أوباما بعد عام من الرئاسة... حان الوقت ليعتمد الصرامة

نشر في 21-01-2010
آخر تحديث 21-01-2010 | 00:01
No Image Caption
فشل أوباما في التعامل مع الأعضاء المسرفين في حزبه سيكلّفه سياسياً، فشعبيته تتراجع، ومن المرجّح أن يخسر في انتخابات منتصف الولاية التي ستجرى في نوفمبر أغلبيته الساحقة في مجلس الشيوخ.
 إيكونوميست كم يبدو بعيداً ذلك الصباح الصافي والقارس البرودة حين ملأ مليونا شخص متنزه National Mall من مبنى الكونغرس إلى نصب واشنطن التذكاري للاستماع إلى حديث الرئيس الجديد عن انتصار الأمل على الخوف ووحدة الهدف على الخلاف والشقاق. على غرار جورج واشنطن، تعهّد هذا الرئيس مستحضراً أيام حرب الاستقلال القاتمة، بأن يخرج الأميركيون تحت قيادته لمواجهة الأخطار المشتركة. لكن بعد مضي عام، كيف أبلى؟   

بحسب تقديرنا لم يكن أداؤه سيئاً جداً، ففي الأشهر الاثني عشر الأولى له في منصبه، حرص أوباما على الحفاظ على الاستقرار الاقتصادي؛ يوشك على تأمين الرعاية الصحية القليلة التكلفة لكل مواطن أميركي تقريباً؛ وأنهى حقبة التعذيب؛ ويواصل الحرب في أفغانستان بلا هوادة وينسحب تدريجياً من العراق؛ ولعل الأهم بين كل ذلك أنه بدد معظم سحابة الكراهية والخوف التي رأت بلدان كثيرة في العالم الولايات المتحدة عبرها خلال عهد جورج بوش.   

في العموم، قاد أوباما إدارة كفؤة ومنضبطة إنما غير تقليدية لم يشبها الكثير من الإرباك الذي لفّ العام الأول لبيل كلينتون في سدّة الرئاسة، وفي سياق لا يقل أهميةً، تبرز المسارات التي لم يسلكها، فقد قاوم أوباما مغريات الاستسلام للشعبويين في حزبه وإثقال "وول ستريت" بتنظيمات قد تخنقها، هذا وقد تجنب فرض ضرائب جزائية على المستثمرين الذين ينعشون الاقتصاد، وتجاهل حتى نداء الحمائيين المغري، باستثناء التعرفة الغبية على الإطارات الصينية الرخيصة. باختصار، ما الذي لا يثير الإعجاب؟

هو أمر واحد إنما في غاية الأهمية، وهو السبب وراء ضرورة الحد من معظم الإنجازات المذكورة أعلاه. غالباً ما ظل أوباما فوق الخلافات، وحرص حرصاً شديداً على أن يكون محبوباً، وكان مستعداً للقيام بما يعزز شعبيته اليوم وإرجاء المسائل الصعبة لوقت لاحق. وبعيداً عن تنفيذ ما وعد به في خطاب تنصيبه المشجع، لم يكن صارماً بما يكفي. لذلك سيُضطر إلى مواجهة عواقب أخطائه في عامه الثاني من ولايته الرئاسية.  

أداء أفضل كان منتظراً

محلياً، يفسّر تردد أوباما الخطير سبب كون قانون الرعاية الصحية- الذي يبدو مرجحاً اليوم إقراره، وهو أمر إيجابي أكثر منه سلبياً بالنظر إلى كل شيء- لايزال يشكّل خيبةً كبيرة. صحيح أنه يوفّر الرعاية لعشرات الملايين من الأميركيين الذين يفتقرون إلى التأمين، ولكثيرين ممن يخشون مواجهة تلك المشكلة في حال فقدوا وظائفهم، إلا أنه باهظ الثمن، ولا يتخذ سوى خطوات مترددة في المسار الضروري لضبط التكاليف. تهدد تكاليف الرعاية الصحية المرتفعة بشكل ثابت بإفلاس الحكومة الفدرالية بأسرها، لذلك من المأساوي ألا يكون الإصلاح الأشمل في نظام الرعاية الصحية منذ أجيال كافياً لمعالجة هذه المشكلة. لكن للأسف هذا بالضبط ما قد يتوقع المرء حصوله إن أوكل الرئيس مهمة وضع التفاصيل للأعضاء الديمقراطيين في الكونغرس، ولا يكاد يحظى بدعم الجمهوريين الذين يقرّون بأنهم يتقصّدون الإعاقة حول مسائل مثل إصلاح نظام العطل والضرر، ولايزال بعيداً بشكل تسلّطي عن معظم المسار.

