الحب لا تقعوا في فخّ التسرّع!

نشر في 26-11-2009 | 00:00
آخر تحديث 26-11-2009 | 00:00
من الجميل أن نشعر بالحب من النظرة الأولى! يتذكّر من اختبر هذه التجربة الانقلابات العاطفية التي عاشها بانفعال شديد. إنه شعور جارف بالسعادة وإحساس متبادل بجنون الحب وحالة من التماهي في الآخر. لكن تكمن المشكلة في كون هذا النوع من الحب حالة عابرة ومتحوّلة خلال فترة زمنية قصيرة. لا يمكن العودة إلى أرض الواقع من دون الشعور بألم وبجروح داخلية. في ما يلي معلومات مفصّلة عن الأفخاخ التي يصعب تجنّبها إذا غرقنا في حب عاصف.

لا يمكن توقّع حصول الحب من النظرة الأولى، بل يعترف به {الضحايا} بعد أن يغرقوا كلياً فيه. الفخّ الأول، اعتقادنا بأننا نؤسس لعلاقة فريدة من نوعها وطويلة الأمد مع الآخر. لكنّ ذلك لا يحصل إلا في عقولنا انطلاقاً من حاجاتنا الخاصّة، فلا ندرك أن الآخر يتمتع بشخصية خاصة به. سرعان ما تظهر شخصية هذا {الآخر} بين ليلة وضحاها، وتكون بعيدة عن الصورة المثالية التي رسمناها عنه. ما إن تزول هذه الغشاوة، لا يجد الطرفان أمامهما إلا خيارين: إما الانفصال، وإما تعلّم حبّ الآخر مع إدراك أنّ كلّ طرف كائن مختلف بحدّ ذاته.

مخاطر

يطرح الحب الشغوف مخاطر عدّة على الصعيد النفسي. عند الدخول في حالة من الحب العاصف، يصعب على العقل استعادة السيطرة على الوضع، ما يولّد اضطراباً عاطفياً كبيراً. لكن يختلف الحب الشغوف عن حالة التماهي في الآخر.

·الحب الشغوف

يربط الجميع بين الشغف والحب من النظرة الأولى. إنه حب {هستيري} تفيض فيه الانفعالات والعواطف. لذا يشكل هذا الحب شكلاً من أشكال العُصاب النفسي. قد يقود إلى تصرفات عنيفة بين طرفي العلاقة أو تجاه {أعداء} هذه العلاقة. يمكن وصف الحب الشغوف بالحب اللاعقلاني، إذ ينجذب الشخص إلى الآخر من دون أي مبرر منطقي. يتميّز الشغف بنزعة الثنائي لتضخيم الأمور إلى حدّ المأساة، أو نزعة الأطراف الخارجية إلى تدمير هذه العلاقة. الشغف حبّ يفوق الوصف لكنّ مدة حياته قصيرة: إنه حب اللامنطق.

التماهي في الآخر

تختلف بنية الحب الذي يرتكز على التماهي في الآخر. لا يعود هذا الحب إلى انجذاب غير مشروط تجاه شخص آخر، بل ينشأ من رغبة في سدّ فراغ عاطفي عبر التماهي في الآخر. بالتالي، إنه حبّ هادئ و}منطقي} أكثر من الشغف، إذ يشكّل الطرف الآخر في هذه الحالة وسيلة ضرورية لسدّ فراغ داخلي. لكن هذا الحب أيضاً شكل من أشكال العُصاب النفسي، أي اختلال التوازن بين العقل والمشاعر. بالتالي، حين يتفوّق أحد العنصرين على الآخر بشكل دائم ويدخل في صراع معه، يعني ذلك أن الفرد يعاني من عُصاب نفسي، أي تفكّك الحالة النفسية.

باختصار، الشغف نوع من العصاب النفسي بسبب فائض في المشاعر، في حين التماهي في الآخر نوع من العُصاب النفسي بسبب فائض في المنطق.

تميل مدارس علم النفس على اختلافها إلى تفسير الحب في حالاته المتنوّعة بطريقتها الخاصة. يتميّز الشغف اللامنطقي بسرعة حدوثه وبنزعته {الطبيعية} لأنه يقود إلى فائض من الأحاسيس إلى حدّ أنّ الشغف يتملّك الحالة النفسية بشكل كامل.

في المقابل، تشكّل ظاهرة التماهي في الآخر شكلاً هادئاً من الحب، لكنها تكشف عن خلل أكبر في الشخصية لأنّ مفعولها دائم. غالباً ما يخلط الناس بين الشغف والتماهي في الآخر لأنّ كلا الحالتين قد تقودان إلى تصرّفات جنونية لا يمكن السيطرة عليها (عنف، انتحار...) في حال وقوع الانفصال. صحيح أن العواقب قد تتشابه في الحالتين، لكنهما تختلفان من حيث البنية.

