الحبّ من أول نظرة... كيف نعود إلى الواقع؟
يمكن تعريف الحب من أول نظرة بأنه شعور سحري آسر. يكفي أن نسأل الأشخاص الذين عاشوا هذه التجربة، لنلاحظ تلك الشرارة في عيونهم أثناء التحدث عن الأمر. إنه أمر فريد لا يمكن تفسيره! إنها أقصى درجات السعادة... شعور يقلب الحياة رأساً على عقب! يستسلم من يُصاب بـ}صاعقة الحب} لهذه الطاقة الجديدة ويشعر بأنه يسير على الطريق الصحيح في حياته. لكن يكمن السحر الحقيقي في الحب من أول نظرة في استحالة استدراج هذه المشاعر، إذ يحصل الأمر حين لا نتوقع حدوثه. عندما نقع تحت تأثير هذه الحالة اللاإرادية، يصعب السيطرة عليها. هل من تفسيرات مقنعة لظاهرة الحبّ هذه؟ ما الذي يحصل فعلياً؟
حتى لو كنّا ننسب حالة الحب من أول نظرة إلى مجال العاطفة والحب والمشاعر، يقدّم العلماء تفسيراً كيماوياً لما يحصل. في الواقع، يملك الإنسان دماغين: دماغ عاطفي ودماغ منطقي. يعمل الدماغ العاطفي غرائزياً ويولّد ردة فعل جسدية حين نقابل شخصاً يعجبنا أسرع من الدماغ المنطقي، وينتج هرمون الأدرينالين وغيره من الهرمونات، ما يقود إلى تزايد نبضات القلب، ارتفاع ضغط الشرايين، الشعور بالحرّ... تتوافق هذه العوارض كلها مع مظاهر عاطفة الحب المفاجئة الجسدية. لا شك في أنّ هذا التفسير يرضي الفضوليين والمنطقيين، لكنه يخيّب حتماً آمال الحالمين نظراً إلى موضوعية هذه المعطيات العلمية.هل {الفرمونات} مسؤولة؟تُعرَّف الفرمونات بأنها {عناصر يفرزها الجسم، تقود إلى ردة فعل معينة، أو سلوك معين، أو تغيير بيولوجي، إذا تلقّاها أشخاص آخرون}. خضعت هذه الفرمونات لدى الحيوانات للدراسة، تحديداً الجنسية منها التي تدفعهم إلى التقارب الجنسي في فترة التزاوج. تعزز الفرمونات ظاهرة الإنجاب لدى فئران الهامستر، سيطرة الذكور لدى الفيلة، الفطام لدى الفئران. تُفرَز الفرمونات بالطريقة نفسها التي تُطلَق فيها الهرمونات في الجسم لإقامة تواصل بين مختلف الأعضاء، ونجدها في البول، العرق، البراز، أو على البشرة، ما يعزز التواصل بين الأفراد في مجتمع معيّن.بداية، رُصدت هذه المركّبات الهرمونية كيماوياً لدى الحيوانات (بعد 20 عاماً من اكتشاف آثارها)، ثم لدى الإنسان، تحديداً على مستوى الغدد التي تفرز العرق في البشرة وفي الإفرازات المهبلية. تتحمّل هذه الإفرازات مسؤولية الحب من النظرة الأولى بين شخصين أو أيّ كائنين عموماً. ما علاقة المورّثات؟بالنسبة إلى بعض الاختصاصيين، يعني الحب من أول نظرة ولادة فورية وغير منطقية لشعور الحب تجاه شخص مجهول يتطابق مظهره الخارجي مع الصورة المثالية المرسومة في خيالنا. على أرض الواقع، يثير مفهوم {المظهر المثالي} جدلاً كبيراً، لأنّ أشخاصاً كثيرين يعترفون بعيش هذه الحالة تجاه شخص يتمتّع بمظهر مختلف تماماً عن الصورة المطبوعة في خيالهم.