شطار وجوائز

نشر في 19-06-2009
آخر تحديث 19-06-2009 | 00:00
 محمد سليمان بالشطارة والمثابرة وببعض الحضور الإعلامي وبقدرة فذة على الإلحاح والابتزاز والاستعطاف يستطيع البعض الحصول على جوائزنا، فقبل سنوات نجح أحدهم في مصر بالفوز بجائزة الدولة التقديرية في الأدب دون أن يكتب قصيدة واحدة أو قصة أو رواية أو مسرحية أو دراسة نقدية، لكنه نجح فقط في الاتصال ببعض أعضاء لجنة التحكيم وزيارة البعض الآخر في المكاتب والمنازل، واستعطف الجميع ومن ثم فاز بالجائزة الكبيرة. ويلخص أنيس منصور أحد أعضاء لجنة التحكيم مدى وحجم التحول والانهيار بقوله «ليس من الضروري أن تكون صاحب موهبة أو رجلا مبدعا... كل هذا لا يهم، المهم أن تكون صفيقا لا تخجل وأن تكون دموعك قريبة ورأسك أقرب إلى أي حذاء».

• في صباي كنا نعد الفائز بإحدى جوائز الدولة بطلا قوميا ومعلما كبيرا للأجيال، وكنا رغم ندرة النقود في جيوبنا نستصغر هذه الجوائز وقيمتها المادية على أمثال طه حسين وعباس العقاد وتوفيق الحكيم وغيرهم من كبار ذلك الزمن. وكنا نتمنى على الدولة أن تضاعف احتفاءها بهؤلاء الآباء النجوم الذين أضاؤوا وعلموا ورسموا بكتاباتهم وإبداعهم بعض خرائط المستقبل. ولم نتوقع هذا الانقلاب الهائل الذي استبدل الشطارة بالجدارة والادعاء والتحايل بالإنجاز والموهبة والولاء بالسخاء المعرفي والإبداعي.

• بعد أيام يعقد المجلس الأعلى للثقافة اجتماعه السنوي برئاسة وزير الثقافة وعضوية عدد كبير من المثقفين وكبار المسؤولين وممثلي الهيئات والوزارات للتحكيم في جوائز الدولة لهذا العام وإعلان أسماء الفائزين بها، وبسبب التحول وانقلاب المعايير وتراجع قيمة المنجزات الإبداعية والعلمية نشط المرشحون وجندوا أصدقاءهم من الكتاب والإعلاميين لتشكيل جماعات ضغط قادرة على التأثير والإلحاح وتوجيه قرار لجنة التحكيم التي تضم 61 عضوا نصفهم تقريبا من كبار مسؤولي ومندوبي الهيئات. وهذا التشكيل الذي يضم أغلبية من غير المتابعين للواقع الثقافي والإبداعي ينحاز غالبا للأشهر ولمن يدافع دائما عن النظام وسياساته ولمن يلح ويستعطف أو يبتز، ولن يمنح المبدع المعارض أو المستقل أو الأقل شهرة فرصة ما. بسبب هذا التشكيل يحجم عدد كبير من الكتاب والمبدعين عن ترشيح أنفسهم، فالحصول على أغلبية الأصوات أمر بالغ الصعوبة ويستلزم رضاء الجهات الرسمية ومباركتها أو حيادها على الأقل، وأشير هنا إلى مطالبة أحمد عبدالمعطي حجازي وهو من أعضاء اللجنة بضرورة إتاحة الفرصة للكتاب المعارضين للفوز بالجوائز.

لم ينج من شراسة هذا التحول سوى الجائزة التشجيعية وهي أصغر الجوائز، لأن أغلب المتقدمين إليها من المبدعين الشبان الذين مازالوا يراهنون على الجودة والجدارة والذين لم يشكلوا بعد شبكة علاقات ضاغطة أو حضورا إعلاميا مؤثرا. ومن ناحية أخرى تتشكل لجان تحكيم الجوائز التشجيعية من متخصصين قادرين على الفحص والفرز والانحياز للجيد، لذلك تحظى قرارات هذه اللجان باحترام المبدعين والمثقفين الذين يعدون هذه الجائزة رغم صغرها الأكثر مصداقية وانحيازا إلى الواقع الإبداعي والفكري في الوقت الذي تحولت فيه الجوائز الكبرى إلى غنائم يفوز بها الأقدر على الركض والتخطيط والمسلح بمهارة القناص وفخاخه. من حق المبدع أن يحلم بجائزة ما، وأن يسعى بطرق شريفة ومشروعة لتحقيق هذا الحلم، خصوصا أن المبدعين في بلادنا، وفي مقدمتهم الشعراء والكتاب، لا يستطيعون العيش اعتمادا على دخولهم من كتابة القصص والروايات والقصائد، لذلك تصاعدت أهمية الجوائز المصرية والعربية واحتدم السباق والصراع من أجل الفوز بها. وكل ذلك مطلوب ومشروع طالما ظل دور المبدع وقيمة منجزاته أساسا للفوز وسببا للتقدير والتكريم. لكن غير المشروع هو ما نراه الآن من إغفال للدور والقيمة والاحتكام إلى معايير أخرى ساهمت في تبديد هيبة الجوائز وفي دعم ومساندة المثقف الانتهازي والدكتاتور الذي لا يرى سوى نفسه ومصالحه والمسلح فقط بالنفاق وكل أدوات القمع والإزاحة.

«بعيون الدكتاتور يرى / وبقلب الدكتاتور يحبُ / وفي القاعات الفخمة يشدو / ويثرثر كالصنبور عن التنويرِِ / وحق المغلوبينَ... ويبكي / أحيانا كالذئبِ / لأن الحب خبا / والحمل توارى / هل تعرف وجه الدكتاتورِ / وصوت الدكتاتورِ / وبسمته الكاكيةَ وملامحه الأخرى؟».

* كاتب وشاعر مصري

 

 

كتاب الجريدة يردون على تعليقات القراء

back to top