كيف تغذي روسيا الإسلام الراديكالي؟

نشر في 08-04-2010 | 00:01
آخر تحديث 08-04-2010 | 00:01
حين تولّى بوتين زمام الرئاسة في عام 2000 شن حربا جديدة، وقد واكب هذا الحل المزيد من الأعمال الوحشية، وزيادة الكراهية في روسيا ككل ضد "أولئك القادمين من القوقاز"، وهذه المرة ألحقت القوات الفدرالية الهزيمة بالمقاتلين الشيشان، إلا أن الهجمات الإرهابية استمرت حتى عام 2004.
 Masha Lipman  بعد تفجيرات مترو الأنفاق في موسكو الأسبوع الماضي، أشارت وزيرة الخارجية الأميركية هيلاري كلينتون إلى أننا "نواجه جميعنا العدو نفسه"، فلا أحد يستطيع أن يكون في مأمن تام من أعمال الإرهاب، سواء في موسكو، أو لندن، أو مدريد، أو نيويورك، لكن مشكلة الإرهاب في روسيا على الأرجح أكثر تعقيداً مما هي عليه في أوروبا أو الولايات المتحدة، لأن الإسلام الأصولي موجود داخل حدودنا في شمال القوقاز، ولا مفر منه، فسكان هذه المنطقة مواطنون روس، وأقاليمها تُموّل من ميزانية الحكومة الفدرالية الروسية، وكأن أفغانستان، بالنشاطات التي ينفّذها المتمردون فيها، ولاية أميركية ضمن حدود الولايات الثماني والأربعين المتجاورة.  

لكن على الرغم من أن مشكلة الإرهاب بحاجة ماسة إلى استراتيجية متماسكة وطويلة الأجل، فإن نظام الحكم الجائر غير الخاضع للمحاسبة في روسيا يحول دون إتاحة المجال أمام أي تفكير استراتيجي.

ردت حكومة بوريس يلتسين، في مطلع تسعينيات القرن الماضي، بعد انهيار الاتحاد السوفييتي، على الانفصاليين المسلحين في الشيشان بشن حرب واسعة النطاق، ولم تكن القوات الروسية المسلحة مدربة أو مجهزة بما يكفي، فنتج عن ذلك أعمال وحشية في كلا الجانبين. وهكذا شكل اتفاق السلام في عام 1996 دليلاً على ضعف روسيا المهين، إذ فشلت قوة عظمى سابقة في كبح لجام منطقتها الصغيرة.

أعقب "السلام" في الشيشان عمليات اختطاف متكررة لقاء فدية، واحتجاز رهائن، وهجمات إرهابية، ففي عام 1999، اجتاحت قوة شيشانية إقليم داغستان المجاور، في الوقت عينه تقريباً الذي أسفرت فيه تفجيرات مبان سكنية في ثلاث مدن روسية كما هو معروف عن مقتل نحو 300 شخص.  حين تولى فلاديمير بوتين زمام الرئاسة في عام 2000، اقترح كحل شن حرب جديدة، وقد واكب هذا الحل المزيد من الأعمال الوحشية، وزيادة الكراهية في روسيا ككل ضد "أولئك القادمين من القوقاز". لكن هذه المرة ألحقت القوات الفدرالية الهزيمة بالمقاتلين الشيشان، إلا أن الهجمات الإرهابية استمرت حتى عام 2004. وكان أفظعها الاستيلاء على مدرسة بيسلان حيث قُتل أكثر من 330 رهينة، نصفهم من الأطفال تقريباً، في سبتمبر من ذلك العام.

