الثورة الإسلامية في إيران تأكل أبناءها… ثم قادتها صفحة اعترافات ثانية بخط يد سعيد إمامي تكشف ما جَرى لــ إمام زاده أحمد الخميني

نشر في 14-10-2009 | 00:00
آخر تحديث 14-10-2009 | 00:00
No Image Caption
عمل النظام الإيراني على تصفية عدد كبير من المعارضين، فضلاً عن شخصيات كانت أساسية في الثورة الإسلامية، ومنها أحمد الخميني، نجل قائد الثورة الإمام الخميني الراحل، وذلك بعد أن «عُلِم» أنه بدأ ينتقد الإمام الخامنئي، ويتواصل مع آية الله منتظري؛ فدُسَّت له سموم بطيئة التأثير في الأدوية التي كان يتناولها.

قبل نحو عشر سنوات، وخلال إعدادي للمجلد الثالث لسلسلة كتبي عن «الاغتيالات السياسية في إيران والخارج على أيدي عملاء الاستخبارات»، وصلتني وثيقة مثيرة جداً عن دور سعيد إمامي في قتل نجل قائد الثورة الإسلامية الإمام الخميني، حجة الإسلام السيد أحمد الخميني عن طريق دس السم في الأدوية التي كان يتناولها يومياً لعلاج ارتفاع ضغط الدم ومرض السّكري.

وقبل أن أُفصح عن مضمون الوثيقة، سأتحدث عن الحاج سعيد امامي (الملقب بــ «إسلامي» الذي انتهى به الأمر بالانتحار داخل سجن «إيفين» بتناوله مادة إزالة الشعر (واجبي)، حسب بيان وزارة الاستخبارات، بينما كشفت أسرته في ما بعد انّه قُتل على يد سجانيه بأمر من وزير الاستخبارات آنذاك قربان علي درّي نجف آبادي.

كان سعيد طالباً في إحدى الجامعات الأميركية إبان الثورة، ومثل الآلاف من الطلبة المتحمسين للثورة، عاد إلى إيران بعد انتصار الثورة ببضعة أشهر واتصل بأحد المسؤولين في رئاسة الوزراء الذي كان من أقاربه، قائلاً انه مستعد ليكون مخبراً في الولايات المتحدة. هكذا تم تجنيد سعيد إمامي بطلب منه.

وبعد سنتين كان سعيد إمامي يرسل تقارير إلى طهران بشأن أنشطة التنظيمات المعارضة في أميركا. وزار وطنه مرة أخرى، حيث مثُل أمام لجنة أمنية في رئاسة الوزراء رأسها د. سعيد حجاريان (منظّر مشروع الإصلاحات الذي تعرض لمحاولة اغتيال خلال رئاسة محمد خاتمي اسفرت عن شلل دائم في رجليه، وكان من بين معتقلي الأحداث الأخيرة في إيران بحيث قضى 101 يوماً في الزنزانة الفردية تحت تعذيب جسدي ونفسي).

أوصى حجاريان بعد حديثه مع سعيد إمامي بعدم استدراجه في شؤون الأمن الداخلي والاستفادة منه فقط في مجال جمع المعلومات في الخارج، غير انّ علي فلاحيان قرّر إحضار إمامي إلى إيران والاستفادة من تجاربه في مجال مراقبة أنشطة المعارضة داخل البلاد.

وكان فلاحيان مساعداً لوزير الاستخبارات بعد تأسيس الوزارة عام 1983، وعين وزيرا للاستخبارات في حکومة رفسنجاني.

هكذا أصبح سعيد إمامي تحت اسم الحاج سعيد اسلامي مديراً في معاونية شؤون الأمن الداخلي في وزارة الاستخبارات. ونتيجة لعمله المتواصل وإخلاصه، سرعان ما تسلَّم مسؤوليات رفيعة في الوزارة إلى أن عُيّن مساعداً لوزير الأمن. ورغم انّ هاشمي رفسنجاني أمر بعزله بعد فضيحة تهريب راجمات صاروخية إلى بلجيكا لاستهداف أحد مكاتب المعارضة في ألمانيا كون إمامي مسؤولاً عنها، فإنّ فلاحيان وبتوصية المرشد خامنئي الذي كان يثق بسعيد امامي أكثر من ثقته بأشقائه، أبقى عليه مستشاراً خاصا لوزير الاستخبارات.

