اسمه الغرام لعلويّة صبح... في البحث عن دوام الحب
تفتح رواية «اسمه الغرام» لعلوية صبح الصادرة عن «دار الآداب» النقاش في مجموعة قضايا ساخنة تخص الثقافة العربية، فلسنوات خلت كان المشهد الجنسي في الفيلم السينمائي أو في الرواية العربية أشبه بأعجوبة أو أسطورة تلهب الجمهور المشاهد أو القارئ... «يبصبص» المخرج على أمراة أو فتاة من خلال الكاميرا، فتحدث زحمة على أبواب صالات السينما.عندما يتحدث الروائي سواء الرديء أو الرصين عن السرير والشراشف ويشعل القارئ أو الجسد يصبح كتابه تحت الضوء أو تلجأ الرقابة إلى منعة ومصادرته، وكانت رواية «أنا أحيا» لليلى بعلبكي أشبه بالصعقة وقد بُنيت حولها قضية عندما كتبتها الروائية قبل أن تعتزل الكتابة وتهاجر إلى بلاد الاغتراب. اليوم، يبدو تناول الجنس والإغراء (خصوصاً في الأدب والكليبات العربية) أشبه بتناول «القضية الفلسطينية» في الأدب الإيديولوجي والشعر المنبري «القومجي» في زمن غابر، فلا تخلو رواية جديدة من مشهد إباحي أو «علاقة» سواء في الخليج أو مصر أو المغرب أو لبنان. ربما ذهب الغربيون في رواياتهم إلى حالة «ما بعد الجنس»، أو ابتكار شيء جديد بعدما كسرت أفلام «البورنو» القوالب الجسدية كافة وجعلتها في خانة الأشياء المملة، وبات قراء غربيون كثيرون يبحثون عن أطياف «ألف ليلة وليلة» أو الحمامات التركية في النصوص، وهذا ما تلقفه بعض الروائيين العرب الذي يكتبون بالأجنبية فهم يبحثون عما يريده القارئ الغربي، عما يروّج الرواية.
هكذا الكتابة عن الجنس والجسد، مرآة التحولات الثقافية والميديائية، فمي زيادة كانت تحب جبران خليل جبران من دون أن يراها أو يلتقيها، وبقي حبهما في إطار الرسائل، وجبران أيضاً كان يرسم الأجساد العارية، ويعمد إلى جعلها من دون أعضاء حميمة، كأنه يمارس رقابة على ريشته، ويخشى ردود أفعال الناس، يزيلها من الجسد الذي يرسمه سواء أكان لذكر أو لأنثى، ورسامون كثيرون فعلوا الأمر نفسه وإن بطريقة أكثر ذكاءً. في المقابل رسم كثيرون كل شيء في الجسد كما فعل غوستاف كوربت عام 1866 في لوحته «أصل العالم».أصل العالمما يُقال عن الرسم، يُقال عن الرواية والنصوص الأدبية، لكن في السنوات الأخيرة لم تعد الكتابة الأدبية تتوقف عند شكليات الجسد، ولم يعد السرير أو قميص النوم دلالة على الجنس والإغواء، بل إن الوصف بات يتطرّق الى الأعضاء الحميمة، كما علوية صبح في روايتها الجديدة.تتابع صبح في روايتها غوصها في عوالم الرغبات وتسرد التواريخ بأسلوبها الخاص الذي يمتاز بالتركيب وتعدد العوالم واتساعها. تروي الحكايات من خلال المنامات وهي اذ تبتعد عن الحرب الأهلية التي اهتمت فيها في روايتها السابقة، تلتفت في الرواية الأخيرة إلى أطياف «حرب تموز» 2006. تسرّب خبر الحرب تسريباً، انغمس في زمن كتابة الرواية من دون أن يطاول متنها. تحاول علوية وضع العلاقات الجنسية في العالم العربي تحت المجهر، الفاشلة منها والناجحة، العجز الجنسي والعذرية والنزوات الجنسية ومواضيع سوسيولوجية ما زالت تحظى باهتمام الجمهور العربي والغربي، نعرف ذلك من خلال قصص واقعية نتابعها على شاشة التلفزيون. إنها قصص يومية نقاشية وليست منامية وإن كان الغرام في معظمه أقرب الى الأحلام وإلى الكوابيس أحياناً. تروي علوية أحوال المرأة في لحظات ملتبسة في زمن «اسمه الغرام» وهو أكثر من الغرام ومن اسمه وحدوده. تبحث عن كيمياء