صمت العرب ليس بديلاً عن صوغ سياسة تجاه إيران المضطربة

نشر في 31-01-2010
آخر تحديث 31-01-2010 | 00:01
تخشى دول الخليج عموماً أن يولّد نفوذ إيران المتنامي وتصميمها على مواصلة برنامجها النووي نتيجتين مريعتين: حرب إقليمية أو صفقة كبرى مع الولايات المتحدة قد تخضع مصالحها لهيمنة إيرانية في المنطقة.
 ذي ناشيونال يحق للعالم أن تنتابه الحيرة بشأن كيفية رسم الانتفاضة الشعبية في إيران مستقبل البلاد، فالنزاع الذي يزداد عنفاً بين المعارضة المنشقة ونظام مستبد يبدو غامضاً ومعقداً وتحيطه الشكوك.

الملموس من البلدن العربية المجاورة لإيران هو صمتها، فضلاً عن رفضها المبدئي التعليق على الشؤون الداخلية لدولة أخرى، وعن ارتياحها غير المُعلن لرؤية النظام الإيراني يُستجوَب من الداخل، فإن رفضها يُبرّر أيضاً بأنه حذر سياسي وارتباك استراتيجي.   

من منظور مصالح دول الخليج، لا حاجة للانحياز إلى طرف دون آخر في هذا الصراع، لاسيما أنه من غير الواضح من سيفوز وما إذا كان ذلك سيحدث فارقاً بأي حال، وبالفعل تنظر معظم العواصم العربية إلى أن الفصائل الإيرانية تتبنى إلى حد كبير الرؤية الإقليمية عينها، وأنها تطوّر موقفاً معادياً بشدة للمصالح الخليجية.   

لكن التزام الحذر يجب ألا يستبعد إعداد الخطط الطارئة، إذ تخشى دول الخليج عموماً أن يولّد نفوذ إيران المتنامي وتصميمها على مواصلة برنامجها النووي نتيجتين مريعتين: حرب إقليمية أو صفقة كبرى مع الولايات المتحدة قد تخضع مصالحها لهيمنة إيرانية في المنطقة، وهكذا ركّزت الدبلوماسية الخليجية في الآونة الأخيرة اهتمامها على محاولة تجنب هذين المستقبلين، على الرغم من عدم أرجحيتهما.

لكن الحركة الخضراء هي الجزء الأساسي من السياسة الإيرانية اليوم، لذا حان الوقت لمعرفة إن كان نجاحها المحتمل قد يؤثّر في إيران وأمن الخليج معاً.

على الرغم من أن إيران تغرق أكثر فأكثر في اضطراباتها الداخلية، فإن سياستها الإقليمية لم تتغير. من أجل التصدي لشعارات احتجاجية مثل "لا غزة، ولا لبنان، حياتي فدىً لإيران"، أكد النظام قدماً على قوته الإقليمية لتبرير سياسته الخارجية العدائية، فقد عطل النزاع الداخلي الاتفاق بشأن الأسلحة النووية في جنيف، لكنه لم يؤثر في مسارها النووي.

قد تسبب الاضطرابات في إيران المزيد من المشاكل في المنطقة على المدى القصير، وقد يبحث محمود أحمدي نجاد والحرس الثوري في الخارج عن التبريرات المُنكرة عليهما محلياً، ويتبنيان الخطاب حول اتحاد الإسلام، ويجدان نفسيهما مجبرين على قتال أعدائهما المفترضين على أراض أجنبية. أعلن أحمدي نجاد لتوه أن إيران ستزيد تخصيب اليورانيوم، آملاً استغلال مخزون القومية الإيرانية. فالغضب الإيراني ينذر بمشاكل، ومن شأن الضغط العسكري الأميركي أو الإسرائيلي، حقيقياً كان أم مفترضاً، أن يفاقم الأمر مع ارتداد آثاره في المنطقة برمتها.

لكن على دول الخليج النظر في احتمال آخر أيضاً، وهو فوز "الحركة الخضراء" على المدى المتوسط. قد يرحّب الغرب بأي تغيير في النظام، لكن ثمّة خطر من أن تعتق فترة الوئام هذه إيران من موجباتها. يعتقد بعض المحللين الغربيين أن العالم يستطيع التعايش مع دولة إيرانية علمانية تمتلك أسلحة نووية.

