مبارك في واشنطن- القضايا الاقليمية وشيء من الديمقراطية


نشر في 21-08-2009
آخر تحديث 21-08-2009 | 00:00
 د. عمرو حمزاوي بعيداً عن مبالغات الإعلام الحكومي في مصر وكثرة استخدام عبارة «الزيارة التاريخية» لوصف لقاء الرئيس مبارك بالرئيس الأميركي باراك أوباما وأقطاب إدارته المعنيين بالسياسة الخارجية، يمكن الجزم بأن الزيارة كانت ناجحة وتستحق أن تقيم كذلك من الجانبين الأميركي والمصري.

فإدارة أوباما معنية في المقام الأول بدور مصر الإقليمي في ملفات الصراع العربي-الإسرائيلي، ومستقبل العراق بعد الانسحاب العسكري الأميركي، ومواجهة تمدد النفوذ الإيراني في الشرق الأوسط وتحتاج بكل تأكيد لشراكتها الاستراتيجية مع القاهرة، وغيرها من العواصم العربية القريبة منها كالرياض، لترجمة النشاط الدبلوماسي المكثف خلال الأشهر الماضية إلى تقدم ملموس على الأرض يدفع بالطرفين الفلسطيني والإسرائيلي إلى مفاوضات الحل النهائي وينشِّط مسار التسوية السوري-الإسرائيلي ويصنع بيئة إقليمية مشجعة على الاستقرار الأمني والسياسي في العراق وعلى عقلنة الفعل الخارجي لإيران بالكف عن التدخل في شؤون بعض الدول العربية واستغلال ساحات الصراع العربي-الإسرائيلي في فلسطين ولبنان لاكتساب المزيد من النفوذ الإقليمي. هنا تدرك إدارة أوباما بوضوح أن تفعيل الشراكة الاستراتيجية مع مصر يقتضي إعادة تعريف العلاقات الثنائية بين البلدين لتجاوز توترات الأعوام الماضية باتجاه التركيز على قضايا التنمية الاقتصادية والاجتماعية والبيئية في مصر والإبقاء على شيء من الاهتمام بمسألة الديمقراطية وحقوق الإنسان، خصوصاً مع قرب الانتخابات البرلمانية والرئاسية عامي 2010 و2011 شريطة طرحها بصورة مقبولة للطرف المصري.

ومن يقرأ نص مداخلات الرئيس الأميركي في المؤتمر الصحفي المشترك مع مبارك يرى حقيقة أولويات واشنطن وتراتبيتها بجلاء شديد. فأوباما أشار على التوالي إلى قضايا السلام بين العرب وإسرائيل ودور مصر المهم في هذا السياق، متبوعة بحديث عن العراق وأهمية الانفتاح الإقليمي عليه، ثم شدد على أهمية التعاون الثنائي في مجالات التنمية الاقتصادية والتعليم والصحة العامة، ولم يضف إلى ذلك سوى بعض الملاحظات عما يراه تحولاً إيجابيا في سياسات الاستيطان الإسرائيلية وكونه معني منذ وصوله إلى البيت الأبيض بإنجاز تقدم سريع نحو التسوية النهائية بين العرب وإسرائيل. وعلى الرغم من أن الخارجية الأميركية أكدت أن الوزيرة هيلاري كلينتون تناولت في لقائها مع الرئيس مبارك ملفات الديمقراطية وحقوق الإنسان والإصلاح السياسي وأن واشنطن تظل مهتمة بهذه الملفات ومع أن النقاش الإعلامي في الولايات المتحدة حول زيارة مبارك لم يخلُ من أصوات وأقلام طالبت بعدم العودة إلى ما أسمته افتتاحية صحيفة «واشنطن بوست» سياسة احتضان المستبدين العرب فقط لضمان حماية المصالح الأميركية في الشرق الأوسط، إلا أن أوباما لم يشر لا للديمقراطية ولا لحقوق الإنسان من قريب أو بعيد. يدلل صمت أوباما هنا من جهة على محدودية اهتمام الإدارة الأميركية بملفات الديمقراطية وحقوق الإنسان في مصر، ومن جهة أخرى على اعتمادها فيما تبقى من اهتمام مقاربة مغايرة عن مقاربة إدارة بوش السابقة تستند إلى حوارات القاعات المغلقة ورفض الربط بين هذه الملفات واختلاف وجهات النظر بين الدولتين حولها والشراكة الإستراتيجية مع مصر.