الحب في مختلف الأعمار لأن الجسد «صندوق أسرار». تعترف «في اللحظة التي سلمته جسدي، شعرت كأني أسلمه سري»، و{لم أشعر بأني أعطيه جسدي، أو أنه يأخذ شيئاً منه. كنت أشعر بأنه يعرفني إليهن كما أعرفه إلى جسده»، و{لأن معرفة الجسد لا تتم إلا مع الذين نحبهم». هذا ملمح من أحوال الكتابة عن الجسد، والجسد وأحواله «فياغرا» للكتابة، وفياغرا للفت انتباه القارئ. على أن «اسمه الغرام» جنس في جنس، حب في حب، ولا تمثّل الكتابة لأجل الجنس، بل الجنس الوهم أو الحكاية أو منام يضيء ليل الحروف، أو هو أنوار الكتابة.عند صبح لا يفهم القارئ حكايات الناس من دون حياتهم الجنسيّة وأجسادهم، هكذا تروي الكاتبة حكاياتهم لأنها جزء من الحياة. تكتب علوية عن نساء في منتصف العمر عن الحب والغرام، عن الجنس، عن نساء في منتصف أعمارهن، عن المرحلة التي يبدأن فيها بفهم خياراتهن وأجسادهن. اللحظة التي يبدأ الناس فيها بتعداد ما فقدوه من أجسامهم وقدراتهم، حيث يستعيدون الحب ويغصون فيه بشكل أعمق وأجمل. تحاول صبح الدخول في دائرة «الاستفزاز» الكتابي وجعل «المبتذل» في دائرة العادي أو المألوف والمتداول. كثيرات من النساء سيصبن بـ{الصدمة»، شيء ما يذكرنا بلعبة «الاستفزاز» في روايات أخرى لا نود ذكرها، لكن ما ينبغي الانتباه اليه أننا نقرأ رواية عن الخطاب الجنسي وليس ثمة من سرد متقن للمشهد الجنسي أو الغرامي، إذ لا تخرج الكاتبة عن سياق الفكرة العادية أو الخبر العادي.ربما الهدف من الاعتماد على هذا الخطاب أخذ الرواية الى حيث يريد القارئ وليس أخذ القارئ الى حيث تريد الرواية. الهدف إخبار القارئ بأحداث سريعة، وانتشاله من دائرة البطء والملل. والهدف الأسمى جعله لا يشعر بالملل من «بزاقة» السرد والوصف.ماركيزتستذكر علوية صبح في «اسم الغرام» رواية «الحب في زمن الكوليرا» لماركيز، رواية أشهر من أن تعرّف، وأن تستذكرها صبح في روايتها فهي تهدف إلى استعمالها كإسناد في حديثها عن الحب ودوامه، «آه يا ماركيز، أنت بشرتني باستعادة الحب، بس يا لطيف شو قصرت بالتفاصيل». لا نفهم ما قصد علوية هنا بـ{التفاصيل»، والنافل أن ماركيز حكواتي يعمل من «الحبة قبة»، فهو في رواية يتحدث عن ديمومة الحب، الحب الذي تحكي الرواية لنا عنه إنما هو حب دام عشرات السنين حتى قيّض له أن يعود إلى الحياة، بعد أن توافرت ظروف عودته. يقول الناقد إبراهيم العريس: «نعرف أن مثل هذا الموضوع كان من شأنه أن يبدو عادياً، وغير قادر على ملء رواية في مئات الصفحات على يد كاتب غير ماركيز. لكن لأننا هنا في حضرة حكواتي غريب ومن نوع نادر، تحولت الحكاية إلى نصّ رائع يمكن القارئ أن يعثر في داخله على متعة القراءة وعمق المشاعر، وعبق رسم المناخ التاريخي. ولكأن ماركيز شاء في هذه الرواية أن يختصر، ويستعيد، كل حكايات الغرام التي عرفها تاريخ البشرية. ويقيناً أنه نجح في مشروعه، إذ أن القارئ وهو يقرأ هذه الرواية، لا بد له من أن يستعيد في وعيه كل الأدب الغرامي، عذرياً كان أو جسدياً، وكل الحكايات التي تصفها الأغاني، لكن أيضاً التجارب الشخصية لا سيما تلك الغراميات التي تكون الأيام قد مكنته من دفنها في عمق أعماقه».لا تستعيد علوية صبح الحكايات الغرامية، بل ترويها وتسخر من بعض أنواع الحب كالحب العذري وجميل بثينة وقيس وليلى. هدفها الأمثل القول بدوام الحب، بل أكثر من ذلك تصل إلى القول إن حب شخص لآخر هو صندوق أسرار.