«التطهير»

كان مشروع سعيد إمامي هو «تطهير الساحة من كُل من لا يؤمن بولاية الفقيه المطلقة مئة في المئة»، وقد لقي تأييد وتشجيع فلاحيان. كان المشروع يتضمن قتل 197 كاتباً وشاعراً وناشطاً سياسياً.

إلا ان المحاولة الأولى للتخلص من 67 كاتباً ومثقفاً وشاعراً دفعة واحدة خلال سفر هؤلاء إلى أرمينيا لحضور ندوة ثقافية، بإسقاط الحافلة (الباص) التي كانت تقلهم، منيت بالفشل بسبب يقظة أحد الشعراء (أصلاني) الذي قاد الحافلة عقب قفز سائقها (علي خاني مساعد مدير عام وزارة الاستخبارات) إلى وسط الطريق.

وبعد ذلك، توقف المشروع نتيجة لفوز خاتمي في الانتخابات الرئاسية وتغيير وزير الاستخبارات. غير انّ الوزير الجديد درّي نجف آبادي دعا إمامي ومساعده موسوي نجاد بعد بضعة أشهر إلى تنفيذ المشروع المذكور. وكان أوّل ضحايا إمامي هو الزعيم الوطني البارز داريوش فروهر من قادة الجبهة الوطنية وزوجته بروانه اسكندري، بحيث جرى ذبحهما بأربعين طعنة، علماً ان فروهر كان وزير العمل بعد الثورة وعند مقتله كان عمره يتجاوز 74 عاماً.

ومن ثم قتل عملاء وزارة الاستخبارات محمد مختاري الشاعر والمثقف البارؤ ومحمد جعفر بوينده الكاتب والمترجم، وبيروز دواني الكاتب اليساري، ولولا تدخل خاتمي وإصدار بيانه الشهير الذي كشف خلاله عن جرائم مسؤولي وزارة الاستخبارات، لظل إمامي وزملاؤه يقضون على كل شخص معارض لولاية الفقيه.

اعتقال إمامي

أستطيع أن أكشف الآن أن المعلومات التي تلقيتها من أحد مستشاري خاتمي بشأن الاغتيالات السياسية، وقمت بنشرها في الصحف العالمية مهَّدت الطريق لاعتقال سعيد إمامي ومساعديه بأمر من خاتمي. وقد اعترف هؤلاء بجرائم خطيرة منها اغتيال عدد من كبار قادة المعارضة في الخارج مثل الدكتور شابور بختيار رئيس الوزراء قبل الثورة وزعيم حركة المقاومة الوطنية، والدكتور عبدالرحمن قاسملو زعيم الحزب الديمقراطي الكردي وصادق شرفكندي خليفته، والفنان والشاعر المناضل فريدون فرخزاد وغيرهم، في الخارج، إضافة إلى العشرات من المثقفين والكتاب والنشطاء السياسيين داخل البلاد ما بين عامي 1990 و1998.

اغتيال أحمد الخميني

أمّا الوثيقة التي وصلتني من بين العشرات من الوثائق وأثارت دهشتي، كانت صفحة من اعترافات سعيد إمامي قبل انتحاره أو قتله حسب اعتقاد أسرته، والتي اعترف فيها سعيد بتخطيط وتنفيذ مشروع تصفية أحمد الخميني نجل الإمام الخميني، أو «إمام زاده» حسب التسمية المتداولة في إيران لأبناء الأئمة.

كتبت تقريراً عقب دراسة الوثيقة في صحيفة «الوطن» الكويتية عن مقتل احمد الخميني، ورغم أن سلطات الأمن الإيرانية أصدرت بياناً نفت خلاله صحة تقريري واتهمتني بـ«العمالة لقوى الاستكبار والصهيونية»، فإن الكاتب والمحقق البارز القريب من آية الله حسين علي منتظري، عماد الدين باقي، أصدر كتاباً في إيران بعد سنة من نشر مقالي، اكّد في أحد فصوله، صحة تقريري بالاستناد إلى اعترافات أحد اعضاء عصابة الاغتيالات السياسية في وزارة الاستخبارات.