أما أجندة الرئيس مبارك في واشنطن فسعت أيضاً إلى وضع القضايا الإقليمية في الواجهة مدفوعة بخوف مصر من استمرار جمود مسارات التسوية بين العرب وإسرائيل وقناعتها بأن ذلك يشكل بيئة إقليمية مواتية لتمدد النفوذ الإيراني، الذي أصبحت القاهرة ترى به مصدر التهديد الأكبر لأمنها واستقرار الشرق الأوسط. التقطت مصر سريعاً ورحبت، شأنها في ذلك شأن دول عربية أخرى، بتغيير إدارة أوباما لبوصلة السياسة الأميركية في المنطقة باتجاه انسحاب سريع من العراق وتركيز على قضايا الصراع العربي-الإسرائيلي يبتعد إلى حد ما عن انحياز إدارة بوش السابقة المطلق لإسرائيل ويهدف إلى دفع الأطراف إلى مفاوضات حول التسوية النهائية. أن يضع الرئيس مبارك القضايا الإقليمية في الواجهة، هو أمر طبيعي ينسجم مع الدور المصري، الذي وإن تراجع خلال الأعوام الأخيرة يظل دوراً محورياً وقادراً على توظيف العديد من الأوراق لصياغة لحظة انفتاحات تفاوضية جديدة في الشرق الأوسط. فمصر ليست بالدولة الصغيرة التي يذهب رئيسها إلى واشنطن فقط للتباحث حول العلاقات الثنائية مع الولايات المتحدة أو للاستماع إلى توجيهات حول كيفية إدارة شؤون دولته الداخلية، بل إن هيبة وواجبات موقعه تقتضي منه رفض ذلك والإصرار على وضع القضايا الإقليمية في الواجهة وحسناً فعل.

من جهة أخرى، يدرك مبارك ومعه الحكومة المصرية أن توترات الأعوام الماضية بين واشنطن والقاهرة تركت العديد من الندوب التي ينبغي التعامل معها، وأن إدارة أوباما، وإن اتسم اهتمامها بملفات الديمقراطية وحقوق الإنسان بالمحدودية، إلا أنها راغبة في حوار هادئ وغير علني حولها ومن ثم ربما يستدعي هدف العلاقة الإيجابية مع الولايات المتحدة شيئاً من الانفتاح المصري على الرغبة الأميركية في هذا الصدد. وقد كان لافتاً أن الرئيس مبارك، وفي مقابل صمت أوباما، أشار في مؤتمرهما الصحفي إلى تناولهما قضايا الإصلاح في مصر وإلى أنه أكد للرئيس الأميركي عزمه الاستمرار في تنفيذ برنامجه الإصلاحي الذي انتخب في 2005 على أساسه. وبغض النظر عن شكوكي الكثيرة في مدى صدق نوايا الإصلاح والانفتاح السياسي للرئيس مبارك وكون الحكومة المصرية لم تقدم خلال الأعوام الماضية على خطوات ديمقراطية حقيقية، بل استمرت على ممارساتها المقيدة للتعددية والمنافسة السياسية، إلا أن المهم هنا هو رصد التغير في أدوار الطرفين الأميركي والمصري حين التعرض للديمقراطية. ابتعد أوباما عن الدور الذي دأب الرئيس السابق بوش على الاضطلاع به بتوجيه انتقادات علنية لممارسات الحكومة المصرية بشأن الديمقراطية وحقوق الإنسان ولم يضع من ثم ضيفه المصري في خانة الدفاع عن النفس والتقليل من أهمية الانتقادات، وفي المقابل تحدث مبارك بإيجابية عن الأمر تؤشر- وإن شككنا كمصريين في مصداقيتها إلى حد بعيد- إلى إمكانية شروع الولايات المتحدة ومصر في نقاش هادئ ومستمر لا يكرر «حوار الطرشان» الذي وسم الأخذ والرد بين إدارة بوش والحكومة المصرية في هذا الصدد وكانت حصيلته الأوضح هي توتر العلاقات بين الدولتين والنفور بين رئيسيهما.

من حق بعض المصريين الأميركيين والبعض الآخر من المهتمين بملفات الديمقراطية وحقوق الإنسان في مصر بين الكتاب والمؤسسات الأميركية انتقاد إدارة أوباما على اهتمامها المحدود والتظاهر ضد صمتها العلني، إلا أنني على يقين من أن دبلوماسية أوباما الهادئة وحوارات القاعات المغلقة ستدفع الطرف المصري إلى التعامل بانفتاح مع الرؤية الأميركية وستراكم تدريجياً من الفاعلية ما قد يسمح لواشنطن بممارسة شيء من الضغط الإيجابي على القاهرة باتجاه إدخال بعض الإصلاحات السياسية. وفي جميع الأحوال، وبواقعية شديدة، لا تسمح ظروف الشرق الأوسط في اللحظة الراهنة لأوباما بأكثر من ذلك ولا تملك إدارته بمفردها القدرة على دفع مصر نحو تحولات ديمقراطية كبرى أو الحيلولة دون توريث السلطة، بل وربما رأت في الاحتمالية الأخيرة ضمانة للاستقرار الداخلي في دولة هي شريك استراتيجي رئيسي في منطقة مضطربة. أمر مصر وتحديد مسارات تطور حياتها السياسية في المستقبل القريب بيد المصريين لا غيرهم.

* أكاديمي مصري. 

back to top