وفي منتصف الألفية الثانية، لم تعد الانفصالية المشكلة الجوهرية في الشيشان، إذ إن بذور مشكلة جديدة كانت تنمو آنذاك، حيث كان الإسلام المجاهد يشهد نهوضاً في أنحاء منطقة شمال القوقاز، وفي مطلع تسعينيات القرن الماضي، لم يكن النفوذ الإسلامي قوياً في هذه المنطقة المسلمة منذ زمن طويل، إذ كان الراشدون يتلقون تعليماً سوفييتياً علمانياً، وكان الانجذاب إلى الثقافة الروسية لايزال قوياً، لكن الجيل الجديد الذي ترعرع في الشيشان التي دمرها الجيش الروسي، وفي الأقاليم المجاورة مثل داغستان وإنغوشيتيا، تأثر أكثر فأكثر بالثقافة الإسلامية والإسلام، ونادراً بميوله الأصولية. وهكذا بدأت المجموعات الجهادية غير الشرعية الدعوة إلى الجهاد في أنحاء روسيا. يُذكَر أن مراكز لتدريب الانتحاريين تعمل على ما يُفترض في شمال القوقاز.

لكن الكرملين غيّر خططه منذ بضع سنوات، منصّباً قادة مؤيدين لموسكو في هذه الأقاليم المسلمة، ومقلّصاً مهمة الحكومة الفدرالية بتوزيع الأموال وعمليات مكافحة الإرهاب المتقطعة، وكذلك غض الطرف عن الهجمات الانقلابية، والتفجيرات، واغتيالات عناصر الشرطة المحلية وموظفي الإدارات المحلية، والتي أصبحت عملاً روتينياً في إنغوشيتيا وداغستان. كذلك تجاهلت الحكومة المركزية الممارسات الوحشية التي استخدمها القادة المحليون ضد الإسلاميين الأصوليين وغيرهم من المجموعات الإجرامية أو المتطرفة، فكان الرأي السائد أنه كلما جرى احتواء العنف داخل شمال القوقاز، ظلت روسيا في أمان نسبياً، لكن هجمات الأسبوع الفائت تسلط الضوء على مدى الخلل في هذه السياسة وقصر نظرها.  واليوم، بات نشوء المجموعات الإسلامية الأصولية في شمال القوقاز أمراً محتماً، لاسيما أن قوات مماثلة تنشط في أجزاء كثيرة من العالم، ولذلك يتمثل خيار روسيا الاستراتيجي الوحيد في التزام حكومي طويل الأمد ومتشعب بحل المشكلة.  لابد من أن تعامل الحكومة الروسية والشعب سكان شمال القوقاز كأبناء بلد لهم، وهي ليست مهمة سهلة لأنهم ينظرون اليوم إلى هؤلاء كثقافة مشبوهة أو دخلاء غير مرغوب فيهم بكل بساطة، وكذلك، من الحاجات الملحة أيضاً تحسين الأمن في روسيا ككل وزيادة فعالية عمليات مكافحة الإرهاب، لكن هذه المهمات ستكون شبه مستحيلة في بلد يشكل ضباط الشرطة فيه خطراً على الشعب بسبب سلوكهم العنيف، بدل أن يكونوا قوة يستطيع المواطنون استقاء الحماية منها.

فضلاً عن ذلك، تعكس نزعات الخطابات الرسمية لهجة العام 1999، فعقب التفجيرات الشهيرة في المباني السكنية في موسكو، تعهد بوتين بإبادة الإرهابيين، واليوم يعد بـ"إخراجهم من المجارير وفي وضح النهار"، لكن الاستخدام الواسع النطاق للقوة ليس خياراً، فستنطلق، كما حدث في تسعينيات القرن الماضي، بلا شك دائرة مفرغة أخرى من الإجراءات التأديبية والعمليات الانتقامية من قبل المتطرفين.

مع ذلك، صدرت دعوات منطقية على حد سواء، فقد تحدث الرئيس ديمتري ميدفيديف الأسبوع الفائت عن الحاجة إلى إيجاد "المناخ الحديث الملائم للتعليم، وتجاوز المحسوبيات، وتنفيذ المشاريع، وبالطبع مكافحة الفساد". لكن الفساد لا يصيب شمال القوقاز فحسب، لأنه يشكل نسيج نظام الحكومة الروسي، القائم على الاحتكار السياسي وغياب المحاسبة، لذلك لن تُترجم النوايا الحسنة إلى سياسات متينة ما لم تجر روسيا إصلاحات في ذلك النظام.

* محررة في مجلة Pro et Contra في مركز كارنيغي في موسكو، وتكتب مقالاً شهرياً في صحيفة The Post. 

back to top