الـ بادي أظلم
ما حصل بين النائب بادي الدوسري والعقيد كامل العوضي لطخة سوداء في جبينين، جبين مجلس الأمة الذي يقوم أعضاء فيه بالاستقواء على موظفين لأهداف انتخابية، وجبين الحكومة التي تمارس الضعف إزاء هذه الظاهرة السلبية المستشرية والمتمادية.
تعوَّد نواب كثيرون على مدى سنوات طويلة أن يظهروا بمظهر «الفتوة» الذي يستطيع أخذ مطالبات الناس بقوة ذراعه أو بالصراخ أو بأساليب الضغط التي تجعل الموظفين يرضخون للتجاوزات. وهم لم يتوقفوا عن هذا السلوك الذي وصل حد ممارسة الضغوط للتحكم بالمناصب والترقيات وأثمر بالنسبة لكثيرين منهم في صناديق الاقتراع، لأن أحداً لم يوقفهم عند حدهم ولم يذكِّرهم بأنه لا قانون يسمح لهم بتخليص المعاملات وإعطاء الأولوية لناخبيهم أو المحسوبين عليهم، فالناس سواسية، والخدمة العامة يجب أن تقدم بلا تمييز، ويُفترض ألا يلجأ المواطنون إلى واسطة ليحصلوا على حقوق كفلها لهم الدستور ونظمتها القوانين، أو ليسرِّعوا وتيرة معاملة علقت في أدراج موظفين كسالى أو عرقلها الروتين الإداري، بل ان آليات المراقبة التي يجب أن يفعِّلها الوزراء هي الكفيلة بوصول الحق إلى أصحابه في كل دائرة من الدوائر التي تستقبل معاملات. بقدر ما يتحمل النواب مسؤولية تجاوز الدور المحدد لهم بالدستور، تقع على عاتق الحكومة مسؤولية منع ظاهرة الواسطات، لا سيما تلك التي يتولاها النواب. وواجب الحكومة خصوصاً أن تمنع الظاهرة في اتجاهين: الأول، تفعيل عمل الوزارات وتحسين أداء الإدارة عبر إزالة الترهل ووقف التعامل معها بوصفها ملجأ للبطالة المقنعة وسبيلاً إلى توزيع الريع بغض النظر عن مستوى الإنتاج، فيحصل المواطن على خدمته بلا منّة من وسيط، وبلا هدر للكرامة او للوقت. والآخر، أن تثبت الحكومة أنها قوية وجدية، فترفض الافتئات على صلاحياتها وتمنع تداخل السلطات وتشكل سنداً للموظف العمومي ليمارس مهمته وفق القوانين، وبلا خوف من نائب يرفع صوته ويعرض عضلاته، أو نافذ يعتبِر مؤسسات الدولة ملكاً مشاعاً أو مزرعة خاصة. أخطأت الحكومة في مواجهة نهج الواسطات والتدخلات من الأساس، فهي لعبت على الدوام لعبة تسهيل أمور نواب لتضمن ولاءهم أو لتحتوي اعتراضاتهم، وتحوَّل هذا النهج على مرِّ الأيام رشوة عنوانها خدمة مصالح الناس... ثم لماذا اللجوء الى العنف مادام النواب قادرين على حمل معاملات ناخبيهم إلى منصة الحكومة «حسب الاختصاصات»؟ وما فائدة «لجنة الشكاوى والعرائض» التي هدفت إلى مساعدة أي مواطن مظلوم اذا كان النائب يستسهل تجاوزها ليحقق بالقوة رغبات طالب الخدمة؟ حادثة النائب الدوسري مع العقيد العوضي نموذج من أمثلة يومية يمكن لموظفين كثر روايتها، بعضها يتحدث عنه الإعلام وبعضها يمر بلا ضجة ولكن ليس بلا آثار على مفهوم الوظيفة العامة وعلى صورتي مجلس الأمة والحكومة. لكن حدة حادثة أمس وفجاجتها يجب أن تكونا دافعا لموقف واضح من مجلس الامة ممثلا بمكتبه ولموقف للحكومة صارم وحازم تمارس بموجبه صلاحياتها بلا نقصان، فتؤدي الخدمات حسب الأصول وتمنع غارات النافذين والنواب، وتستعيد كرامة الموظف بالموقف الجريء وبواسطة الحق العام. الجريدة