ومن ثم وصلتني رسالة من أحد أقارب أحمد الخميني الذي نقل لي تحيات وتقدير السيدة بتول ثقفي طهراني حرم الإمام الخميني، والدة أحمد، (التي انتقلت إلى جوار ربّها قبل عامين) لما قُمت به في الكشف عن ملابسات ودوافع مقتل ابنها والضالعين فيه.

ومرة أخرى، وفي صحيفة كويتية، هذه المرة «الجريدة» الغراء، أكشف عن صفحة أخرى لاعترافات سعيد إمامي بخط يده حول مقتل نجل الإمام الراحل، حجة الإسلام سيد أحمد الخميني.

وفي ما يلي أبرز ما جاء في الرسالة:

«منذ انطلاق الثورة وحتى الآن كُنت جندياً مطيعاً ومخلصاً للنظام ومقام الولي الفقيه، ولم أقُم بأي عمل دون أن استأذن المسؤولين الكبار أو دون أوامرهم. ولا أعتبر نفسي مُذنباً حيث إن كل من جرى حذفهم (قتلهم) كانوا من المرتدين أو النصابین أو المحاربين. إذ قُمنا بتنفيذ تكاليفنا الشرعية. لقد أعطاني حجة الإسلام علي فلاحيان (وزير الاستخبارات السابق وعضو مجلس الخبراء حالياً) حكم إعدام داريوش فروهر وزوجته بروانه اسكندري، باعتبارهما من المفسدين والمحاربين.

انّ احكام الإعدام بحق 29 كاتباً كانت صادرة من قبل وزير الاستخبارات ونجحنا فقط في قتل سبعة منهم... وكان فلاحيان نفسه مجتهداً بحيث أصدر بعض الاحكام بنفسه، ولكنّه كان يستفتي أحياناً بعض المراجع مثل الآيات العظام خوشوقت ومصباح ومحسني اجئي وأحمد جنتي. وحين علمنا انّ الحاج أحمد الخميني بدأ ينتقد آية الله خامنئي في مجالسه الخاصة وسعى إلى إقامة جسر مع آية الله منتظري، أبلغَنا الوزير، وهو أمر، بإخضاع أحمد الخميني لمراقبة دائمة والتنصت على مكالماته الهاتفية. هكذا اكتشفنا انّه يقوم باتصالات وتحركات هدفها النيل من مكانة المرشد خامنئي وزعزعة ولاية الفقيه... حينها أعطاني الوزير فلاحيان حكماً بحذف (قتل) الحاج أحمد، شعرت بدوار في رأسي، وبعد يومين ذهبنا برفقة فلاحيان إلى بيت آية الله مصباح لاستفتاءه حول الأمر، وكان آية الله اجئي (وزير الاستخبارات السابق والمدعي العام حالياً) والسيد بادامتشيان من قادة حزب المؤتلفة اليمينية المتطرفة عند مصباح والتحق بنا في ما بعد آية الله خوشوقت. وتم الاتفاق في نهاية الاجتماع على انّه لا يجوز الرأفة والرحمة مع خصوم الولي الفقيه... فعندئذ قرَّرنا التخلص من أحمد الخميني».

كيف؟ يشير سعيد إمامي في صفحة أخرى من اعترافاته إلى انّه وبالتعاون مع صيدلي متعاون مع وزارة الاستخبارات قام بدس سموم بطيئة التأثير في أدوية مستوردة من الخارج لأحمد الخميني. وكان تأثير هذه السموم الكيماوية الإخلال بطبيعة عمل العروق والكلى وخفض درجة مقاومة الشخص إزاء نوبات وهزات قلبية.

وعند وفاة الشخص، لا يمكن العثور على هذه السموم بحيث لن يرى الطبيب الشرعي أي أمر غير عادي في جسد وعروق المُتوفَّى كي يثير شكوكه حول اسباب وفاته.

إن الثورة في إيران لم تكتف بقتل وابتلاع أبنائها، بل إنّ قادتها ايضاً وقعوا ضحية الثورة التي قادوها نحو الانتصار.

back to top