ثمة ثلاث طرق للخروج من حالة التماهي في الآخر. أولاً، الهروب نهائياً. ثانياً، انتحار أحد الطرفين، وهي نتيجة طبيعية لإلغاء الذات، سواء بسبب قلّة تجارب الحب أو بسبب اختلال نفسي لا يُحتمل. ثالثاً، العمل المشترك ليخرج الطرفان من هذه الحالة وليستعيد كلّ منهما شخصيّته وحياته.

من الملاحظ أنّ الشخص الذي يحاول الهروب من حالته يعاني صدمة نفسية حقيقية يجب معالجتها بمساعدة المحلل النفسي. على المريض أن يستعيد شخصيته الأصلية لإعادة بناء ما تحطّم في مرحلة الأزمة النفسية.

قد يواجه الشخص الذي يظنّ أنه قادر على سدّ الفراغ الداخلي لدى الآخر خطر الانتكاسة والانهيار كما يحصل مع الأشخاص الذين يعانون من نقص عاطفي حاد. يشكل التحليل النفسي أفضل علاج في هذه الحالة، كونه يحدد الأسباب الماضية التي أدّت إلى وصول المريض لهذه الحالة من إلغاء الذات وقبول هذه العبودية النفسية. من الضروري أن يراجع المريض علاقته مع أهله ونوع العلاقة التي تجمع بين والديه.

قد يتعلّق الشخص الذي يعاني نقصاً عاطفياً بشخصية الآخر ويعيش وفقاً لمعاييرها. هكذا تتحول {الأنا} إلى {نحن}، علماً أنّ المريض يريد دائماً التعبير عن {الأنا} عبر الـ}نحن}. قد يتطور الوضع ليتحوّل إلى انفصام مزمن في الشخصية، تحديداً عبر لوم الآخر على الإخلال بواجباته تجاه نفسه وتجاه الثنائي.

تجدر الإشارة إلى أنّ النقص العاطفي لا يقود دائماً إلى التماهي في الآخر، لكن يخفي بعض هذه الحالات مرض العصاب النفسي أو الذهان الحاد. تبيّن هذه الحالة المرضية أنّ مرض بعض الأشخاص قد يكون كامناً وقد يُكتشف فجأةً عبر العلاقة العاطفية.

شغف

ينجم الشغف عن آلية ترتكز على نقص يعيشه الفرد ويحاول سدّه عن طريق الحبيب. لكن تختلف حالة التماهي في الآخر لأن نقص الحب فيها يسبق حالة الغرام بين الشخصين. إنه نقص عاطفي فردي يقود إلى محنة حقيقية. يجب البحث عن جذور هذا النقص في ماضي الشخص المعنيّ، تحديداً في حال الغياب الجسدي و/أو النفسي لأحد الوالدين خلال الطفولة.

التماهي في الآخر حبّ لامُتماثل على عكس الشغف الذي يُعتبر تماثلياً. في النوع الأول، يكون النقص العاطفي هائلاًَ وينبغي سدّه داخلياً، في حين يشكّل النقص في النوع الثاني نزعة طبيعية تتمثّل بالاقتناع بالقدرة على سدّ هذا الفراغ.

من بين الخصائص التي تدفع الفرد إلى الاقتناع بقدرته على سدّ الفراغ العاطفي العميق لدى شخص آخر نذكر: اللطف، ضعف الشخصية، {متلازمة فارس الأحلام}، المبالغة في تقدير الحبيب نتيجةً لقلة تقدير الذات، اختلال توازن الحالة النفسية العقلية البعيدة عن المشاعر.

تنشأ آلية هذا النوع من الحب إثر مقابلة شخصين، تكون لأحدهما حاجات عاطفية ويشعر الآخر بقدرته على تلبيتها. لا بدّ من التشديد مجدداً على أنّ حجم هذه الحاجات، في حالة التماهي في الآخر، يكون هائلاً جداً ويعود إلى عوامل أخرى غير الحب. إذ يسبق النقص الذي يشعر به الفرد حالة الحب المستجدّة.

يشكّل الحب من النظرة الأولى إذاً خليطاً بين الشغف والتماهي في الآخر، وهو ما يطرح المشكلة الحقيقية.

أوهام

في حالة الحب من النظرة الأولى، لا يؤدي الحلم بالاتفاق الكامل بين الطرفين إلى ولادة رابط بينهما فحسب، بل يتعدى الأمر ذلك إلى حدّ نشوء عداوة مبطّنة. سرعان ما تصبح مواجهة الواقع تجربة أكثر {وحشية}، إذ لا بدّ من أن تمرّ كلّ علاقة حب بمرحلة مؤلمة عند انتهاء {اللحظات الوردية}! لكن يصعب إدراك الأوهام التي يعيشها الفرد في حالة الحب من النظرة الأولى.

