لإيران مخططات في العراق

نشر في 21-02-2010
آخر تحديث 21-02-2010 | 00:01
يسعى أولئك الذين يعملون في بغداد لمصلحة إيران بشكل حثيث إلى إفساد الانتخابات العراقية، فهم يريدون استبعاد القادة السُنّة من الحكومة المقبلة، والتحالف مع الشيعة العراقيين في كتلة سياسية واحدة، وطرد القوات الأميركية، وإنشاء حكومة في بغداد تابعة لطهران.
قال نائب الرئيس جو بايدن أخيراً للاري كينغ إن العراق "قد يكون أحد أعظم إنجازات هذه الإدارة". إن وضعنا محاولة بايدن الواضحة لنيل الفضل عن سياسات إدارة بوش جانباً، يجدر طرح السؤال التالي: ماذا تعني إدارة أوباما بالنجاح في العراق؟

يقول بايدن مردداً تعليقات الرئيس أوباما في معسكر لوجون في فبراير 2009: "ستشهدون حكومة مستقرة في العراق تتحرك فعلياً لتصبح حكومة ذات تمثيل شعبي". لكنه قال أيضاً: "ستشهدون عودة 90 ألف جندي أميركي إلى الوطن في نهاية الصيف"، مردداً التصريح الوحيد الذي أدلى به الرئيس حول العراق في خطاب "حالة الأمة" الشهر الفائت: "وعدت بإنهاء هذه الحرب، وهذا ما أقوم به بصفتي رئيساً".

تكمن المشكلة في أن التقدم في العراق ليس أمراً أكيداً كما يفيد بايدن. يواجه العراق أزمةً سياسية ودستورية بينما تفصله أسابيع عن موعد أهم انتخابات سيجريها في تاريخه. في المقابل، يسعى أولئك الذين يعملون لمصلحة إيران بشكل حثيث إلى إفساد هذه الانتخابات، فهم يريدون استبعاد القادة السُنّة من الحكومة المقبلة، والتحالف مع الشيعة العراقيين في كتلة سياسية واحدة، وطرد القوّات الأميركية، وإنشاء حكومة في بغداد تابعة لطهران.

لايزال النجاح ممكناً، لكن فقط في حال تخلّت إدارة أوباما عن لهجتها خلال الحملة الرئاسية بـ"إنهاء هذه الحرب" والتزمت بمساعدة العراقيين على بناء حكومة ذات تمثيل شعبي، وخاضعة للمحاسبة، وعادلة. على الإدارة أيضاً إنشاء روابط أمنية على المدى الطويل بين دولتينا، بما فيها مواصلة نشر القوات الأميركية العسكرية في العراق إن رغب العراقيون في ذلك.

ستجد أسئلة أساسية كثيرة إجابات لها هذا العام بشأن كيفية حكم العراق بطريقة ترسم تطوره لعقود؛ هل ستكون الانتخابات حرة، عادلة، وشاملة؟ وهل سينتخب الشعب كله في النهاية قادة يشعرون بأنهم يمثلونه؟ وهل سيحدث انتقال سلمي للسلطة؟ وما شكل العلاقة بين الحكومة المركزية والحكومات في المحافظات؟ وما الدور الذي سيؤديه الجيش في النظام السياسي المتطور؟ وهل تدقق إيران في المرشحين السياسيين العراقيين؟ وما العلاقة التي ستربط الولايات المتحدة بالعراق على المدى الطويل؟

يبدو أن طهران تعرف الأجوبة التي تريدها في ما يتعلق بمستقبل العراق. في عام 2009، عمل المسؤولون الإيرانيون، بمن فيهم الرئيس محمود أحمدي نجاد، ووزير الخارجية منوشهر متّكي، ورئيس مجلس الخبراء آية الله أكبر هاشمي رفسنجاني، بتصيمم لإعادة بناء تحالف الأحزاب الشيعية العراقية الثلاثة الأبرز التي ترشّحت في عام 2005 ككتلة واحدة، لكنهم فشلوا في مسعاهم حين رفض رئيس الوزراء نوري المالكي الانضمام إلى التحالف.

عندئذ مارس الإيرانيون ضغوطا حثيثة إنما عقيمة على البرلمان العراقي لإقرار قانون انتخاب بلائحة مغلقة في أكتوبر 2009 لا يستطيع المواطنون بموجبه اختيار مرشحين معينين، ساعين بذلك إلى تعزيز سيطرتهم على الأحزاب السياسية وبالتالي على نتائج الانتخابات.

حين زار وزير الخارجية متّكي في 7 يناير 2010 العراق، أعلنت لجنة المساءلة والعدل استبعاد أكثر من 500 مرشح من الانتخابات البرلمانية المقبلة. يُذكَر أن اللجنة  تأسست في أغسطس 2003 للتدقيق في الأفراد الذين قد يشاركون في الحكومة بسبب صلتهم بحزب البعث، وتتضمن قائمة المستبعدين بعض أبرز القادة السنّة الذين ترشّحوا في لوائح تتخطى الطائفية.

من جهته، ساعد أحمد الجلبي، عضو بارز في اللائحة الشيعية المدعومة من إيران، في استصدار قرار الحظر عبر اللجنة، وكذلك فعل علي فيصل اللامي. اعتُقل هذا الأخير في عام 2008 بسبب تخطيطه هجوماً نفّذته الجماعة التابعة لإيران في العراق "عصائب أهل الحق" التي قتلت ستة عراقيين وأربعة أميركيين في مدينة الصدر. فاستأنف الأفراد المتبقون في الجماعة أنشطتهم العسكرية بعد وقف لإطلاق النار دام سنة، وذلك عبر اختطاف مقاول أميركي في 23 يناير. مع ذلك، ترشح الجماعة أشخاصاً مثل اللامي لمقاعد برلمانية.

