خذ وخل: المخزنجي والمقالة الدرامية!


نشر في 10-02-2010
آخر تحديث 10-02-2010 | 00:01
 سليمان الفهد • أصبح مجال صياغة المقالة الصحفية «سداح مداح» بحسب تعبير أستاذنا الكاتب الفذ «أحمد بهاء الدين» رحمه الله، بحيث بات يخوض فيها كل من هبّ ودبّ، دون حرج أو غضاضة، لاسيما أن صحافة الألفية الثالثة صارت تحتفي بثقافة التلاسن وإعلام الردح المدجج بأسلحة الدمار الشامل، الكامنة في الغمز واللمز وافتراس لحم الخصم ميتا ونيئا، دون أن يرف له جفن «ميثاق الشرف الصحفي» المزعوم الساكن في النصوص لا الضمائر!

ومن هنا يسعد القارئ حين يحظى بقراءة مقالة ثرة بالمعرفة، مثيرة للدهشة، محرضة على التأمل الذي يلاحقك إثر الانتهاء من مطالعتها، ربما لأنها بمضمونها تنأى عن مصاف المقالات الاستهلاكية التي لا تخلف أثرا حسنا في وجدان القارئ وذاكرته.

والمقالة الأسبوعية التي يدبجها يراع الأديب الروائي الدكتور محمد المخزنجي في صحيفة «الشروق» القاهرية، تنتمي إلى فصيلة المقالات التي يحرص القارئ على مطالعتها، فضلا عن الاحتفاظ بها، ليتسنى له قراءتها مثنى وثلاث ورباع، وإلى ما شاء الله! ذلك أنها نسيج وحدها لا تشبه إلا نفسها!

• فالدكتور المخزنجي يبدو لي كقارئ أنه يبدع مقالة درامية مميزة، يتكئ في صياغتها على ثقافته الموسوعية العلمية الثرة المتنوعة، المتسمة دوما بالطزاجة والطرافة، فضلا عن اعتماده على عدته وعتاده وأدواته في السرد القصصي والروائي، ومعرفته وخبرته وقدراته في الطب النفسي، عمله الأساسي الذي طلقه طلاقا بائنا ليتفرغ لإبداعه الساحر في القصة والرواية والمقالة الصحفية، فضلا عن احتفائه الشديد المميز بأدب وثقافة الطفل، وهو منحى مهم ومؤثر يهاب الولوج فيه جل المبدعين لأسباب شتى لعل أهمها القدرة على التواصل مع القراء الأطفال بلغة تنفذ إلى وجدانهم وذاكرتهم بسهولة وشغف لا يتيسران إلا للمبدعين الراسخين في الإبداع، وفي سيكولوجية الأطفال.

من هنا أيضا تجد مقالته الدرامية الأسبوعية مقروءة من الكبار والصغار سواء، كما تبدى لي ذلك واضحا مع أحفادي وأبناء أصدقائي الذين يتابعون مقالته وينتظرونها كل أسبوع بوله وشوق وشغف لا حد لها، وكقارئ مريد له أغبطه على قدرته الفذة المدهشة على تطويع قضايا علمية معقدة بلغة أدبية بليغة ورصينة تستأهل صفة «السهل الممتنع» بجدارة وامتياز، ولعل منحاه المذكور آنفا يفسر المتعة الروحية التي تستحوذ على قارئه، كما لو أنه يستمتع بقراءة «مقصة» يتبدى فيها العناق والزواج بين المقالة والقصة!

والعبد لله يزعم أن مقالته طويلة العمر والأمد، وقابلة للحياة والمطالعة إلى ما شاء الله، ولن تموت في يومها كما بقية المقالات الآنية الحاضرة في جل الصحف العربية اليومية. ولا أبرئ نفسي من هذه البلية! وحين أقرأ مقالة صاحبنا أشعر أنه يشرح سلوك خلق الله البشرية والحيوانية بمشرط الجراح النفسي سعيا إلى تعريف القارئ بقضية إنسانية عامة تستحق سبر غورها لإدراك عظمة الله سبحانه في خلقه، وكأنها تحرض القارئ على التفكير والاحتفاء بالقضايا العامة التي تتمحور حولها مقالاته، التي تشد القارئ منذ السطر الأول فيها، ولا يبرحها إلا في سطرها الأخير، لكن إلى حين، لأن قارئها سيقرؤها ثانية بالضرورة، كما أشرت آنفا.

وأخيرا أقول لأخي الأديب المؤدب: سلم يراعك من الأوخاز، وأطال في عمرك الإبداعي بتجلياته كافة.

back to top