افتتاحية بهدوء... بعد السقطة
أما وقد أقر مجلس الأمة "إسقاط الفوائد" بمداولته الثانية، فالواجب يقتضي التوضيح بهدوء لوضع الأمور في نصابها بعيداً عن السجال حول القانون وعدالته ومواءمته للقواعد الاقتصادية.
وبكل محبة نقول للنواب الكرام الذين أيدوا مشروع القانون إن تصويتهم لا يحوِّل الخطأ إلى صواب ولا يغيِّر الحقائق الواضحة مثل عين الشمس، فالحقيقة لا تحتاج إلى أكثريات أو أصوات مرتفعة لأنها قيمة قائمة بذاتها حتى ولو لم يقف بصفها إلا فرد واحد، وما فعله ممثلو الأمة سقطة من سقطات السلطة التشريعية ستبقى مسجلة في سجلها وإن لم يصل القانون إلى النهايات أو يدخل حيز التنفيذ. ثم، ما نفع هذا النقاش الطويل في شأنٍ كان يمكن حسمه من الأساس بالحس السليم وبممارسة المسؤولية وبالعودة إلى أهل الاختصاص؟ ولا تستقيم هنا حجة أن ما جرى جزء من حيوية المؤسسات الديمقراطية والحياة السياسية الكويتية، فالمجتمع الكويتي كان بغنى عن هذا "الجدل البيزنطي" المحسوم النتائج منذ قال سمو الأمير إنه سيعيد القانون إذا أُقر وعرف النواب الأسباب الموجبة لهذا القرار. كان أجدى حتماً لو لم يُضع النواب وقتهم ووقت الناس في أمر أقصى ما يمكن أن يحصلوا بنتيجته على حفنة من الأصوات في الانتخابات أو صيحات إعجاب انفعالية تصدر عن البسطاء. ولَكانت الفائدة مضمونة لو انكب النواب على درس مشاريع حقيقية للتنمية المتوازنة والمستدامة أو لقضايا تمس فعلاً مصالح كل المواطنين، وهي مكدسة في أدراج المجلس بالعشرات ولا تحتاج إلا إلى جزء يسير من النقاش والوقت والجهود التي بذلت لإقرار قانون محكوم عليه سلفاً بالإعدام. لا يمكن للعاقل والناظر إلى مستقبل الأجيال أن يقبل ما "أنجزه" النواب أمس، لكن لا أحد يفرح برد قانون صوتوا عليه بالأكثرية أو يشمت لأنه سيرتد إلى نحورهم، فالأساس هو أن تتبصر الأكثرية قبل الإقدام على المجازفات وألّا ينجرَّ المترددون إلى سلوك انتهازية ممجوجة جعلتهم يناصرون القانون لعلمهم أنه لن يمر في كل حال. أما ما يستدعي سؤالاً كبيراً ولا يعفي الحكومة جزئياً مما حصل في مجلس الأمة فهو تلك المفارقة العجيبة التي تضمن للحكومة أكثرية مريحة في الاستجوابات وتجعلها عاجزة عن تأمينها في قضايا لا تعرِّض مواقع الوزراء للأخطار. فمُستغرب فعلاً أن الحكومة التي "تستذبح" لحماية وزرائها من المنصة ولضمان عبور المستجوَبين لم تبذل الجهد الكافي أو الناجح لتأكيد أكثريتها واتخاذ مواقف تصحح أداء المجلس وتمنع المبالغات وتعيد الطروحات إلى نصابها وإلى الطريق القويم. قد لا يمر قانون "إسقاط الفوائد" بعد توصية مجلس الوزراء للأمير برده، والقانون في أصله غير قابل للتطبيق فنياً بسبب الشبهات الدستورية و كم التناقضات المتداخلة فيه. لكنه يطرح حتماً سؤالاً شاملاً عمن يتحمل مسؤولية تضييع الأولويات، النواب أم الحكومة أم جمهور الناخبين؟ والمسألة تتعدى التقاسم المتساوي للأخطاء إلى جوهر اللعبة السياسية التي يفترض أن تبقى منزهة عن الأهداف الصغيرة ومربوطة بالمصلحة العامة. الجريدة