كرامة الدّيوان من كرامة المجلس
يتعرض ديوان المحاسبة لحملة نيابية وإعلامية تتجاوز أغراضه وأهدافه الحقيقية، وتشوِّه صورته مثلما تضع مصداقيته موضع الشك والتشكيك.
الديوان هو الذراع الرقابية المالية والمحاسبية والإدارية لمجلس الأمة... فالمجلس لا ينتخب رئيساً لأي جهاز في الدولة غير رئيس ديوان المحاسبة، وكما هو ذراع رقابية حيوية لمجلس الأمة، فإنه الجهاز الذي يساعد الحكومة في تأكيد سلامة إجراءاتها وشرعية قراراتها المالية، وعلى تقاريره وملاحظاته تعتمد غالبية الاستجوابات التي تُقدَّم في المجلس، ووفقاً لملاحظاته تُشكَّل لجان التحقيق سواء بمبادرة من المجلس أو الحكومة. إن لديوان المحاسبة قانونه ولوائحه وإجراءاته التي تنظِّم طريقة عمله، كما أن له لجنة عليا هي المسؤولة عمّا يتخذه من قرارات داخلية، مُكوَّنة من رئيس اللجنة التشريعية ورئيس اللجنة المالية في مجلس الأمة ورئيس جهاز الفتوى والتشريع ورئيس ديوان الخدمة المدنية، إضافة إلى رئيس الديوان ووكيله، وهم بمنزلة مجلس الإدارة الذي يرسم ويقرر ويراقب أداء الديوان. أغلب المخالفات أو الفضائح المالية والقانونية التي أُثيرت في العقود المنصرمة، ما كانت لتُثار لو لم تكُن تقارير وملاحظات الديوان هي الأصل فيها، لكننا الآن وبكل أسف أصبحنا نشهد قذفاً في ذِمم العاملين فيه، وتشكيكاً في حياده بسبب خلافات إدارية داخلية، وغدا اللجوء إلى وسائل الإعلام والاستئساد بأصوات بعض النواب، أسلوباً ومنهجاً، وهو في نهاية الأمر لا يوصلنا إلا إلى الطعن في كرامة ونزاهة العاملين فيه. فمن الجرم والظلم القول إن أصل الاختلاف بين بعض موظفي الديوان وإدارته نزاهتهم وفضحهم لمخالفات جسيمة، ففي ذلك ظلم وتشكيك في حق العاملين فيه، ممن لم يختلفوا مع الإدارة وكأنهم قابلون بتلك المخالفات أو متواطئون مع التجاوزات. لا نبخس هؤلاء الجنود المجهولين العاملين في الديوان حقهم بمختلف درجاتهم ومواقعهم الوظيفية، فهم الأصل في البحث والمتابعة والتدقيق، وهم من التزم بأصول وأمانة العمل في حفظ الأسرار وعدم تسريبها إلى النواب والإعلام، لأن أعمال الديوان تصدر في نهاية الأمر بتقارير واضحة وعلنية تتضمن كل ملاحظاته. إن تسريب معلومات من هنا أو هناك إلى بعض النواب، عمل يتنافى ومبدأ الأمانة ويخالف أصول العمل في الديوان وضوابطه، خصوصا أن النواب يستطيعون الوصول إلى هذه المعلومات وفق أساليب وقنوات شرعية وقانونية. إن مسؤولية نواب الأمة هي تعزيز الثقة بنزاهة ومصداقية العاملين في الديوان، لا التشكيك فيهم، وحفظ مكانة ديوان المحاسبة جهازاً رقابياً مستقلاً، لا تحكمه الأهواء أو المصالح، وإن كان هناك ملاحظات فلها من القنوات والإجراءات ما يحدد طرحها وتناولها، لا من خلال التصعيد الإعلامي أو التكسّب السياسي. نريد للمجلس أن يكون قوياً، وأسداً كما يقولون، لكننا لا نريده أسداً يأكل أبناءه. وتبقى كرامة الديوان من كرامة المجلس. الجريدة