صورة ايران... والقمة الروسية - الاميركية
تتناثر الأقاويل مع تغير المزاج في واشنطن والغرب حيال إيران عن «سيناريو عقوبات» يتم التخطيط له معاً بين تل أبيب وواشنطن، وصولاً إلى بعث فكرة الضربات العسكرية لمنشآت إيران النووية من رقادها.نجح الرئيس الإيراني محمود أحمدي نجاد والتيارات الداعمة له والقوات الأمنية في إنهاء التظاهرات بشوارع العاصمة طهران، مثلما استطاع الحصول على تغطية دستورية كاملة لنتيجة انتخابات الرئاسة العاشرة القاضية بفوزه على منافسه مير حسين موسوي، ولكن حدود قدرة الرئيس نجاد على تثبيت النتيجة تتوقف عند حدود إيران السياسية، حتى بافتراض أن الديناميكيات التي أطلقتها التظاهرات قد انتهت تماماً، وهو أمر مشكوك فيه.ربما تكون النتيجة الأخطر لفوز أحمدي نجاد هي أن «صورة إيران» أو ما يطلق عليه Image في الخارج، وبالتحديد في الولايات المتحدة الأميركية، قد تدهورت كثيراً بعد الانتخابات عما كانت عليه قبلها. ويرتب هذا التدهور في الصورة مفاعيل ضارة ليس فقط بالحوار الأميركي-الإيراني، ولكن قبل ذلك بقدرة أوباما على التمسك بالمفاوضات مع إيران على خلفية التغير في المزاج الأميركي حيال فكرة المفاوضات من أساسها. إذا كانت مؤسسة الرئاسة في إيران لا تصنع السياسة الخارجية بل مؤسسات أخرى مثل المرشد الأعلى ومجلس الأمن القومي، وهو أمر صحيح إلا أن إعادة انتخاب أحمدي نجاد خلقت بالرغم من ذلك دينياميكيات جديدة في الشارع الإيراني وفي الرأي العام الأميركي يمكن لخصوم إيران البناء عليها لفرض المزيد من الضغط عليها.عادت المؤسسات الصهيونية إلى صدارة المشهد من جديد بعد انزواء محاولة إعادة التنسيق الأميركي-الإسرائيلي في الملف النووي الإيراني إلى سابق عهده، بعدما عانت إسرائيل عزلة كبيرة في هذا الصدد سواء بسبب انتفاء أي مصداقية لادعاءاتها بخصوص إيران، أو بسبب النهج الانفتاحي للرئيس الأميركي الجديد على طهران. انتخاب المرشح الإصلاحي مير حسين موسوي رئيساً لإيران كان سيشكل ضغطاً قوياً على تل أبيب ويمنعها من تسخين الأجواء ضد طهران، ويسهل بالنهاية من مهمة أوباما في الانفتاح على إيران.ولا يخفى أن الانفتاح الأميركي على طهران في حال حدوثه سيتطلب أثماناً لقاء ذلك، وفي مقدمة هذه الأثمان الاعتراف بالوضع المتميز لإيران في الترتيبات الإقليمية الجديدة، وهو ما سيخصم بالضرورة من رصيد تل أبيب الاستراتيجي. هنا بالضبط تحاول تل أبيب تظهير نتيجة الانتخابات الإيرانية الأخيرة لمصلحتها، وهي التي لا يهمها بالطبع لا حراك ديمقراطي في إيران ولا ثنائية «إصلاحيين» و»محافظين» أو غير ذلك من ثنائيات لا تلمس الواقع الإيراني إلا على السطح. وعلى خلاف الأصوات الزاعقة المنددة بما تسميه «الحرب الكونية» على الرئيس أحمدي نجاد «مرشح الفقراء»، فإن «انتصاره» في الانتخابات الرئاسية الأخيرة أراح دولة الكيان الصهيوني وجعل المفاوضات التي تخشاها بين واشنطن وطهران أمراً صعباً، بل وفتح الباب واسعاً أمام تل أبيب لكي تنفذ إلى معادلات السياسة الأميركية حيال إيران من جديد بعد العزلة التي عاشتها منذ انتخاب أوباما نهاية العام الماضي.تتناثر الأقاويل مع تغير المزاج في واشنطن والغرب حيال إيران عن «سيناريو عقوبات» يتم التخطيط له معاً بين تل أبيب وواشنطن، وصولاً إلى بعث فكرة الضربات العسكرية لمنشآت إيران النووية من رقادها. وبغض النظر عن دقة هذه الأقاويل من عدمها، فالأرجح أن البيت الأبيض سيعيد تقييم أوراقه التفاوضية حيال إيران بعد الانتخابات الرئاسية وما جرى فيها، وهذا بالضبط ما تخشاه إيران راهناً.