فضلاً عن ذلك، من المحتمل أن تبقي أي حكومة جديدة في طهران بدايةً على السياسة الخارجية المعتمدة راهناً، فلا شيء حتى يضمن أن حكومة ديمقراطية ستغير سياسة دعم "حزب الله" أو "حماس" التي توفر لإيران النفوذ الإقليمي الضروري. لكن قد يغدو من الصعب الاستمرار في تخصيص الاهتمام والموارد لهذه المجموعات حين يبدي الإيرانيون امتعاضهم من مثل هذا الدعم المكلف. في النهاية، سيكون للمحركات الداخلية وليس الضغط الخارجي الأثر الأكبر على علاقة إيران بالمجموعات التابعة لها وحلفائها الإقليميين.  

لذلك على الدول العربية التركيز قدماً على الشكل المحتمل لأي علاقة طبيعية مع إيران، وذلك لتفادي أي نتيجة غير مرضية. بما أن الولايات المتحدة هي المهندس الأكبر للخطة الأمنية في الخليج لوقت طويل، فلا يوجد تفاهم أو تفاعل واسع بين الدول الخليجية، لذلك لن تستطيع هذه الدول صياغة بيئتها الاستراتيجية إلا عبر التحرك الاستباقي والبناء.  

ويجب أن يكون الهدف من ذلك تحديد الأطر الواسعة لأي اندماج إيراني في المنطقة وطمأنة طهران في الوقت عينه بأن مصالحها الحيوية سيتم التعاطي معها. وأفضل نموذج على ذلك هو اتفاقية الصداقة والتعاون الخاصة باتحاد دول جنوب شرق آسيا، التي تجسد مبادئ السيادة وعدم التدخل، فلا أحد في الخليج يرغب في أن تشكك إيران في سيادة البحرين بعد اليوم.

في إطار هذه العملية المشتركة لحل المشاكل، لابد من الأخذ في الاعتبار وجود القوات العسكرية الأجنبية في الخليج. من جهتهم، يقول الإيرانيون إن هذا سبب لانعدام الاستقرار في المنطقة يتعين التخلص منه، لكن دول الخليج تصر على أن وجود القوات الأجنبية على أرضها هو مسألة سيادة ويشكل جزءاً من وضعيتها الأمنية.    

لكن في الوقت نفسه، على هذه الدول توسيع مبدأ الأمن الجماعي، وطرح أفكار للتوصل إلى ترتيبات أمنية توجد موجبات وشفافية مشتركة. تستطيع بالتالي الاقتباس عن مجموعة مركبة من اتفاقيات عدم الاعتداء، واتفاقات القوات التقليدية في أوروبا خلال الحرب الباردة التي ساعدت على إبقاء التعزيزات العسكرية تحت السيطرة.  

من ناحية أخرى، لابد من أن يتمثل العنصر الجوهري في مثل هذه الخطة في إنشاء منطقة خالية من الأسلحة النووية في الخليج. فضلاً عن ذلك، ولقاء قبول إيران فرض إجراءات وقائية وقيود على برنامجها النووي، ستحصل دول الخليج من حلفائها على التزام بعدم نشر أو استخدام أسلحة نووية في الخليج، وسيتطلب الأمر أيضاً توقيع اتفاقية للحد من انتشار الصواريخ.

من غير المرجح أن تذعن حكومة إيرانية أكثر ديمقراطيةً لطلب الإمارات العربية المتحدة باللجوء إلى محكمة العدل الدولية للفصل في النزاع حول الجزر الثلاث أبو موسى وطنب الصغرى وطنب الكبرى، لكن أي موقف مشترك يصدر عن مجلس التعاون الخليجي قد يتيح لإيران ترسيماً شاملاً للحدود في حال قبلت بذلك.

في النهاية، سيزداد نفوذ الخليج ويتحقق الاستقرار فيه حين يعد بتعزيز العلاقات الاقتصادية المتبادلة. في هذا الإطار، تستطيع دول الخليج تأمين رؤوس الأموال والمهارات الضرورية لتحديث اقتصاد إيران، لا سيما في جنوبها المهمَل. فمن مشاريع المياه إلى اتفاقات الوقود فالاستثمارات في المجال البتروكيماوي، لدى الخليج الكثير لتقديمه لدولة إيرانية أقل اضطراباً وأكثر اهتماماً بشؤونها الداخلية.

* إميل الحكيم | Emile Hokayem

back to top