حاول علماء لم يقتنعوا بهذا التعريف {فك شيفرة} الحب من أول نظرة. فطلبوا من مئة شخص، رجالاً ونساءً، البقاء في غرفة لدقائق والتنقّل والتأمل بالأشخاص الآخرين بصمت، ثم طلبوا من كلّ واحد منهم تحديد الأفراد الذين جذبوه أكثر من غيرهم. بعد ذلك، درس العلماء ملفّ المتطوعين الجينيّ. جاءت النتائج مذهلة! تبيّن أن 90% من الذين تبادلوا الإعجاب يملكون مورّثات تكمّل بعضها، أي أنّ احتمال أن ينجبوا أطفالاً بصحة جيدة مستقبلاً كبير جداً! بالتالي، الحب من أول نظرة هو ببساطة قابلية بيولوجية طبيعية لاختيار الشريك المثالي. ليس هذا التفسير رومنسياً جداً! لكن لم يثبت شيء من ذلك بعد، إذ يشدد بعض الأطباء على عدم وجود تفسير طبّي للحب من أول نظرة.ظاهرة مدهشة! الحب من أول نظرة شحنة كهربائية من الشغف العاصف الذي ينتاب شخصين فجأة ويقودهما إلى علاقة فريدة وقوية. يشعر الثنائي الجديد بحالة صدمة وكأن العالم لا يضمّ أحداً سواهما! يجتاح الشغف قلبيهما، فينعمان بسعادة مطلقة وشبه مؤلمة! يبدو أنّ الواحد يكمّل الآخر في هذه العلاقة. في هذه الحالة، يطغى المصير والعاطفة على الإرادة والمنطق.يطاول الحب من أول نظرة الجميع من دون استثناء. إنه أحد أشكال الأزمة وقد يتجنّب الثنائي قطع العلاقة القائمة باكراً إذا أدرك طرفا العلاقة أنهما يمرّان بأزمة. لا أحد يستطيع عيش هذه الحالة بشكل مستمرّ، لأنها شعور صاعق وعابر، وبالتالي لا يمكن أن يدوم مع الوقت.يكون هذا الشعور الصاعق أشبه بالحلم بمشاعر الحب: إنوع من الأوهام! يجب أن يخضع هذا الحب للحياة اليومية الواقعية والأمور الملموسة لتتحول الحالة العابرة إلى قصّة حب فعلية. إذا دامت قصة الثنائي مع مرور الوقت، يجب أن يبذل الطرفان جهوداً كبيرة ليتلاشى الوهم ويتحوّل إلى شعور عميق وواقعي.حب مثاليقد يؤدي المظهر الخارجي وحده إلى الشعور بالحب من أول نظرة. يُسمّي علماء النفس هذه العلاقة {المرحلة النرجسية من الحب}. خلالها، لا يعترف طرفا العلاقة بالآخر الذي يُعتبَر مجرّد {داعم} لقصّة جميلة. ينطلق الحب الشغوف في مساحة فارغة لا وجود فيها للحبيبين. تُشعِل الرغبات مجموعة من الخيالات دفعةً واحدة، فيزيد احتمال تحقيق جميع الرغبات المدفونة بسبب النقص الذي نشعر به. خلال هذه المرحلة النرجسيّة، نرى في عيني الآخر انعكاساً لصورة إيجابية عن أنفسنا. خلال خوض تجربة الحبّ من أول نظرة، نتخيّل أفلاماً سعيدة ونحلم في يقظتنا بقصّة حب مثالية وشغوفة... قصّة أكثر غنىً من الحياة اليومية التي لا ترضينا! لكن سرعان ما نعود إلى الواقع في أحد الأيام، ولا يعود الخيال كافياً، ويتّضح لنا أن الطرف الآخر ليس مثالياً بقدر ما اعتقدنا. عندها يتوقف الشغف العاصف أو تبدأ قصة حب واقعية.رأي الخبراء: {خصائص يجب معرفتها!}أثبتت التجارب أنّ الحب من أول نظرة يتميّز بخصائص أساسية من بينها:- إنه حالة لاإرادية لأنها لا تنتج عن ردةّ فعل واعية. - حالة غير منطقية لأن المنطق لا يبررها. - حالة انعزالية إلى حدّ تجاهل وجود الآخرين بشكل كامل. تعطي هذه الحالة فكرة خاطئة عن الآخر لأنها تترافق مع فقدان كامل للشفافية. أخيراً، تفقد {الضحية} السيطرة على نفسها حين تعيش هذه التجربة.فرضية وجود نموذج مثالي يُصقل في لاوعينا منذ مرحلة الطفولة فكرة مثيرة للاهتمام تفسّر هذه الظاهرة. كذلك، قد تفسّر هذه الفرضية الانطباع الذي ينتابنا عند اللقاء بالآخر، فنشعر بأنها تجربة سبق وعشناها، تترافق مع شعور غريب بتوقّف الزمن