لا تلوموا أوروبا لابتعاد تركيا عن الغرب

نشر في 23-07-2010
آخر تحديث 23-07-2010 | 00:01
كلّما سارعت أنقرة في تنفيذ الإصلاحات، باتت أقرب إلى نيل العضوية الأوروبية، وإن كان انضمام تركيا إلى الاتحاد الأوروبي يصب في مصلحة الولايات المتحدة، فعندئذ على واشنطن وضع مقاربة أكثر شموليةً تجاه البلاد تسلّط الاهتمام أيضاً على الهواجس المحلية.
 لوس أنجلس تايمز  أفاد الرئيس أوباما، في مقابلة أجرتها معه هذا الشهر صحيفة Corriere della Sera الإيطالية بأن استمرار الاتحاد الأوروبي في رفضه قبول تركيا بين صفوفه دفع بالقادة الأتراك إلى "البحث عن تحالفات أخرى" والتحوّل إلى صقل علاقات وطيدة مع دول أخرى إسلامية في الشرق الأوسط، وردّدت هذه التعليقات صدى كلام وزير الدفاع روبرت غيتس، الذي حمّل الشهر الفائت أوروبا مسؤولية ابتعاد أنقرة عن الغرب.  

مع ذلك، كلا الرجلين مخطئ سواءً في تحليلهما السلوك التركي أو في التوصيات التي يتضمنها بياناهما بخصوص السياسة التي يجب اعتمادها. لذلك تبرز ضرورة أن تتحاور هذه الإدارة مع تركيا وتحاول فهمها، فضلاً عن أن إلقاء اللوم على أوروبا يبسّط الأمور إلى حد الوقوع في الخطأ، وقد يفضي إلى عواقب غير مرجوة.  

صحيح أن الرئيس الفرنسي نيكولا ساركوزي وبدرجة أقل المستشارة الألمانية أنجيلا ميركل أحبطا طموحات تركيا بالانضمام إلى الاتّحاد الأوروبي، جزئياً بسبب فشل تركيا في حل المسائل المرتبطة بجزيرة قبرص المنقسمة، لكن في جميع الأحوال، يفصل تركيا عن دخولها الاتحّاد الأوروبي ما لا يقل عن عشرين عاماً، والرفض المستمر للاتحاد الأوروبي ليس السبب الوحيد وراء سلوك تركيا المتردد أكثر فأكثر تجاه أوروبا والغرب، ولو أن موعد الانتساب إلى الاتحاد الأوروبي كان وشيكاً لتصرّفت الحكومة التركية الراهنة بقيادة رجب طيبّ أردوغان وحزب العدالة والتنمية الذي يرأسه بالطريقة عينها.

يعود سبب انفتاح الحكومة التركية المتزايد على حكومات غير غربية جزئياً إلى الإحساس المبالغ فيه بأهميتها على الساحة العالمية، ويعتقد القادة الأتراك أن بلادهم يجب أن تتّخذ مكاناً لها بين القوى العالمية الرائدة، وأن موقعها الاستراتيجي، وقوّتها الاقتصادية، وروابطها التاريخية والتشابه الثقافي بينها وبين العالم الإسلامي أصول قد تُستخدم لممارسة سياسة خارجية ناشطة هدفها تعزيز أهمية أنقرة. يشكّل هذا الطموح الذي أُحبط بسبب تعجرف تركيا المفرط أحد محفّزي السياسة الخارجية الجديدة.

أمّا السبب الثاني فهو أهمية تركيا على الصعيد التجاري، فبفضل موجة قوية من الصادرات وتوق شديد إلى الاستثمار الخارجي، انتعش النمو الاقتصادي وحلّت تركيا في المركز السادس عشر بين أقوى الاقتصادات في العالم، وباعتراف من أوباما، شكّلت الأرباح التجارية أحد العوامل التي دفعت بتركيا إلى مساندة طهران والوقوف ضد الولايات المتحدة خلال تصويت مجلس الأمن التابع للأمم المتحدة على العقوبات، وهكذا تبحث تركيا على الدوام عن أسواق جديدة لسلعها، وقد ساهمت سياستها في الشرق الأوسط في إتاحة فرص جديدة وتعزيز تلك الموجودة.  

في ما يتعلّق بالاتحاد الأوروبي، تواجه تركيا مشكلتين جوهريتين صعبتي الحل لن تتبددا على الأرجح قريباً وستظلان العائقين الرئيسين اللذين يحولان دون إحرازها تقدم بخصوص العضوية الأوروبية.

الأولى هي المسألة الكردية، فتركيا منقسمة بعمق بشأن الأقلية الكردية، وعاجزة عن قمع تمرّد حزب العمّال الكردستاني القائم منذ 26 عاماً. من جهته، تقدّم حزب العدالة والتنمية الحاكم باقتراحات متواضعة للتحاور مع الأكراد في العام الماضي، لكنه سرعان ما تراجع عنها. بنتيجة الأمر، ثمّة احتمال كبير لم يسبق له مثيل بتفجّر أعمال أكثر عنفاً تهدد باجتياح الكثير من المدن. لا يوجد حل عسكري للمشكلة الكردية، بل ستتطلّب مقاربة سياسية تسمح بحرية ثقافية أكبر.

في المقابل، تكمن المشكلة الثانية في عدم اعتماد تركيا حكم القانون بالرغم من أنها بلد قوانين. صُمّم دستورها الذي صاغه مجلس عسكري في عام 1982 لحماية الدولة من المواطنين وليس العكس. أمّا تطبيق القوانين فهو عشوائي ويجيز للدولة اضطهاد من تريد ومتى تريد، ولم يتغيّر ذلك بالتالي ولو قيد أنملة في عهد حزب العدالة والتنمية.

سيستغرق تذليل هذين العائقين سنوات لا بل عقوداً، لذلك، فإن تحميل أوروبا مسؤولية المشقات التي تشهدها تركيا جائر ومن شأنه تنفير الأوروبيين من دون داع. تصرّفت الولايات المتحدة بمنطق حين ضغطت على الأوروبيين في تسعينيات القرن الماضي بشأن المسألة التركية في وقت كانت تبعد فيه أوروبا تركيا، لكنها وضعت اليوم مساراً لكي تواصل تركيا سعيها إلى نيل العضوية الأوروبية. يعفي الخطاب الأميركي الراهن وصمت الولايات المتحدة حول المسائل المحلية القادة الأتراك من عبء الإصلاحات ومصارحة شعبهم بالمشقات التي تحول دون حصولهم على العضوية الأوروبية. ذلك لا يخدم تركيا، بل على العكس، يباعد المسافة أكثر فأكثر بين تركيا والاتحاد الأوروبي.

في النهاية، يجب أن تتبنى الولايات المتحدة سياسة أذكى من شأنها التركيز على حض الأتراك على الإصلاح، فكلّما سارعت أنقرة في تنفيذ الإصلاحات، باتت أقرب إلى نيل العضوية الأوروبية، وإن كان انضمام تركيا إلى الاتحاد الأوروبي يصب في مصلحة الولايات المتحدة، فعندئذ على واشنطن وضع مقاربة أكثر شموليةً تجاه البلاد تسلّط الاهتمام أيضاً على الهواجس المحلية. لذلك على الولايات المتحدة مساندة ناشطي التغيير الأتراك والأوروبيين والمساعدة على تحويل تركيا إلى مجتمع ديمقراطي. عندها فحسب ستكون العضوية الأوروبية ممكنة.

* Henri Barkey أستاذ زائر في مؤسسة كارنيغي للسلام الدولي وبروفيسور في العلاقات الدولية في جامعة ليهاي.

back to top