طريق الامل

نشر في 16-07-2010
آخر تحديث 16-07-2010 | 00:01
 أحمد مطر ظهر منشور غير سياسي، أهملته السلطة، وطاردته الجماهير المسحوقة، الجماهير التي ابتُليت بحاكم جائر لا يعرف الرحمة، الجماهير التي تبتهل إلى الله، ليل نهار، أن يخلّصها من ظلمه، وأن يزهق أنفاسه ليحفظ الدين والحرث والنسل.
المنشور واضح جداً لكن مصدره غامض جداً. الجماهير الطيبة المسحوقة يكفيها الجانب الواضح، عليها أن تقطف العنب لا أن تقتل الناطور، فالقتل يجب أن يُوجّه إلى هدف آخر، هدف محدّد، بثمن محدّد: (أقتل أمك واقبض مليون دينار).


الشروط:

1 - أكتب مئة نسخة من هذا المنشور ووزّعها على الآخرين، على أن تثبت بالأدلّة القاطعة أنّك وزّعتها.

2 - سلّمْ جثّة أمك خلال أسبوع واحد من تقديم الطلب، على أن تثبت بالأدلّة القاطعة أنّها أمّك وليست امرأة أبيك.

3 - عليك أن تثبت بالأدلّة القاطعة أنّك قتلتها بجهدك الذاتي من دون مساعدة من أحد.

4 - يُشترط أن يكون القاتل ذكراً بالغاً.

5 - يوضع مبلغ مكافأة في حساب المتقدّم للقتل، على أن يصرف بعد أسبوع من تاريخه، وفي حالة انتهاء المدّة من دون أداء المطلوب يوقف صرف المبلغ.

6 - مدة العرض ستة أشهر فقط.


حوافز:

- القاتل الأسرع ينال مكافأة إضافية قدرها ربع مليون دينار.

- صاحب الأم الشابة يتلقّى كأس «المهد الذهبي» ووسام عيد الأم.

- تقدَّم الطلبات إلى مؤسسة «طريق الأمل» جادّة الهزل - شارع الوسواس.

(مناظر من خارج المؤسسة)


- ما لي أراك مطرقاً؟

- بالي مشغول بهذه الحكاية. إنها والله كوميديا سوداء. في آخر الزمان يأتيك مَن يدفع لك مليون دينار لتقتل أمّك!
 - إنها حكاية تتلف المخّ حقاً.
 - تتلف المخّ والقلب والأذن والحنجرة. آخر زمن... يأتي الأوغاد ليقدموا لك مثل هذا العرض العجيب. لعنة الله على شيطانهم. أين كان أولاد الكلب هؤلاء عندما كانت أمّي على قيد الحياة؟!


 - لم نرك منذ زمان يا صديقي.
- مشغول. الوقت يتبخّر. العمل والأولاد، وحاجات ست البيت، ومحاولات قتل الوالدة أطال الله عمرها.

- ألم تقتلها بعد؟

- أنت لا تدري كم هي شيطانة. إنها تنام وتُبقي عينيها مفتوحتين.


 - أنا أبكي لأنّ بيني وبين البلوغ سبعة أشهر، فلماذا تبكي أنت وقد بلغت الخامسة والعشرين؟!

- أبكي لقلّة بختي.

- هل هَرَبتْ؟

- ليتها فعلت ذلك. قتلتها بلا فائدة.

- بلا فائدة؟ كيف؟

- بعد أن أغمدت السكّين في صدرها، حشرجت وهي في النزع الأخير، وكأنها بكرة منسية من فيلم عربي قديم: (قبل أن أقابل ربّي... ثمة سرّ أريدك أن تعرفه...).

- وتبيّن أنّها ليست أمّك؟

- ولا أمّ كلثوم.

- لعنة الله على الشيطان.


- يا إخواني.. الوالدة عزيزة صح، لكن ألا ترون أنّها على طريق الهلاك؟
 - لا والله إنّها على (طريق الأمل).
- ولمَ لا؟ لقد تجاوزت الثمانين فماذا تريد أكثر؟ ثم أن جسدها ضاق على الأمراض. أمراضها صارت تعمل بنظام المناوبة. لقد سمعتها تدعو ملك الموت ليخلّصها من شقائها ويخلّصنا منها. عيب يا إخوان كل هذه الشوارب وأمّنا تدعو غريباً لكي يقبض روحها؟ عيب يا إخوان نحن أولى بأمّنا.