يُشار إلى أن فشل أوباما في التعامل مع الأعضاء المسرفين في حزبه سيكلّفه سياسياً، فشعبيته تتراجع، ومن المرجّح أن يخسر في انتخابات منتصف الولاية التي ستجرى في نوفمبر أغلبيته الساحقة في مجلس الشيوخ. في هذا الإطار، يجادل بعض النقّاد بأنه عوضاً عن التركيز على الرعاية الصحية، يجدر به تسليط الاهتمام على الوظائف لأن معدل البطالة أعلى بنقطتين من ذروة الـ8% التي توقعها. يبدو ذلك غير عادل. شكّلت مسألة الرعاية الصحية الجزء الأساسي من حملته ومشكلةً كان على الولايات المتحدة معالجتها، لكن ما أخاف الناخبين هو التكلفة الكبيرة لخطة إصلاح هذا النظام، وفكرة أن أوباما غير قادر على إيجاد حل للعجز.  

يحق لهم أن يقلقوا، إذ يُتوقّع أن يبلغ الدين الوطني بحلول عام 2015 معدلاً يحدث اضطراباً في السوق، وهو 12 تريليون دولار أميركي الذي يفوق بمرتين ما كان عليه حين تسلّم أوباما زمام الرئاسة. لذلك كان من المنطقي أن تضخ الحكومة المال في الاقتصاد في عام 2009، لكن على أوباما أن يظهر هذا العام كيف ينوي حل مشكلة الدين. فحتّى اليوم، لم يضع حتّى مخططاً بشأن كيفية إنجازه ذلك. وبما أنه فشل في التعامل بصرامة مع الديمقراطيين في الكونغرس، الذين شكّلت شعبيتهم مصادفة جزءاً صغيراً من شعبيته، عليه اليوم أن يبذل جهوداً أكبر مع الجمهوريين.

سياسة الجزرة وحدها لا تكفي

يستطيع المرء تلمّس هذا التردد عينه في اعتماد الصرامة، أو حتى سياسة التخويف المعتدلة، في علاقات الولايات المتحدة مع الأمم الأخرى، فقد انعكس قراره الذي اتخذه بعد وقت طويل بشأن أفغانستان على مسألة الرعاية الصحية. فعبر إرساله جنوداً إضافيين، قام في النهاية بالأمر الصواب نوعاً ما، لكن بدا وكأن عدد الجنود تحدد في استطلاعات الرأي، وليس في المهمة التي بين يديه، لذلك جاء تردده المطوّل محبطاً للمعنويات.  

قام أوباما بجولة حول العالم لإظهار حسن نيته، مقدّماً يداً مفتوحة بدلاً من شد قبضته، لكن ليس لديه ما يفتخر به، باستثناء تلقي سلسلة من الصفعات، فقد ردّت إسرائيل طلبه بتجميد بناء المستوطنات. كذلك لم يفد أوباما توجهه إلى الصين من دون إيلاء مسألة حقوق الإنسان الأولوية في أجندته وتعامله بفوقية مع الدلاي لاما، وذلك بالنظر إلى فشل قمة كوبنهاغن حول تغير المناخ. فضلاً عن ذلك، كان يُفترض أن يساعد التعاون بين مجموعة الاثنتين (G2) في تحقيق وعد أوباما الطموح بأن تكون ولايته الرئاسية "اللحظة التي يبدأ فيها كوكبنا بالتعافي". كذلك لم تؤت إعادة إطلاق العلاقات مع روسيا أي نتيجة، وقد بدا مد يد الحوار إلى الإيرانيين خطوةً جديرة بالأهمية، لكنها لم تثمر أي نتيجة أيضاً.

 الجدير بالذكر أيضاً أن هذه المواقف السخية تجاه أعداء الولايات المتحدة تتزامن بشكل سيئ أيضاً مع مقاربة أكثر خشونةً لردع دول حليفة مثل اليابان، وبريطانيا، وبلدان عدّة في أوروبا الشرقية.

يخشى البعض من أن يتصرّف أوباما دوماً كاختصاصي اجتماعي، وليس كقائد عسكري. لم يصل إلى البيت الأبيض لكونه لطيفاً فحسب، إنما لكونه جريئاً وغالباً في مواجهة مواضيع شائكة بشكل مباشر، لذلك لم يفت الأوان بعد لكي يصبح أكثر صرامةً. قد يساعده في ذلك تناول موضوع الميزانية في رسالته الموجهة في خطاب الأمة بشكل صارم، واليوم بعد أن نقلت الإدارة أولوياتها من التحاور مع إيران إلى فرض عقوبات، قد يتمكن أوباما من تطبيق سياسة العصا إنما ليس الجزرة. وهكذا يُتوقّع أن يلتقي الدلاي لاما، حتى أنه قد يفرض قانوناً حول تغير المناخ عبر الكونغرس إن كان يستطيع معرفة حسنات عقد صفقات بتأييد الحزبين مجدداً. لكن ذلك سيكون أكثر صعوبةً من أي شيء آخر قام به في عامه الأول.

back to top