الاختزال الفني يفتح الحديث على مصراعيه أزمنة متصارعة وإسقاط سياسيّ في رواية مسك

نشر في 02-04-2010 | 00:00
آخر تحديث 02-04-2010 | 00:00
ناقش «ملتقى الثلاثاء» في جلسته الأسبوعية رواية «مسك» الصادرة عن «دار مسعى للنشر} في الكويت (2009) للروائي اسماعيل الفهد، شارك في النقاش الروائيان إبراهيم فرغلي وعبد الرحمن حلاق وقدما ورقتين نقديتين، فيما أدار اللقاء الشاعر محمد النبهان.

قدم الكاتب علاء الجابر مداخلة شفهية اختزلت الحدث وفتحت الشهية للحديث، قال: «أشعر بمشكلة إزاء هذا النص، لم استطع استيعابه كعمل روائي، لم يكن الفهد موفقاً بتحويل العمل من قصة قصيرة إلى رواية».

بالطبع أشار الجابر هنا إلى ما تحدث عنه الشاعر محمد النبهان في افتتاح الأمسية من أن «مسك» كانت في البدء قصة قصيرة، ثم ارتأى الفهد تحويلها إلى رواية لما فيها من نفس روائي.

تأتي إشكالية «مسك» التي «شرّحها» «ملتقى الثلاثاء» في جلسته الأسبوعية من جانب واحد، يتمثل في الاختزال الشديد في الأسلوب والمضمون والشخصيات الذي شكل محوراً أساسياً في دراسة الروائي إبراهيم فرغلي استشف فيها جوانب «ذكية» في أسلوب الكاتب، مشيراً إلى أن هذه الرواية تأتي ضمن اتجاهات حديثة، تجلت خلال ستينات القرن الماضي في مجالي الفن التشكيلي والموسيقى، تمثلت بتقليل عناصر اللوحة التشكيلية أو القطعة الموسيقية وتحويلها إلى صرعة حداثية عُرفت «بالمينيمالزم».

اتخذ فرغلي من هذا المنهج منطلقاً لدراسة الرواية متوقفاً عند الشخصيات والمضمون، ثم المكان واللغة التي رآها فرغلي بطلاً آخر من أبطال الرواية، إذ تتجلى فيها أبرز جوانب الاختزال واللعب الأسلوبي اللذين يولّدان جملاً شاعرية وغموضاً، يستعصي على من لم يتعوّد هذا الشكل من أشكال التجريب.

رواية قصيرة

قدم الناقد د. أيمن بكر مداخلة نقدية مهمة تتقاطع مع ما أشار إليه فرغلي من مصطلح «مينيمالزم»، مفضلاً استخدام مصطلح «رواية قصيرة»، لأنه الأنسب للرواية، على رغم شحّ استخدامه في العالم العربي، مؤكداً أن الخوض في المساحة الزمنية للعمل ومستوى عمق الشخصيات يحلّ كثيراً من جوانب تصنيف العمل ويفتح آفاقاً جديدة للتأويل، لذا شدد بكر على ضرورة أن يتوصّل جهد تقنيات السرد التحليلي إلى مسألة مهمة تتمثل في التأويل، أو ما يسمى بالقراءة التأويلية لأنها خلاصة كل عمل نقدي، تساءل: «ما الفائدة من تحليل العمل، من دون الانتهاء إلى استنتاج تأويلي، أو خلاصة فهم للأحداث والشخصيات؟».

صراع الأزمنة

توقف الروائي عبد الرحمن حلاق مطولاً في ورقته النقدية عند مسألة الزمن، مشيراً إلى ثلاثة أزمنة متصارعة داخل النص الروائي:

- الزمن المستعار لسالم.

- الزمن المستعار لرجل المسك.

- الزمن المستعار للمحقق.

أضاف أن ثمة مسائل تقنية أخرى مثل اتكاء الكاتب على راو مشارك في الأحداث يعتمد في مجمل سرده على ضمير المخاطب، حتى عندما يحادث نفسه ليعكس حالة الصراع والتشظي لذات الشخصية ضمن زمنين مختلفين.

كذلك أوضح حلاق أن الكاتب اعتمد تقنية «التناوب» كأحد أشكال السرد، إذ يتضمن الخطاب السردي سرد قصتين يتوقف خلالهما السارد عند نقطة من الحكاية الأولى ليتم الانتقال إلى الثانية ثم العودة إلى الحكاية الأولى، وهكذا إلى نهاية السرد.

تناول حلاق وفرغلي في ورقتيهما مسألة المضمنون، بدا واضحاً الإسقاط السياسي لرواية تدور معظم أحداثها في طائرة متجهة إلى أثينا، وشخصيات شرق أوسطية تثير الريبة، وتتقاطع مع مفهوم الإرهاب، وهذا ما أشار إليه فرغلي بـ «الإسلاموفوبيا»، وبات معروفاً لدى مناقشة قضية التطرف والإرهاب. كان حلاق أكثر وضوحاً حين استدعى أحداث 11 سبتمبر، مؤكداً أنها أطلقت الأسد الجريح من عرينه لمعاقبة أمم وشعوب بكاملها.

أثار إسقاط أحداث الرواية السياسي حفيظة الكاتب فهد الهندال، فأشار في مداخلته إلى أن العمق في الرواية يكمن في البعد الاجتماعي لشخصياتها وأحداثها، وليس الجانب السياسي/ الإيديولوجي في بعده الموحد. كذلك تساءل الهندال عن مرجعية مصطلح «رواية ديمقراطية» الذي استخدمه حلاق في ورقته، وهل يعني ذلك وجود رواية دكتاتورية؟

تواضع

في ختام الأمسية، ألقى الروائي إسماعيل الفهد كلمة مرتجلة أشار خلالها إلى مسألة تقنية تتعلق بأسلوب كتابته منذ البدء، وقال إن هذا الاختزال في اللغة يوقع القارئ العادي، وحتى الاختصاصي في لبس شديد ما يجعل البعض يتهمه بالغموض وعدم الإيضاح.

على الصعيد الإبداعي، أعلن الفهد أنه يعمل على رواية خماسية بدأها منذ خمس سنوات، لكنه لم يكملها حتى اللحظة، بسبب ما يستجد من أحداث وشخصيات، وقال: «فوجئت في الرواية بشخصية جريئة لم أستطع مجاراتها، ما استدعى تعطيل العمل برمته»، أضاف مازحاً: «يبدو أن الشخص عندما يكبر في السن يلتزم الحذر والخوف»،.

تابع الفهد بنبرة متواضعة: «لم أكتب نصاً أرضى عنه حتى اللحظة، لا أعلم متى يرضى الكاتب عن كتاباته»، ذلك على رغم إنتاجه الغزير ومكانته الكبيرة بين الروائيين العرب.

back to top