المشاهد العنيفة... خطر يُحدِق بأطفالنا!
ما هي المشاهد العنيفة؟ أيّ أثر تترك في رأس الطفل؟ كيف يجب على الأهل التصرف لمواجهة فيض العنف الذي يصعب التحكم به؟ في ما يلي أجوبة وافية عن خمسة أسئلة أساسية لمعرفة المسار الذي ينبغي اتباعه لمعالجة الوضع.-1 ماذا يعني المشهد العنيف؟
ثمة تعريفان للمشهد العنيف. الأول هو تعريف عام: إنه مشهد يحتوي على مضمون عنيف (صور حرب، جرائم قتل، اغتصاب، قصف). يقود هذا التعريف بالذات إلى تصنيف أفلام السينما، لكنّ هذا التصنيف يتغير بلا توقّف. فما كان ممنوعاً على الفئات العمرية التي تقلّ عن 18 عاماً خلال الستينات لم يعد كذلك اليوم. يتعلق هذا التعريف الأول إذاً بحقبة معيّنة وبثقافة معينة أيضاً. مثلاً، من الملاحظ أن فيلم هاري بوتر الأخير لا يُسمح للفئة العمرية التي تقلّ عن 12 عاماً في انكلترا، لكن هذا التصنيف لا ينطبق على جميع البلدان. أما التعريف الثاني، فهو مختلف كليّاً عن الأول، لكنه يبقى مهمّاً. إنه مشهد يبثّ العنف في نفس المشاهدين في لحظة معيّنة. مثلاً، إذا تعرّضنا لحادث في الجبل ثم رأينا لاحقاً مشهداً مماثلاً لما عشناه في فيلم عن متسلّقي جبال عالقين في أعلى الجبل، يُعتبر المشهد عنيفاً بالنسبة إلينا. يجب أخذ هذين التعريفين بالاعتبار من دون نسيان أمر أساسي: قد يكون أحد المشاهد عنيفاً بالنسبة إلى البعض وعادياً بالنسبة إلى البعض الآخر. ما يُعتبر عنيفاً في عالم الأطفال لا يكون كذلك بالنسبة إلى الكبار.-2 ما الذي يجعله عنيفاً؟يكون المشهد في جوهره عنيفاً ويشكّل ضغطاً دائماً على المشاهدين. لاستيعاب المشهد بسرعة، يجب تخيّله أولاً، ما يقود إلى بعض الأضرار التي قد تطال الأطفال. قد تشكّل مشاهد الحرب، الموت، أو الأعاصير، صدمة بالنسبة إلى الطفل إذا لم يسبق له أن تخيّلها سابقاً. تُسمّى هذه الحالة «ذهول مقلِق»: لا يفهم الطفل ما رآه لكن يتملّكه توتر كبير و»مستفيض» ويعجز عن ربطه بأمر مألوف. نتيجةً لذلك، تنشأ حالات الخوف، والكوابيس، والرهاب، والاضطرابات الغذائية، وغيرها من العوارض. -3 كيف يتفاعل الطفل مع مشاهد مماثلة؟ثمة ثلاثة أنواع من السلوكيات: من جهة، يعيش بعض الأطفال في عالم داخلي محطّم، فيشعرون بالاطمئنان عند رؤية مشاهد عنيفة، معتبرين أن العنف جزء من عالم الواقع ويتشاركه الجميع. تعزز هذه المشاهد نشوء عدائية في عالم الطفل الداخلي، فيصبح العنف فجأةً أمراً مألوفاً وعادياً بالنسبة إليه. من جهة أخرى، يكون بعض الأطفال جبناء ويميلون إلى الكآبة، فيشعرون أنّ ما يرونه يمثّل العالم الذي يعيشون فيه، أي عالم سيئ غير قابل للتغيّر. أما النوع الثالث من التفاعلات، فيتمثّل بردّة فعل سريعة تعزز قيم التضامن والتعاون. في وجه هذه المشاهد، يحلم الأطفال بالتصرف وفعل شيء ما لمعالجة الوضع المأساوي الذي يرونه. لاحقاً، قد ينخرط هؤلاء في الأعمال الإنسانية.-4 ما العمر المناسب للبدء بمشاهدة النشرة الإخبارية؟يرتفع عدد الأشخاص الذين يتناولون الطعام أمام التلفاز. إنه موعد لا غنى عنه بالنسبة إلى الأهل الذين ينسون في غالبية الأحيان الآثار السيئة التي قد تحملها النشرة الإخبارية على أطفالهم، لا سيما إذا كانت مشاهد العنف حقيقية. يقول البعض إنّ التلفزيون هو مرآة العالم وإنه يحضّر الأطفال للانخراط في الحياة الواقعية. خطأ! تعكس نشرة الأخبار صورة مشوّهة ومزعجة عن الواقع. لماذا تشكّل هذه الحقيقة صدمة بالنسبة إلى الصغار؟ الإجابة بسيطة! قبل سن العاشرة، يصعب، بل يستحيل، على الطفل أن يضع العنف الذي يراه في سياقه الحقيقي وأن يفهم معايير المكان والزمان التي يعرفها الكبار. بالنسبة إلى الطفل، تشكل الاعتداءات، والاضطرابات المناخية، وركام الجثث الناجمة عن الحروب التي تحدث على بعد آلاف الكيلومترات، أحداثاً تدور في منزله! حتى هذا العمر، لا نفع من السماح للطفل بمشاهدة النشرة الإخبارية. بعد سن العاشرة، يمكن السماح له بذلك، شرط ألا نتركه وحده في وجه المشاهد المعروضة. كذلك يجب مناقشة ما يشاهده. من الملاحظ أن الطفل يرتّب الصور التي يراها بطريقته الخاصة وقد يستوعب معلومات مغلوطة. من الوسائل المفيدة التي قد يعتمدها الأهل لتصحيح مسار الأمور، شرح هذا الفيض من المشاهد التي تستهدف عادةً شريحة الراشدين. لا بد من الحذر الشديد إذاً عند مشاهدة أي برنامج. قلّما يدرك الأهل أنّ الطفل يفسّر ما يراه بألف طريقة.-5 كيف ينبغي أن يتصرّف الأهل؟يبقى الحوار أقوى سلاح لمواجهة العنف. لا يعترف الأطفال تلقائياً بما يخيفهم ويغذّي الكوابيس في مخيّلتهم. قد يرى البعض كوابيس بعد مشاهدة برنامج أطفال في حين لا يجد الأهل أي مواد غير مناسبة في البرنامج. لاكتشاف مشاعر الأطفال، يجب أخذ المبادرة وطرح السؤال مباشرةً عليهم. من الأفضل أيضاً تحذير الطفل قبل مشاهدة بعض البرامج من أنه سيحتوي على مقاطع قد تزعجه لاحقاً. إنه تمرين بسيط ومفيد. يرتكز الاهتمام بالطفل على مراقبته والإصغاء إليه. من المهمّ التنبه إلى حركاته وردود فعله أو انزعاجه، وحتى جموده خلال البرامج التي يشاهدها بانتظام. الإصغاء إلى الطفل يعني الانتباه إليه في جميع الظروف، أي بعد مشاهدة فيلم، خلال النشاطات الترفيهية، وحتى خلال إتمام الواجبات المدرسية... المهمّ هو أن يشعر الطفل بأنه مستعدّ للتكلم بالموضوع وأن يخصص الأهل الوقت الكافي لسماعه.