريع الأصغر نطاقاً. أنهي راهناً العمل على منزل في كونيكتيكت، فحتّى منزل صغير بحاجة إلى جهود كبيرة، وإلى إطار عام يحيط به. تلك هي حدود الهندسة وجوهرها. فهي تشرك المواطنين، وأعتقد بأن هذه النزعة تزداد شيوعاً أكثر فأكثر نظراً إلى رغبة مزيد من الناس في المشاركة. شكّلت المرحلة الأولى من بناء موقع مركز التجارة العالمي أفضل مرحلة لأن المواطنين ساهموا فيها. تلك هي مظاهر الديمقراطية الحقيقية.

كيف كان رد الفعل العام في لاس فيغاس؟ فالناس هناك غير معتادين على المساحات المفتوحة المحاطة بنوافذ وزجاج ويتخللها ضوء نهار؟

يبدي كل شخص أتحدث إليه حماسةً كبيرة. لقد أوجدنا 12 ألف فرصة عمل هناك، وهذا أمر عظيم.

هل يجب إذن اعتماد رؤية أوسع وأضخم اليوم؟

حين قصدني الزبائن للمرة الأولى، بدت لي فكرتهم جنونية بعض الشيء، لكن عليك أن تكون كذلك.

back to top