وجوه اميركية


نشر في 07-06-2009
آخر تحديث 07-06-2009 | 00:00
 محمد سليمان قبل نهاية الحرب العالمية الأخيرة زار الرئيس الأميركي روزفلت منطقتنا واستقبل العاهل السعودي الملك عبدالعزيز على ظهر سفينة حربية أميركية وحدثه عن المعاناة التي لقيها اليهود على يد الألمان ثم طلب منه الموافقة على توطين اليهود في فلسطين فاعترض الملك عبدالعزيز قائلاً: «اليهود لم يعانوا على يد العرب أو بسببهم، والعدل يجبر الألمان على دفع ثمن ظلمهم، وعلى الحلفاء معاقبة ألمانيا وتوطين اليهود في أهم جزء من أراضيها».

ودارت عجلة الزمن... فمنحنا أميركا وجه الملاك عندما أدانت العدوان الثلاثي على مصر عام 1956 وطالبت بريطانيا وفرنسا وإسرائيل بالانسحاب الفوري من الأراضي المصرية. ثم غضبنا ورسمنا لأميركا وجهاً شيطانياً عندما ساندت إسرائيل في حربي يونيو 1967 وأكتوبر 1973.

كنت شابا عندما زار مصر الرئيس الأميركي الأسبق ريتشارد نيكسون وحظي باستقبال أسطوري من حشود المصريين الذين تخيلوه منقذا آتيا من البعيد بحل عادل للصراع العربي الإسرائيلي وبحل حاسم آخر لمشاكل مصر الاقتصادية. ثم كانت معاهدة «كامب ديفيد» التي وقعت قبل ثلاثة عقود برعاية الرئيس الأميركي كارتر، وأحاديث رجل الشارع المصري عن الخير الأميركي القادم وعن الأميركيين الطيبين الذين قرروا أخيراً إحلال سلام عادل في المنطقة ومساعدة شعوبها على الخروج من دوائر الفقر والتخلف.

ودارت عجلة الزمن دورة أخرى... فتعثرت مسيرة السلام ولم يحل الحل العادل الذي تحدث عنه السياسيون ولا بوادر الرخاء، وبعد انتهاء ولاية الرئيس بيل كلينتون أعلن خلفه الرئيس جورج دبليو بوش أن قضية الشرق الأوسط ليست في مقدمة اهتماماته لأن سلفه أهدر الكثير من الجهد والوقت لمساعدة مَن لا يريدون السلام أو مساعدة أنفسهم. وكان لهذا الإعلان أثره السلبي على العرب والفلسطينيين الذين أحبطهم انشغال الإدارة الجديدة عن قضيتهم الكبرى. ثم تغير كل شيءبعد أحداث سبتمبر عام 2001، وإعلان الحرب على الإرهاب وغزو أفغانستان ثم العراق، وشيوع الحديث عن صراع الحضارات، وبروز سياسة البطش والتهديد، وتقسيم دول المنطقة إلى أخيار وأشرار، ثم الترويج للفوضى الخلاقة التي ستساعد الشرق الأوسط على بلورة وجهه الجديد، ونسيت أميركا أن المنطقة معبأة بالأديان وبالتاريخ والتراث، وأن هذه الفوضى ستضرم النيران وتوقظ تيارات التشدد والفتن الطائفية والعرقية وتخلف أنهاراً من الدم وملايين من الضحايا والمشردين وشعوباً تكره أميركا وتحملها مسؤولية الخراب والدمار، خصوصاً بعد فشل إدارة بوش في إنجاز وعدها بإنهاء الصراع العربي الإسرائيلي ومساعدة الفلسطينيين على إقامة دولتهم. منذ البداية وقفت إسرائيل بيننا وبين أميركا ووجهت علاقتنا بها. وأذكر هنا بالرئيس نيكسون الذي اصطف بسطاء المصريين قبل خمسة وثلاثين عاماً على جانبي طريق القاهرة-الاسكندرية الزراعي للترحيب به وبكتابه «نصر بلا حرب» الذي تحدث فيه عن علاقة أميركا الخاصة بإسرائيل قائلاً: «إن التزامنا ببقاء إسرائيل هو التزام عميق فنحن لسنا حلفاء رسميين، وإنما يربطنا شيء أقوى من أي قصاصة ورق... إنه التزام معنوي لم يُخل به أي رئيس في الماضي أبداً وسيفي به كل رئيس في المستقبل.»

وهذا الالتزام ضيَّق أحيانا المسافة بين الوجهين الأميركي والإسرائيلي، وأحبط العرب الذين حلموا بدور أميركي عادل ونزيه وأقل انحيازاً إلى الجانب الإسرائيلي وأقرب إلى الموضوعية. وقد أنعش الرئيس باراك أوباما هذا الحلم بخطابه البليغ الذي وجهه للعالم الإسلامي من جامعة القاهرة عندما أعلن أن أميركا لا تحارب الإسلام أو المسلمين ولا تسعى للبقاء في أفغانستان أو العراق، وأنها دُفعت دفعاً إلى محاربة التطرف والإرهاب بعد أحداث سبتمبر 2001، وعندما تحدث عن ضرورة وقف الاستيطان الإسرائيلي في الأراضي الفلسطينية والالتزام بحل الدولتين وطي صفحة الماضي وإعمال قيم التعاون والتسامح والحوار واحترام الآخر والانشغال ببناء المستقبل.

وقد نجح أوباما رغم التزامه بكل ثوابت السياسة الأميركية في إزاحة القلق والتوتر واستطاع، كما يقول رجل الشارع المصري، «أن يطيب خواطر الناس»، وأن يفجر مرة أخرى إعجابهم بأميركا الشابة القادرة على التغيير وانتخاب رئيس جديد لها من أصول إفريقية، وسيظل الناس على ما أظن لشهور عدة مقبلة يتحدثون عن خطاب أوباما منتظرين ترجمة الأقوال إلى أفعال لكي يعيدوا رسم وجه أميركا وتلوينه.

* كاتب وشاعر مصري 

back to top