- دعنا نفكر.

- الوقت من ذهب يا إخواني. ربّما جاء أجلها قبل انتهائكم من التفكير.

- إننا نفكّر... بأيّ سلاح سنقتلها؟
 - إلعنوا الشيطان يا جماعة، الوالدة ضعيفة وفي حكم الميتة. أخنقها لكم بالمخدّة.


- هذا ما أسميه النحس المركّب!

- نحس مَن؟

- عدنان لم أرَ شخصاً منحوساً مثله.

- أيّ نحس؟ إنّه وحيد أمّه. وهي مليونيرة.

- هنا المصيبة فلولا ذلك لقتلها وفاز بالمكافأة.

- لكنه سيفوز بأكثر منها من دون حاجة الى قتل أمّه، فتركتها كلّها ستؤول إليه في النهاية.
- لقد مات عدنان أمس في حادث سير.

- ملعون لأبو الشيطان. إنّه حظ عاثر حقًا.


- لن أقتل أمي لو أعطوني الشمس والقمر.

- منتهى العقل.

- نعم فالعاقل يسأل قبل كلّ شيء عن جدوى ما يفعله. حسناً... تقتل أمّك فيعطونك مليون دينار فتضعه في البنك لكن أين يمكنك وضع الشمس والقمر؟

- يا للشيطان!


(مناظر من داخل المؤسسة)


- نأسف لقد تأخرت خمس دقائق.

- أخصموها من المكافأة.

- لا تلعب معنا يا ولد. الشروط هي الشروط.

- المواصلات هي السبب.

- هذا لا يغيّر من الأمر شيئاً. نرجو لك حظّاً أفضل في مسابقة قتل الأباء.

- من أين سيأتي الحظّ الأفضل وهذا الشيطان الذي في البيت هو زوج أمّي؟


- إذن، فقد ساعدك جارك.

- ليس تماماً. حملها معي إلى أنشوطة الحبل فحسب. أمّي ثقيلة جداً، وأنا ضعيف. ضعوا مسألة ضعفي في اعتباركم. الرحمة فوق القانون.

- ليس هذا فحسب. بل وعدت جارك بنصيب من المكافأة.

- حق الجار على الجار يا جماعة. النبي وصّى على سابع جار.

- نأسف، هذا إخلال بالشروط.

- والحلّ؟

- ثمة حلّ واحد. إمشِ يميناً، ثم انحرف يساراً، تجد الباب أمامك مباشرة مع السلامة.

- أنتم شياطين.

- شكراً، انصرف الآن ودعنا نعمل.


 - قضيّتك قيد الدرس. طلبنا منك أن تنتظر لماذا عدت إلينا ثانية؟

- لكنكم لم تقابلوني بعد!

- بل قابلناك. رجاءً... إذهب إلى غرفة الانتظار ريثما ننتهي من دراسة قضيّتك.

- ثمة التباس يا جماعة. لا بدّ من أن تكونوا قد خُدعتم بأخي التوأم. لقد سرق هويتي.

- أخوك التوأم؟!

- نعم يا جماعة. أنا الذي قدّمت الطلب، وأنا الذي قتلت أمّي الحبيبة رحمها الله. أنا القاتل الحقيقي.
- لحظة واحدة... ما اسمك؟

- شريف

- واسم أخيك؟

- أشرف.

- تشرفنا. أنت ولد طيب. نشكرك على هذا الإيضاح، وسنقدم لك كأس «المهد الذهبي» بصفة استثنائية تقديراً لأمانتك.

- إذن، لن تكون المكافأة من نصيب أخي...

- ولا من نصيبك، لأن أخاك ليس القاتل الحقيقي، ولأنك تأخرت عن موعد التسليم.

- يا أولاد الأبالسة!


(منظر من الخارج والداخل)


الشيطان يشدّ قرنيه غاضباً: أعوذ بالله من الإنسان اللئيم. هؤلاء الناس أصابوني بالغثيان.

ماذا يريدون منّي؟ اللعنة قائمة عليّ في كلّ مكان. لماذا يلعنني هؤلاء العضاريط؟ ماذا فعلت؟ هل قتلت أمي لا سمح الله؟!

back to top