ربما تستطيع الدوائر المؤيدة للرئيس الإيراني محمود أحمدي نجاد تنفيس بعض الاحتقان في الوضع الداخلي الإيراني، إلا أن صورة إيران في الخارج تعد من الأمور التي لا تملك طهران حيالها أوراقاً كثيرة في الواقع. إذا نجح أوباما في الوصول إلى صفقة ما مع القيادة الروسية حيال إيران، بالتأكيد ليس من بينها السماح الروسي بضربات عسكرية، سيمكنه أن يضغط على إيران أكثر فأكثر خصوصاً في ملفها النووي. تتحكم المعادلة الطردية التالية في ردة الفعل الإيرانية: كلما كانت إيران تخشى توصل واشنطن وموسكو إلى صفقة بشأنها، وسعت أميركا من هامش مناورتها حيال طهران، وهذه الجدلية بالتحديد هي ما يعتقد أن الرئيس الأميركي باراك أوباما قد استعملها في مفاوضاته مع القيادة الروسية في مفاوضات القمة الأميركية-الروسية وستظهر نتائجها لاحقاً.تشكل روسيا الغطاء الدولي لإيران في مواجهتها مع أميركا، كما تورِّد مستلزمات مفاعل بوشهر النووي وتدرِّب الفنيين والمهندسين الإيرانيين على التقنيات النووية الروسية. وتقف موسكو بشكل تقليدي عائقاً أمام المقترحات الأميركية في مجلس الأمن لتشديد العقوبات على إيران، فتضغط عليها للهبوط بسقفها فاتحة الطريق أمام مقايضات مع واشنطن في ملفات أخرى. تهدد روسيا دورياً ببيع إيران تكنولوجيا عسكرية متطورة ومنها منظومة الدفاع الصاروخي من طراز «إس-300»، وهي التي ستجعل الهجوم الجوي على إيران أمراً صعباً، ولكن روسيا لا تورد هذا السلاح المتطور بالفعل إلى إيران، بل تستخدمه كورقة مساومة مع أميركا. من ناحيتها تتحالف إيران مع روسيا في آسيا الوسطى والقوقاز متنازلة في ذلك عن تحالفاتها التاريخية هناك لمصلحة روسيا، في مقابل البقاء تحت المظلة الروسية في مواجهتها مع الغرب في ساحات المشرق العربي وفي الملف النووي. غياب التفاهم الأميركي-الإيراني يعني عدم حصار موسكو من الجنوب ومنعها من الوصول إلى المياه الدافئة، مثلما فعلت طهران طوال ثلث قرن في عصر الشاه المخلوع. تعلم موسكو أنها ستكون الثمن الأساسي الذي تقدمه إيران في حال إبرام صفقة أميركية-إيرانية يتم تتويج طهران بموجبها قوة إقليمية في المنطقة. فرضت طهران نفسها رقماً صعباً على المنطقة بالتحالف مع روسيا، ولكن طهران تعلم جيداً لا يمكنها قيادة المنطقة تحت ذات المظلة. كل من موسكو وطهران يستخدم الآخر في علاقته بالغرب، كل منهما يحتاج إلى الآخر بقدر محسوب، كل منهما لديه- بمنطق الأمور- أسبابه للشك في نوايا الآخر.تتلخص مصالح روسيا في إيران بمنع ضربة عسكرية للأخيرة باعتبار أن ذلك سيضر بالمصالح الروسية الاقتصادية والاستراتيجية، كما أن إتمام الصفقة بين واشنطن وطهران سيحيِّد المصالح الروسية في إيران نهائياً. باختصار مصلحة روسيا في إيران مرهونة ببقاء التوتر الحالي في العلاقات الإيرانية-الأميركية وببقاء الطموح الإقليمي الإيراني على حاله؛ ولكن مع منع الضربة العسكرية وعدم حصول الصفقة السياسية. تعي طهران أنه طالما استطاعت موسكو أن تنظر إليها باعتبارها وسيلة للضغط على واشنطن في ملفات أخرى، ساعتها يمكن لطهران مواجهة واشنطن في العراق والتصارع معها على سورية، فضلاً عن مساندة «حزب الله» في لبنان والتمسك بحقوقها في ملفها النووي اعتماداً على قدراتها الذاتية وعلى الغطاء الروسي مع محدوديته.اتفق الطرفان في القمة الروسية-الأميركية على قضايا مثل الإمدادات اللوجستية الأميركية إلى أفغانستان عبر الأراضي الروسية، والتخفيض المتبادل للرؤوس النووية، ولكن القضايا الأهم مثل شبكة الدرع الصاروخية في بولندا وحدود الأدوار الروسية في مجال الاتحاد السوفياتي السابق والملف الإيراني مازالت عالقة. تخشى روسيا أن تتحول بولندا إلى قلعة متقدمة في المواجهة الروسية-الأميركية، وأن تزيد واشنطن من تدخلاتها في مناطق كانت تابعة للاتحاد السوفياتي سابقاً، حتى الآن لا يبدو السلوك الأميركي معلوماً حيال هذه القضايا، ولذلك مازال الوضع غائماً وضبابياً.إيران دولة كبيرة بمقاييس الإقليم، ولكنها صغيرة بقياس روسيا وأميركا، وإذا كانت إيران تمسك بمفاتيح كثيرة في المشرق العربي، إلا أنه لا تأثير مباشرا لديها في الصفقات الروسية-الأميركية، لكل ذلك ربما يكون لدى إيران أسباب وجيهة للقلق الآن!* مدير مركز الشرق للدراسات الإقليميةوالاستراتيجية-القاهرة