لا شك أن السياسة ليست دائرة النفوذ الوحيدة لإيران في العراق، فقد انتهكت القوات المسلحة الإيرانية السيادة العراقية مرتين على الأقل في عام 2009: أسقطت القوات الأميركية طائرة إيرانية من دون طيار في الأراضي العراقية في مارس 2009، وتباهى الجنود الإيرانيون بالاستيلاء على بئر نفط عراقية في ديسمبر 2009 مع استكمال العراقيين جولةً من العروض النفطية الدولية.  

في مقابل هذه الحملة الإيرانية المتواصلة من التدخل، والتهديد والتآمرات السياسية، لم تقدّم إدارة أوباما سوى دعم معنوي. بالمعنى العملي، لم تقم هذه الإدارة بالكثير لتطبيق المظاهر غير العسكرية من اتفاقية الإطار الاستراتيجي التي تلزم الولايات المتحدة بالعراق.

في الجانب الأمني، التزمت الإدارة بحكمة بالإصرار العراقي على انسحاب قواتنا من المدن العراقية، وتنفيذ العمليات العسكرية كافة بالشراكة مع القوات العراقية فحسب، وإخضاع عملياتنا العسكرية كافة للإجراءات القانونية العراقية، وفي العموم احترام السيادة العراقية.

في المقابل، لاتزال تعتمد موقفاً علنياً معانداً إزاء انسحاب قوات القتال الأميركية وإنهاء العمليات العسكرية الأميركية كافة مع حلول شهر أغسطس من هذا العام. فُرضت تلك المتطلّبات المحددة بشكل حصري وأحادي الجانب من قبل إدارة أوباما ولم تشكّل يوماً جزءاً من الاتفاقيات الدولية بين الولايات المتحدة والعراق. لابد بالتالي من تحديد الجدول الزمني لانسحاب القوات الأميركية وتغيير مهمتها في عام 2010 وفق الظروف المستجدة على الأرض، وليس وفق مواعيد نهائية عشوائية.

من جهة أخرى، رفضت الولايات المتحدة بشكل ثابت مناقشة أي شراكة عسكرية على المدى الطويل مع العراق بعد عام 2011، على الرغم من أن الجيش العراقي لن يكون قادراً حينئذ على الدفاع عن العراق بمفرده. كذلك رفضت تماماً تعزيز مساعيها المدنية لإنجاز المهمات التي نفذتها القوات العسكرية التي تنسحب اليوم. هذا وخفّضت تمويلها المخصص لبرنامج استجابة طوارئ القادة، الذي يسمح للجيش بتأمين مشاريع "إغاثة إنسانية وإعادة إعمار طارئة"، فضلاً عن أشكال أخرى من المساعدات الإنسانية والأمنية.

على الرغم من جولات نائب الرئيس الكثيرة، نظرت الإدارة دوماً إلى النجاح على أنه انعتاق كامل من الالتزام. فاعتبر قادة عراقيون كثر اتفاقية الإطار الاستراتيجي مؤشراً إلى أن بلادهم ستبني علاقةً مميّزة مع الولايات المتحدة. لكن عوضاً عن ذلك، منحتهم إدارة أوباما كل سبب للتصديق بأن بلادهم ستكون على أفضل تقدير كأي بلد آخر في الشرق الأوسط.    

تحقق نجاح حقيقي في العراق، وتشير التوقعات كافة إلى أنه سيستمر، ومع ذلك، تواصل القوات العسكرية الأميركية أداء دور حيوي في تنمية العراق، وتشارك في عمليات حفظ السلام على طول الحدود الكردية العربية. كذلك تواصل دعم فرق إعادة الإعمار في المحافظات، وبالتالي، جزء كبير من الجهود المدنية الأميركية. هذا وتمثل الضامن النهائي للانتخابات العراقية المقبلة، وتحرص على بقاء العراق في وجه الاعتداءات العسكرية الإيرانية المتواصلة. فضلاً عن ذلك، تزوّد الولايات المتحدة بالنفوذ المستمر في مرحلة حرجة من التنمية السياسية في العراق، إن قررنا استخدامه.  

تدل تعليقات بايدن وتحركات الإدارة على أن العراق على وشك تحقيق نجاح حتّى في الوقت الذي توشك فيه القوات الأميركية على الانسحاب، لكن الواقع مختلف.

فالوضع في العراق ديناميكي ومتطوّر، ولا تستطيع الولايات المتحدة التسليم بأي نتيجة، وسيكون التدخل الأميركي الناشط ضرورياً دوماً لإنشاء حكومة ذات تمثيل شعبي، وخاضعة للمحاسبة وعادلة في العراق، لاسيما في الوقت الذي يسعى فيه أبرز القادة الإيرانيين جاهدين إلى إعاقة المسار السياسي الديمقراطي العلماني الذي يتخطّى الطائفية والذي برز في العراق منذ عام 2008.

Kimberly Kagan & Frederick W. Kagan

*كاغان، رئيسة معهد دراسة الحرب ومؤلّفة كتابThe Surge: A Military History، وفريديريك كاغان، باحث مقيم ومدير مشروع التهديدات الحرجة في "معهد أميركان إنتربرايز".

back to top