قد يقود فخ الأوهام إلى الوقوع في فخ آخر: المبادلة الخيالية. في الواقع، لا يكون هذا التعلّق الخارق بالشريك متبادلاً في معظم الحالات. وفقاً لعلماء النفس، قد يؤدي التعلّق بكائن لا يبادلنا المشاعر نفسها إلى حالة من جنون الغرام، وهو شكل من أشكال الذهان أو الهوس الشغوف الذي يرتكز على وهم الاستئثار بحبّ الآخر. في ظلّ هذا الحب الكامل والمطلق، تبدو تجارب الماضي مبهمة وتفقد أهميتها.

حين يختفي وهم الحب العاصف، يشعر طرفا العلاقة بأنهما أهدرا حياتهما. لكن لا يكون الانفصال في هذه العلاقة أصعب بالضرورة من الانفصال في العلاقات العادية. إذ لا يتطوّر الشغف إلى حبّ ناضج يرتكز على مشاركة الحياة اليومية والتخطيط لحياة مشتركة على المدى الطويل.

باختصار، لا تقاوم شعلة الحب مسار الحياة العادية، فتنطفئ بالسرعة التي اشتعلت فيها.

استقرار

لتحويل الحب العاصف إلى علاقة مستقرة، يجب عيش التجربة العاطفية في جميع جوانبها مع إدراك أن العلاقة حالة متحوّلة ومتبدّلة مع الوقت. خلال المراحل الأولى من الحب العاصف، يبني الثنائي أسس العلاقة التي تساهم في تطوير {قصة حب حقيقية}.

ينبغي إدراك ضرورة التخلّي عن سحر التماهي في الآخر وفهم أنّ الطلب من الثنائي استعادة هذا السحر يحتّم وقوع الانفصال. يجب التركيز على تلبية الحاجات الخاصة والتوقّف عن تلبية حاجات العلاقة حصراً.

يكون داخل الأشخاص الذين يعيشون {سحر العلاقة} منفصلاً عن الخارج. لا بدّ من الخضوع لعلاج نفسي للخروج من هذه الحالة، والاحتكاك بالذات مجدداً، وإيجاد الأجوبة التي يبحث عنها المريض في داخله. لا بدّ من طلب المساعدة إذاً! لا يمكن أن يعيش الثنائي علاقة سحرية دائمة عبر العودة إلى حالة التماهي في الآخر. إنه وهم كبير يستحيل حدوثه.

قد يخفي الحب الصاعق مخاطر مبطّنة كبيرة لأن هذا الشعور ليس حبّاً فعلياً. يُجمع أطبّاء النفس على أنّ {الحبّ الفعلي} يرتكز على المفاهيم التالية: الحب لا يجب أن ينفصل عن جوهره؛ الحب هو تحقيق للذات بمشاركة الآخر؛ تحقيق الآخر لطموحاته أحد أشكال السعادة في الحب؛ يعني الحب الشعور بالسعادة عند رؤية الحبيب سعيداً؛ إذا كانت علاقة الحب قويّة، يجب عدم الاستسلام لعبودية كيان مبهم يُسمّى {الثنائي}، ولا لأي طرف من العلاقة. يجب الخروج من حالة الحب العاصف ليعبّر كلّ طرف عن شخصيته في صميم العلاقة الثنائية. هذا ما يمهّد للحب الحقيقي.

رأي الخبراء

ليس الحب العاصف خطيراً بحدّ ذاته، فهو العامل الذي يمهّد لعلاقة حقيقية. يجب احترام هذا الشعور وفهم طبيعته الفعلية، أي أنه مرحلة عابرة.

يكمن الفخ في نسيان هذا الأمر وفي التفكير بأنّ هذه المشاعر القصوى من السعادة ستدوم طوال العمر. عند مرور هذه المرحلة، يستعيد كلّ طرف حدود {الأنا} الخاصّة به ويدرك أن للآخر شخصيته الخاصة. إنها مرحلة الانفصال النفسي عن الآخر الذي يمهّد لقصة حب.

من الخطأ تشجيع الثنائي على الاستمرار بحالة التماهي هذه، كونها تولّد مشاعر بالضغط والبغض وسوء التفاهم المتبادل، فيرسم الفرد حدود الآخر ويحثّه على العودة إلى حالة {الذوبان} في الآخر. إنه فخ خطير لأن الثنائي لا يستطيع التصرّف على هذا النحو إلا لفترة محددة.

خلال حالة التماهي في الآخر، يزرع الطرفان بذور العلاقة، ثم يقرران الانفصال أو إيجاد نقاط مشتركة مع الآخر والعمل على إنجاح العلاقة بعيداً عن المشاعر الجنونية العابرة.

back to top